السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كتابة الشعر مكرهاً..

2015-02-11 12:24:51 PM
كتابة الشعر مكرهاً..
صورة ارشيفية

  

أنور الخطيب
 
أجلس الآن مكرهاً لكتابة الشعر
لي أسبابي الحمقاء:
أولا: جفاف دواة الحبر
واختفاؤها في مكانٍ غير آمنٍ
ككل شيء يختفي
عند أمن المكان،
وثانيا: غياب الورق،
وهذه قصةٌ طويلةٌ
كتبتها عند مفترق الطرق،
عند طريقٍ مُختَرق،
وطريقٍ مُنزَلِق،
كل طريقٍ تحمل سهماً يقود إلى نفقْ،
ولم يكن على جانبيّ أي طريقٍ شجرٌ،
أو عرقُ حبق،
ككل شيء..
إذا ما فاض عن خضرته، احترق،
وثالثا: رأسي فارغ تماما،
كسماءٍ لم تحج الطيور إليها
منذ تحوّل أعشاشُ العصافير لملهى،
تتوالد فيها الخنازير،
تشرب الخمر من جماجم الرفاق،
واحدٌ نفق،
وواحد يحترق،
وتمضي للحديث، على الهواء مباشرةً
عن "حق تقرير مصير"، سُرق،
ولا شأن للفلسطينيين بهذا،
إنما هو شأنٌ سماوي قديم،
التقت فيه الأخوةُ، عند مفترقٍ سماويّ طُرِقْ.
ورابعاً: لم تعد ابنتي الصغيرة تغفو
على وقع إيقاع حرفي المسائي
وقالت، ذات ليلة جريئة:
شِعرك يحمل لي كوابيس يا أبتاه
في كل ليلةٍ أحلُم ضبعاً،
يمرر سكينه على شفتيّ
في تلك الليلة، قلت لي:
توقف عن قراءة الشعر أيها الشقي
وابحث، عن مهنةٍ مجنونةٍ أخرى
تعيد أحلام الطيور إلى مخادع الصغار
أوّلُ كذبة لجأت إليها:
إن القراءةَ نبعُ الكتابةِ
تخلق فيك التوازنَ
بين الخارجٍ المريض ِوالداخلِ الممل،
قرأت ألف كتاب،
حرقتها كلها، اكتشفتُ؛
جميعُها فُضّت، بعين الرقيب الضريرة،
عرفت ذلك من عناوينها
من غياب الدهشة فيها
من فجواتٍ أتخمتِ النصّ بالفراغ
لكنني، لم أتوقف عن القراءة
فالمبدعون يسرّبون أناجيلهم
في حقائبَ شخصياتٍ هلاميةٍ
تُربك عينَ الرقيبِ الضريرةِ
فيمضي على إثرها إلى الوضوح.. أي،
إلى نهديّ امرأةٍ، تدللُ ابنَها، فوق السطوح. 
وثاني كذبةٍ لجأت إليها التأمل:
نظرٌ دائم في المدى الدموي والفراغ المسجّى
وصرت كما ابنتي: أحلم كلَّ ليلةٍ بضبعٍ
يمرّرُ سكينه على عينيّ اللتين تقرآن
ما خلف النصوص، ويستتيبني،
فعدت إلى مهنتي في كتابة الشِّعر
لكنني، صرت أجلس مكرهاً،
أمام شاشةٍ فضيةٍ غبيّةٍ
تقفزُ منها صورٌ،
لرؤوسِ عصافيرَ أنكرت تعدّد الزوجات،
بقيتُ أحدّق في شاشةٍ
بياضها، يجفّف الدماغ
أبحث، عن أسبابي الحمقاء
لم، أجد سبباً واحداً جديراً بالقداسة،
فالجمال الأنثوي جمرةٌ مطفأةٌ بالأسيد
وماءِ العبيد
وحرفي، يشمئز من غزلٍ يلقي بردة الورد
على جسدٍ صلد،
والفدائي الذي كان، لم يعد كائنا،
معنى وكياناً مجسدا
واختفى، في مكانٍ آمنِ
مثل مفردات جارنا الشهيد
التي تحوّلت إلى نشيدٍ غانيات،
وحين قال عابرٌ قادمٌ من زمن الرصاص: حرام
قيل له: الشهيد مات..
أراد قراءة آية من نصه المقدس
أن الشهيدَ حيٌّ عصيٌّ على الدود،
أردوه خلف الحدود،
بين قاتلٍ لأبيه، وحارقٍ للورود،
لم أجد سبباً واحداً جديراً بالقداسة
كي أكتبَ الشعر لهذا،
أحتسي كل ليلةٍ نبيذاً من زجاج الفراغ،
حتى إذا ثَمِلتْ دُواتي،
واستكانت نبوءتي
كتبت على ورق فارغٍ: هئنذا،
ما زلت أكتب الشعر
حتى في سكرةِ الدواة
واختفاء الورق،
أقيم بين أضلعي عند مفترق الطرق
ريثما يُخلقُ منّي ضلعٌ مستقيم
يشاطرني الفراغ.