الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سعدات غريب.. فلسطيني تحاصره "إسرائيل" منذ عام 1979

2020-07-02 09:18:59 AM
سعدات غريب.. فلسطيني تحاصره
البيت المحاصر

 

 الحدث ـ جنى حسان

"بالنسبة لي أنا منذ عام 1979 وأنا أعاني من الضم، وهو ليس أمرا جديداً بالنسبة لي، ولكن بقية سكان شمال غرب القدس سيعانون من معاناتي بشكل مضاعف"، هذا ما قاله سعدات غريب من قرية بيت اجزا شمال غرب القدس، والذي يعاني من حصار إسرائيلي مفروض على منزله منذ عام 1979.

وقال غريب إن فصول حكايته بدأت منذ استصدار والده لترخيص بناء منزل على قطعة الأرض البالغة مساحتها 100 دونم على جبل في القرية عام 1979، موضحاً أنه وفي نهاية العام المذكور، جاءت مجموعة من المستوطنين للمنزل ومعهم حقيبة مليئة بالأموال بعملات متعددة، وعرضوا على والده بيع المنزل والتوقيع على ورقة تثبت بأنه باع الأرض مقابل المال، إلا أن والده رفض هذا قائلاً "لو دفعتم أموال (إسرائيل) في الداخل والخارج بأكملها لن أتنازل عن ذرة تراب واحدة من هذه الأرض"، ليحول الاحتلال حياة الأسرة بأكملها إلى جحيم، وينغص راحة عيشهم في منزلهم.

وبحسب سعدات، فإن الاحتلال أحضر بعد عدة أيام من الحادثة أمراً بهدم المنزل، إلا أن رخصة البناء التي حصلت عليها العائلة من المحكمة العسكرية للاحتلال حالت دون الهدم، لتتكرر الحادثة عدة مرات منذ بناء المنزل وحتى عام 1994، وبعد أن فشل الاحتلال في الاستيلاء على المنزل بطرق "قانونية" وهمية، بدأ بمحاولة فرض سيطرته على الأرض بطرقه غير المشروعة المعتادة.

"بدأ الاحتلال في العمل على الاستيلاء على 40 دونماً من قطعة الأرض، وذلك من خلال محاولة تكسير منزلنا، ووضع الأشياك بالإضافة إلى تركيب أعمدة الإنارة في هذه المساحة، ونحن كنا نتعرض للاعتقالات المستمرة أنا ووالداي وأشقائي، إلا أننا استمرينا في الذهاب إلى المحاكم إلى حين اتفاقية أوسلو، إذ رفض القاضي البت في قضيتنا متذرعاً بتأجيل جميع هذه القضايا إلى وقت لاحق"، يتابع غريب، مؤكداً أن الاحتلال رغم تأجيل القضية لم يتوقف عن مضايقة العائلة، فبدأ بجرف الأشجار من قطعة الأرض وهدمها، بالإضافة إلى البدء في إنشاء مستوطنات وأبنية عمرانية، ولكن العائلة حالت دون إتمام عمليات البناء لأربعة أعوام متتالية، إلا أن الاحتلال، نجح في النهاية في سرقة 40 دونماً من قطعة الأرض، وتأسيس مستوطنة عليها.

وأضاف سعدات، بأن المستوطنين في المستوطنة المبنية على الأراضي المنهوبة، يتعمدون مضايقة العائلة، ففي كل آذان يرفع في المسجد، أو عند خروج الأطفال للعب، أو حتى عند قدوم الضيوف أو الصحافة إلى المنزل، يهرع المستوطنون إلى العائلة، ويصوبون الأسلحة والحجارة تجاه العائلة وضيوفها، فضلاً عن الاقتحامات المستمرة للمستوطنين والجيش الإسرائيلي للمنزل، وكل ذلك في سبيل إرغام العائلة على ترك المنزل.

وفي عام 2004، بدأ الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري، وبعد عامين وصل الجدار إلى منزل عائلة غريب، فما كان من سلطات الاحتلال إلا أن قامت باعتقال سعدات ووالده وأشقائه، فيما فشلوا في اعتقال والدته، ليستغلوا غياب رب الأسرة وأبنائه عن المنزل، وقامت سلطات الاحتلال بإنشاء جدار طوله 3 متر ونصف، ومتر من الحديد، بالإضافة إلى سياج حديدي ارتفاعه متر ونصف، وبعد انتهاء الاحتلال من بناء الجدار، أُفرج عن أفراد الأسرة المعتقلين بحسب ما قاله غريب.

