الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

يوم غُزوت أمريكا/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-03-04 11:13:16 AM
يوم غُزوت أمريكا/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

في التاسع من آذار 1916، اخترق الثائر المكسيكي "بانشو فيلا"، ومعه أكثر من 500 مقاتل، حدود الولاية الفيدرالية الأمريكية"نيو مكسيكو"، التي كانت قد انضمت للولايات المتحدة الأمريكية، قبل 4 أعوام فقط، لتصبح الولاية السابعة والأربعين. واستطاع "بانشو فيلا" احتلال مدينة "كولومبوس" الأمريكية، الواقعة على بعد 5 كيلومتر فقط، من شمال حدود جمهورية المكسيك، التي كانت "حبلى" في تلك السنوات، بالانتفاضات والثورات والانقلابات والصراعات المسلحة بين الفصائل المكسيكية الثورية المختلفة. 

يذكر أنه خلال الفترة من عام 1911 وحتى العام 1920، تناوب على رئاسة الدولة، 11 رئيسا، كان من بينهم بيدرو لاسكوراني، الذي بدأت رئاسته في الساعة العاشرة من صباح يوم 18 شباط 1913، وانتهت بعد 45 دقيقة فقط (وهي أقصر فترة رئاسية في التاريخ)!.

وما إن احتل المكسيكيون تلك المدينة الصغيرة، حتى بدأت طبول الحرب تقرع في الكونغرس وفي البيت الأبيض، تطالب الرئيس (ودرو ويلسون Woodrow Wilson)، بالرد على الاختراق المكسيكي للكرامة الأمريكية، واحتلالهم للمدينة الآمنة، وقتلهم 19 مواطنا أميركيا. وتم تعيين الجنرال "جون بيرشينج"، مسؤولا عن حملة "عقاب المكسيكيين" (سميت باسمه فيما بعد الصواريخ الباليستية، بيرشنج 1، بيرشينج 2 التي تم نشرها في أوروبا في سبعينات القرن الماضي). وكلف الجنرال الذي كان يتحدث اللغة الهندية، بدحر الغزاة وتلقينهم درسا لعشرات الأجيال القادمة، واعتقال زعيمهم "بانشو". 

وفي 15 آذار، توغل "بيرشنج" ومعه 10 آلاف جندي داخل الأراضي المكسيكية. وتم تحرير "كولومبوس" بعد أن هرب بانشو وخسر ثلث رجاله، الذين تم إحراق جثثهم. وسرعان ما نشبت نزاعات دامية، بين فصائل الثورة المكسيكية التي أطاحت بنظام الديكتاتور "دياث"، عام 1910. ومع أن الثوار اتفقوا في بداية الأمر، وبمباركة أمريكية، على تنصيب السنيور "ماديرا" رئيسا، إلا أنه تم اغتياله في العام 1913. ثم استولى الجنرال "كارانزا" على السلطة، وسط معارضة الرئيس الأميركي، والثوري "بانشو" حتى أن الجنرال بيرشنج التقى بالثوري المكسيكي، دون أن يعجب به. 

وفي خطوة مفاجئة، أعلنت الحكومة الأمريكية عن تغيير موقفها! ودعمها سياسيا وعسكريا للرئيس كارانزا!. 

ولم يعجب ذلك المعارضة المكسيكية التي كان بانشو على رأسها، والتي جاء ردها في نهاية شهر يناير-كانون ثاني 1916، بأن اختطفت 17 مواطنا أمريكيا وهم في طريق عودتهم إلى بلادهم. وفي خطوة تصعيدية، قرر "بانشو" احتلال مدينة كولومبوس الأمريكية. وجن جنون الرئيس "ودرو ويلسون"، الذي استدعى الجنرال بيرشنج طالبا منه اعتقال "الإرهابي المكسيكي". ومع دخول أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي (وصل عددهم فيما بعد إلى 130 ألف)، وخوضهم المعارك طيلة 11 شهرا، استخدم فيها الجيش الأمريكي، الطائرات لأغراض عسكرية لأول مرة في التاريخ. ورغم توغل القوات الأمريكية إلى أكثر من 600 كيلومتر داخل الأراضي المكسيكية، إلا أن الحملة في القبض على بانشو قد فشلت! وانسحبت القوات الأمريكية، بعد أن أعلنت عن جائزة مالية كبرى لمن يأتي "بالإرهابي المكسيكي" حيا أو ميتا. 

وفي العام 1920 أصدرت حكومة المكسيك عفوا عاما، شمل الثائر الكبير. وتم تخصيص قطعة أرض وبيت للرجل، الذي اعتزل العمل الثوري والسياسي، قبل أن يُقتل في العام 1923. الطريف ذكره أن القاتل الذي حكم عليه بالسجن 20 عاما طلب إعطاء قيمة جائزته المالية التي كانت الولايات المتحدة قد أعلنتها في السابق، إلى مؤسسات إنسانية في بلده، واصفا ما فعله، بأنه خدمة للمكسيك بتخليصها من زعيم سابق للعصابات.

يذكر أن بانشو فيلا، كان قبل الثورة المكسيكية أحد كبار زعماء العصابات، وبعد انخراطه بالثورة، صار يسرق من الأغنياء والإقطاعيين، وينفق ما يستولي عليه من أموال، على الفقراء والمحتاجين، حتى صار الناس يلقبونه بـ"روبين هود" المكسيك.

ترى، هل الفارق بين "روبن هود" المكسيك، وبين بعض من "روبن هوداتنا"، هو أن الأول كان يوزع غنائمه على الفقراء والمحتاجين، بينما الثاني ما زال يسرق ومن معه الأغنياء… والفقراء! بحجة أنهم كانوا يوما ثوارا، وظنا منهم، أننا قد ننسى، بأنهم كانوا يوما… وما زالوا "زعماء عصابات".