السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماجد أبو شرار... لماذا وكيف؟| بقلم: نبيل عمرو

2020-10-09 02:35:43 PM
ماجد أبو شرار... لماذا وكيف؟| بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

صباح الخير يا ماجدْ

 صباح الخيرْ

 قم اقرأ سورة العائدْ

 وحث السيرْ

 إلى بلدٍ فقدناهُ بحادث سيرْ

 

هكذا استهل محمود درويش رثاءه الحار لأقرب الأقربين إليه ماجد أبو شرار.

كانت الصلة بين المبدعين في مجالي الأدب والسياسة كصلة توأمين ولدا كي لا ينفصلا.

تعجل القدر اختطاف ماجد ليترك الحصان وحيدا ولتظل مرارة الخبز مسيطرة على مذاقنا إلى أن يحرز ماجد قلب الهجوم هدفه الحاسم.

عملت تحت إمرته عشر سنوات كلها كانت في بيروت، حين كان رئيسا للإعلام الموحد وكنت مديرا للإذاعة، كان لقاؤنا اليومي لأكثر من مرة ليس بفعل الالتزام الوظيفي بين رئيس ومرؤوس وإنما بفعل ما هو أعمق وأرقى...

كان ماجد عميد جامعة الإعلام الحديث في الثورة الفلسطينية، وكنت رغم أنني أدير إذاعة في ظروف متصاعدة الصعوبة إلا أنني في زمن ماجد كنت أفخر بكوني أحد التلامذة في جامعته المتفوقة.

كنا ستة وماجد سابعنا، الطيب عبد الرحيم الذي غادرنا ليعمل سفيرا في الصين، ومحمود اللبدي رجل الإعلام الخارجي الذي كان يجيد عدة لغات والذي وضع اسم فلسطين على خريطة الإعلام الدولي، وزياد عبد الفتاح مؤسس ومدير وكالة وفا وهيئة الاستعلامات، وسعد بسيسو مدير الإعلام الجماهيري، وأحمد عبد الرحمن نائب ماجد ورئيس تحرير فلسطين الثورة، وكاتب هذه السطور.

لم يكن رئيسنا ماجد يعتمد صيغة إصدار الأوامر والتعليمات لمرؤوسيه، كان يدير اجتماعا وديا كل يوم، يستمع أكثر مما يتحدث وحين يقول كلمته الفصل كنا نحملها باقتناع كامل ونذهب بها إلى مراكز عملنا كالتزام لا مجال للإخلال به، وحتى حين صار عضوا في اللجنة المركزية وكلف بمهام غير إعلامية ظل حيثما كان عرابنا الفكري والموجه لسرديتنا الموحدة في الاتجاه والمتعددة في الأسلوب.

وإذا كانت صفة رئيس الإعلام الموحد قد صبغت بلون ظاهر مسيرته الشاملة، إلا أنه كان من أكثر جيل الشباب في زمنه تحملا لمسؤوليات كبرى، كان نائب القائد العام للتوجيه السياسي حين كان الجهاز من أقوى المؤسسات الثورية حضورا في حياة الآلاف المؤلفة من المقاتلين، وكان أمينا لسر المجلس الثوري لفتح وهو المؤسسة الأهم في غياب المؤتمر العام، لم يكن احتلال ماجد لهذه المواقع المركزية المؤثرة لسبب غير الكفاءة وقوة الحضور، كان ذلك في زمن التاريخيين الكبار ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير وخالد الحسن وفاروق القدومي، والذي امتزج فيه الجيل الأول مع الثاني حين كان التوأم ماجد وكمال عدوان أبرز نجوم هذا الجيل وكان منطقيا أن يقتحما الصف الأول ويتركا بصماتهما على صفحة مآثره وإنجازاته.

حين يثبت شاب قدرة فائقة في الأداء والقيادة والإنجاز فلا بد من الانتباه إلى خصائصه الشخصية التي هي المستنبت لكل مواهبه ونجاحاته، كان ماجد قوي التأهيل الفكري والثقافي ذلك بدا جليا في بلاغة القول ورشاقة الجملة وإذا ما قرأنا مجموعته القصصية الخبز المر وقرأنا لقطاته الانتقادية الساخرة في الصحافة العربية والفلسطينية ومنها زاوية "جدا" وإذا ما استعدنا تصريحاته الرسمية ومحاضراته وخطبه فنادرا ما نعثر على لعثمة أو قول غامض أو رأي يحتاج إلى نفي أو توضيح، وهذا الذي أقول ليس من قبيل المحبة وخلع الأوصاف مجاملة على الراحلين، بل كله مثبت في جميع ما ترك ماجد وراءه من تراث فكري وسياسي وثقافي وإعلامي.

ثم إن ماجد كان فدائيا يشبه كثيرا في السلوك الشخصي أبو جهاد الذي كان يقتحم الخطر على نحو يكاد يوصف بالتهور، كانت القذائف تتقاطع أمام نافذة مكتبه في الطابق السادس من مبنى الإعلام الموحد، وحين ضغطنا عليه للهبوط إلى الطوابق الأرضية كما فعلنا جميعا قال: من منكم يخاف فلا يأتي.

لم يغادر مكتبه الخطر إلا بعد أن دمرته قذيفة أحرقته عن بكرة أبيه، ذلك يتساوق مع شجاعته المعنوية التي هي أساس القيادة في الأوقات الصعبة، كان من أوائل من طرح فكرة الحل المرحلي المتدرج للقضية الفلسطينية بما في ذلك تبني شعار إقامة السلطة الوطنية على أي شبر يندحر عنه الاحتلال، ولكي يؤكد مصداقية اتجاهه الوطني الحر لم يتخلى عن هدف التحرير والعودة وإقامة الدولة المستقلة.

لماذا قتل وكيف؟

لماذا؟ فهذه بالنسبة لماجد ومن هم على شاكلته من القيادات الوطنية المؤثرة يجاب عنها من خلال الوزن الحقيقي لمن يوضع على مهداف بندقية أو عبوة الأعداء، كان ماجد الذي انتدب مع أبو جهاد لقيادة الأنشطة الثورية داخل الوطن المحتل قد وضع نهجا جديدا للعمل على تلك الجبهة الخطرة، وكان يجري اجتماعات مع الفعاليات، إما في بعض الدول الأوروبية أو عبر الإذاعة حين يكون الأمر متعلقا بتوجيه الخط السياسي، لم يكن الوحيد الذي وضع كهدف ملح للتصفية ولكنه كان الوحيد ربما الذي لم يتخذ الاحتياطات للإفلات من القتل.. كان في روما وفي فندق فلورا في شارع فيا فينيتو وحيدا غير مموه نفسه، ما جعل من زرع عبوة تحت سريره أمرا أسهل من السهولة.

بعد منتصف تلك الليلة تمزق جسد ماجد وعاد إلى بيروت شهيدا.

حين وقع الانشقاق الكبير في فتح وكاد يودي بالثورة الفلسطينية كلها سُئلت... لو كان ماجد على قيد الحياة هل سيكون من ضمن المنشقين؟ أجبت براحة ضمير: اثنان كان لا يمكن أن ينجح الانشقاق بوجودهما ماجد أبو شرار الوحدوي الفتحاوي والشجاع في انتقاد السياسة السورية التي أنتجت الانشقاق، وسعد صايل أبو الوليد رجل القوات الفلسطينية المسلحة المندمجة بين نظامي وفدائي.

صباح الورد يا ماجدْ

 صباح الوردْ

 قم اقرأ سورة العائدْ

 وشدّ القيدْ

 على بلدٍ حملناهُ كوشم اليدْ