"لم يكتفوا ببناء الجدار، وأقاموا بوابة إلكترونية تتحكم بها الشرطة الإسرائيلية حول المنزل، ولا يمكن الخروج ولا الدخول إليه إلا من خلال الاتصال بالصليب الأحمر والارتباط الفلسطيني، لتفتح لنا الشرطة البوابة" يستأنف سعدات حديثه، مشيراً إلى أن الزيارات العائلية كانت ممنوعة، فشقيقاته المتزوجات لم يكن باستطاعتهن زيارة عائلتهن، بالإضافة إلى أن الاحتلال كان يرفض إدخال أي شخص من خارج العائلة التي تقطن المنزل، متذرعين بضرورة استخراج تصاريح زيارة لهم ليتمكنوا من دخول المنطقة المحظورة.

ووفقاً لغريب، فإن العائلة أمضت 4 أشهر ونصف في المحاكم العسكرية، حيث نجحت في انتزاع قرار يقضي بحرية الحركة، واعتبار بوابة المنزل، بوابة خاصة ملك للعائلة ولا يحق لأحد التحكم بها، "أخبرت الضابط الصهيوني بأن أنا لا أشكل خطراً على أحد، المستوطن هو من يهدد أمني"، يقول سعدات.

وذكر غريب محاولات الابتزاز المستمرة التي يتعرض لها من قبل الضباط الإسرائيليين، إذ أنهم عرضوا عليه أي مبلغ يريده وجوزات سفر لأفراد عائلته، بالإضافة إلى عرض هجرة إلى أي دولة يختارها سعدات، مقابل بيع ما تبقى من الأرض والمنزل، وجاء ذلك بعد تبليغه بضرورة الذهاب إلى المخابرات الإسرائيلية عقب تقديم المستوطنين لأكثر من 13 بند شكوى بحقه، فيما رفض غريب العروض التي قدمت له قائلاً " لو تدفعوا مال إسرائيل كاملاً لن أخرج من أرضي ولن أبيعها أو أتنازل، الذي رفع شكوى بحقي هو المستوطن، مما يعني بأنه المنزعج من وجودي لأن لا أصل ولا فصل له، لذلك عليه هو الرحيل لا أنا".

من ناحيته، أوضح مسؤول ملف الأغوار في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان معتز بشارات، أن الضم يعني السيطرة على الحياة الفلسطينية، وخسارة فلسطين لكافة الموارد الطبيعية والاقتصادية وسلة الغذاء الأكبر فيها، كما أن ضمها يعني الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي في الضفة بأقل عدد سكان.

وأشار بشارات إلى أن إصرار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على ضم الأغوار تحديداً، يأتي نتيجة لما تتمتع به الأغوار من موارد مائية وزارعية واقتصادية ضخمة، إذ أنها تشكل 60% من نسبة الإنتاج الزراعي في الضفة، ويوجد فيها ثاني أكبر حوض مائي في الضفة، ولما تحتويه من مياه في باطن الأرض، بالإضافة إلى الثروات الطبيعية الموجودة فيها.

وبحسب بشارات، فإن الأمم المتحدة نشرت تقريراً عام 2017 يكشف عن أن الأغوار تنتج ما قيمته 4 مليار دولار سنوياً، وتدخل هذه الأموال ضمن الموازنة المالية للاحتلال.

 ويضيف بشارات، أن الاحتلال يسيطر على 420 ألف دونم من إجمالي مساحة الأغوار، يقيم عليها 36 مستوطنة يقطنها حوالي 9500 صهيوني، مقابل من60 إلى 65 ألف مواطن فلسطيني، فضلاً عن إقامة 126 معسكراً لجيش الاحتلال.

"الاحتلال منذ عام 1967 وهو يتطلع لضم الأغوار، ففي عام 1968 تم بناء أول مستوطنة وهي مستوطنة نيكولا، كما أقيم معسكر ناحل الذي يجثم على أراضي منطقة المالح في العام ذاته، والذي يعد أول معسكر لجيش الاحتلال" بحسب بشارات.

