الجمعة  17 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كوشنر البائس والقيادة السيئة!/ بقلم: عصام بكر

2020-08-19 09:00:39 AM
كوشنر البائس والقيادة السيئة!/ بقلم: عصام بكر
عصام بكر

 

جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي يصر على الحط من قيمة الاحترام للذات التي يمكن لشخص يملك طموح وهيبة السلطة وبريقها الخادع مترافقة مع سطوة المال والأعمال أن يحافظ عليها على الأقل لحفظ ماء الوجه، والسعي لاكتساب بعض المصداقية اللازمة لبهو الكياسة أمام الوسط المخملي الذي ينتمي إليه رغم طموح الشاب الوسيم الساعي لدخول حقل السياسة المستجد على عالمها ولكن تنقصه الخبرة والحيز غير المتمتع بهما، ولا بتعاليم علوم السياسة المبنية على قراءة المتغيرات، وأيضا بما يتطلب العمل فيها من مراس واسع وطويل مصحوبا بحنكة سياسية، وقدرة فائقة على الوعي، والثقافة، والاطلاع على التفاصيل الكامنة في زوايا وتعقيدات عالم السياسة المشوب بكل الحذر.

كوشنر العراب لصفقة القرن، وأحد مستشاري سيد البيت الأبيض يطل علينا هذه المرة بعد سلسلة من التصريحات السابقة المثيرة للجدل على مدار السنوات القليلة الماضية، والتي لم تكن موفقة في أحسن أحوالها، وخصوصا في حديثه ومواقفه المرتبطة بحل القضية الفلسطينية التي يراها على مقاس وطريقة نتنياهو الفاسد الملاحق بملفات إساءة استخدام السلطة، وسوء الائتمان وسط الحديث عن شراكات، وعلاقات مالية للابن اليهودي المدلل لدى البلاط البيضاوي(كوشنر) المتفاني بجد وجهد، وإخلاص لخدمة مشروع الاحتلال والاستيطان الاستعماري في المنطقة العربية على حساب شعوبها ومقدراتها مع سيء الصيت المتربع على رأس الحكومة في تل أبيب – هذه التصريحات الجديدة هي استمرار لسياق طويل من زراعة الحقد الأعمى، وسوء استخدام الألفاظ التي تقتضيها على الأقل الأعراف الدبلوماسية للوقوف على الحياد أو تجميل صورة الوجه أحيانا، وطلائه بالمكياج، وفي كل مرة تعمل الإدارة الأمركية على ذلك سرعان ما يسقط القناع الذي تخفي وجهها به ليتكشف من تحته بؤس، وعقم الرهان على أمريكا التي هي ذاتها في مناصبة العداء للشعوب كما هي دوما، وجديد تصريحات كوشنير بعد (الاختراق) الإماراتي لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، وتحدثه عن القيادة الفلسطينية ووصفها "بالسيئة" هي في الحقيقة شهادة تقدير للقيادة تثبت انها تتمسك بالحقوق، والثوابت الوطنية، وانها اي القيادة لم ولن تكون يوما اداة مطياعة في ايدي الامريكان، وان القيادة لن تسمح بالنفاذ عبرها لتمرير ما يريده الاعداء او العبور للوعي الفلسطيني، وتبديل ابجديات الرواية القائمة على الحق التاريخي، وهي رواية الحياة بان هذه الارض ليست الا للشعب الفلسطيني الذي لم يسطو على احد، ولم يحتل ارض الغير بالقوة، ولم يمارس جرائم الابادة الجماعية، والاقتلاع بحق احد بل هو من طرد في صقاع الارض في محاولة لمحوه ليعود محافظا على ارثه الحضاري والانساني، وهويته الوطنية الضاربة في اعماق التاريخ، وان تبدلت لدى البعض بعض الصور لكنها غير قادرة على تغير الواقع، والقفز عن حقائق الماضي .

تصريحات كوشنير عبر قناة سي. بي .اس حول اغراق المنطقة في الصراعات القديمة هي فن من فنون استدامة الكراهية، والكذب لكن غير المتقن بل يصل للوضاعة المشوبة بالسخرية، وكأن المنطقة تعيش منذ عقود فترة نموذجية من الاستقرار والرخاء، والازدهار ولا يخفى على أحد أنه بفعل التدخل الاميركي، وايدي وكلاء الولايات المتحدة في منطقتنا كل ما نشهده من ويلات ونزاعات، وحروب تحركها تلك الأصابع الخفية والعلنية في لعبة دولية تشارك بها أطراف عديدة في مقدمتها اميركيا، ولا يعلم كوشنير كونه مستجد، وتلميذ سيئ ايضا ان سبب التناحر الدموي المتواصل في المنطقة الاساسي هو احتلال اسياده لأرضنا، والتمدد في الأرض العربية لكنه يحاول استمالة النخب المتعجرفة التي تشاركه ذات التوجه ولا ترى غير مواصلة ضخ الأكاذيب "واستهبال" العقول، مع اللعب على اوتار وهم الاقتصاد والتنمية على حساب الحقوق حقوق الشعوب في السيادة، والتمتع بمقدراتها، وثرواتها ومواردها .

من أين جاء كوشنير بهذه الشجاعة!! ليقول ما قال متناسيا ان الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل بفرض قيادة لا تمثله مثلما لا يقبل سياسة الأمر الواقع، وفرض الحلول عليه، وبدلا ان يقر بفشل صفقة القرن وهو رجل الأعمال الذي يؤمن بالصفقات التي قد تنجح وقد تخيب وهي ستخيب حتما هذه المرة يحاول تسويق القيادة البديلة مثلما راى سقوط ورشة المنامة التي انتهت الى غير رجعة هي الاخرى، وما يقوله لا يعنى شيئا على الإطلاق بالمعنى السياسي الا التأكيد على الحقد الامريكي الاعمى لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ويفتح الذاكرة على سجل أسود من حقبة سابقة حين اتفق شارون وبوش على "ازاحة " ياسر عرفات من المشهد باعتباره(عقبة أمام السلام) والترويج ان الفلسطينيين يستحقون قيادة أفضل!! والسؤال المطروح هو افضل بأية مقياس؟ وافضل لمن!! القيادة الفلسطينية التي على مقاس إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة! هي لن تكون محل ترحاب او قبول لدى الشعب الفلسطيني، ومحاولة إقصاء القيادة الحالية لن تكون محل قبول او وجود امكانية للتعاطي معها بأي حال من الاحوال بل هذه التصريحات تقع في خانة التدخل السافر في الشأن الداخلي الفلسطيني لانهم يريدون قيادة موالية للاملاءات، والشروط قيادة تقبل بتمرير سلب الارض، وتمرير المخططات لاستدامة الاحتلال فيها .

ربما هذه التصريحات الصبيانية لكوشنر التي طالما تعودنا على اطلاقها من حين لاخر منذ الحديث عن صفقة القرن لا تستحق عناء الرد عليها حتى، وهي ليست ذات قيمة باي وزن سياسي كونها فقاعات صابون لكن المغزى، والتوقيت في ظل اشتداد الهجمة بعد قطع العلاقات مع امريكا، والضوء الاخضر لتنفيذ الضم، وسلسلة المواقف الاميركية التي اعقبت ذلك كله تعود الولايات المتحدة لتنبري مصممة على المضي في الشراكة الكاملة مع الاحتلال  وفي كل محطة تعمل على اظهار لمن لا يريد ان يفهم ويرى مدى التماهي الكامل وهذا برأيي التعبير الصادق الواضح الذي لا لبس فيه حول حقيقة وجوهر الموقف الاميركي الرسمي، وهو بالمناسبة الموقف الطبيعي القائم على  تدمير قواعد العمل الدولي، والشرعية الدولية كاسس للحل ليحل محلها منطق القوة، وفرض الحلول، واستعباد الشعوب وبالذات العربية .

كوشنير الاتي لنا عبر اروقة المال القذر يبيع نفسه وهما جديدا هذه المرة من اجل استمرار اسطوانة الترويج لاي امكانية يراها سانحة لبيع ما يريد، ولكن من يشتري بضاعة فاسدة ليس بعاقل اي لا يوجد من يشتريها لان امكانية تطويع ارادة الشعوب، وثنيها عن التمسك بمستقبل اجيالها بل يغرق نفسه في احلام اليقظة التي سيصحو ذات يوم ليجد نفسه خال الوفاض مسربلا بالخيبة، والفشل الذريع ببساطة لان الشعب الفلسطيني باق موجود على الارض لا يمكن إلغاء وجوده من التاريخ والجغرافيا، وعليه اي كوشنير مراجعة درس محاولة ازاحة عرفات بعد فشل كامب ديفيد، ورفض التنازل عن الثوابت ومن مدلولات ذلك اندلاع الانتفاضة الثانية رفضا لفرض الحل، والمقاربة بينهما ما يجري الان على ضوء فشل حلول التصفية الامريكية، وبعد قرارات 19 ايار الماضي للقيادة الفلسطينية التي تقضي بالتحلل من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، وبينهما جرت الكثير من المياه من ذلك الحين في النهر كما يقال، واختلفت معها الظروف والاوضاع، ولكن بقي الثابت الذي لا يتغير هو تصميم الشعب الفلسطيني على التمسك بحقوقه كاملة، وان أي قيادة مهما كانت لا تتمسك بهذه الحقوق لن يكتب لها النجاح ومحاولة اختراع قيادة بديلة لمنظمة التحرير بشراء بعض الشخوص هنا وهناك كلها منيت بالفشل والسقوط المدوي لان الشعب الفلسطيني سيلفظها لانه لا يوجد في قاموسه السياسي والوطني قبول الدخلاء، وعلى كوشنير الصغير ان يقرأ التاريخ جيدا ففيه من العبر الكثير الكثير الذي  عليه ان يعرفه  .

*عصام بكر/ عضو في المجلس الوطني