وبين بشارات أن الاحتلال أيضاً يسعى من خلال الضم إلى السيطرة على أهم مصادر للمياه في الضفة الغربية، إذ قام الاحتلال بحفر ثلاثة آبار ارتوازية في منطقة بردلة، ويبلغ إنتاج أقل بئر فيها في الساعة الواحدة أكثر من 850 كوبا، وتضخ هذه المياه في المستوطنات ومزارعها، فيما يحرم السكان الأصليون من هذه المياه والإضرار بالمزارعين الفلسطينيين، بالإضافة إلى الاستفادة من حوض المنطقة المائي، والاستفادة من خيرات البحر الميت.

ليس هذا فحسب، فوفقاً لمسؤول ملف الأغوار، فإن الأغوار تشكل الحدود الأطول بين الأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية الأردنية، وبمجرد فرض السيطرة الإسرائيلية عليها، فإن ذلك يعني هدم ما أسماه "بحلم الدولة الفلسطينية"، نظراً لتحكم الاحتلال بهذه الحدود وفرض السيطرة الشاملة عليها بذرائع أمنية كاذبة.

وشدد بشارات على ضرورة وقوف أبناء الشعب الفلسطيني من جميع فصائل العمل الوطني في خندق واحد ومحاربة الاستيطان وخطة الضم، مؤكداً على أن فلسطين ومصالحها أكبر من الجميع وأن ما تتعرض له الأغوار ليس إلا نكبة جديدة تضاف إلى قائمة النكبات الفلسطينية المستمرة.

في السياق ذاته، أكد الخبير في شؤون الإستيطان خليل تفكجي أن حكومة الاحتلال أعلنت عن اكتشافها لشبكة تهريب أسلحة واسعة على الحدود الشرقية للبلاد، موضحاً بأنها الذريعة ذاتها التي تتكرر منذ عام 1967 عند رغبتهم في الاستيلاء على مساحات من الأراضي الفلسطينية،  ويرى الاحتلال أن الأغوار مقبرة للدبابات باعتبار وجود جبهة شرقية كانت موجودة منذ النكسة وحتى هزيمة الجيوش السورية والعراقية عام 1991.

ويوضح تفكجي، أن هذه الذرائع الأمنية ليست إلا حجة يتخذها الاحتلال لتحقيق مكاسب وأهداف اقتصادية ضخمة، فأكثر من 850 مليون دولار تدر سنوياً على الاحتلال من الزراعة والمنتجات الغذائية المبكرة في الأغوار، فضلاً عن الاقتصاد المائي ووجود البحر الميت، الذي يعد أهم مراكز السياحة العلاجية، بالإضافة إلى الرغبة في السيطرة على المصادر المائية الموجودة  في الأغوار.

"هذه طريقة الاحتلال التذرع بالأمن، إلا أنه في الحقيقة، دائما هناك أسباب أكبر من الأمن، فعندما تم بناء الجدار في القدس، تحججوا بالخوف على أمنهم، إلا أن الحقيقة كانت أن هناك أسباباً ديموغرافية يعمل الاحتلال على تحقيقها، وكذلك هو الحال عند إنشائهم للجدار في الضفة الغربية، والذي أقيم ضمن عملية ترسيم الحدود من جانب واحد"، يتابع الخبير تفكجي.

وفيما يتعلق بالاستراتيجيات المتوقع أن يتبعها الاحتلال في عملية ضم الأغوار، أشار تفكجي إلى أن الأغوار أساساَ تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 1967، إذ أن الاحتلال لم يتوانى في إقامة البؤر الاستيطانية، وإنشاء المحميات، وتحويل بعض الأراضي الفلسطينية لأماكن عسكرية مغلقة ومناطق تدريب عسكري، بالإضافة إلى استغلال ما يدعى "بقوانين أملاك الغائبين وأملاك الدولة"، لذلك فإنهم بالفعل يفرضون سيطرة على الأراضي الفلسطينية في الأغوار.

وحذر تفكجي من خطورة الضم، إذ أنها عملية تطهير عرقي للفلسطينيين، فضلاً عن أنه يعني انتهاء سلة الغذاء الفلسطيني، فالاعتماد الفلسطيني الأكبر هو على الزراعة، وتحديداً في منطقة الأغوار، بالإضافة إلى ما يشكله الضم من خطورة على عدد من مصادر الاقتصاد في البلاد كاستخراج الأحجار والحصى من الكسارات، وفقد التواصل الجغرافي مع الجانب الأردني، الذي سيكون تحت السيطرة الإسرائيلية، ولن يكون هناك دخول أو خروج إلا بإذن من سلطات الاحتلال.