السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الترامبية لن تزول بزوال ترامب عن المشهد السياسي/ بقلم: نبهان خريشة

2020-11-08 01:40:49 PM
الترامبية لن تزول بزوال ترامب عن المشهد السياسي/ بقلم: نبهان خريشة
نبهان خريشة

المكارثية ظهرت خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بين عامي 1947 و 1957، نسبة للسناتور الجمهوري الأمريكي جوزيف مكارثي، رئيس إحدى اللجان الفرعية في الكونغرس، والتي نشطت آنذاك للنيل من المعارضين في أجهزة الحكومة الأمريكية، باغتيالهم معنويا والطعن بوطنيتهم باتهامهم بالشيوعية ومن ثم إقصائهم، وتمكنت "المكارثية" أيضا من طرد نحو 3000 دبلوماسي امريكي من السلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى منع دخول كتب أكثر من 400 كاتب وصحفي وأستاذ جامعي أوروبي إلى الولايات المتحدة، كما زُج أكثر من 200 شخص في السجون، فضلا عما يزيد على 10 آلاف تم طردهم من وظائفهم والتنكيل بهم وفق تهم ملفقة، وحظيت "المكارثية" آنذاك بدعم شعبي واسع في بدايتها، ولكنها سرعان ما انهارت..

اليوم وبعد نحو 70 عاما على "المكارثية"، نشهد ظاهرة "الترامبية" نسبة لدونالد ترامب، التي أصبحت تيارا قويا في الولايات المتحدة، وسيبقى فاعلا بالساحة، بعد خسارة ترامب بالانتخابات، إذ تمكن ترامب من بث الرعب في قلوب العديد من الصحفيين المخضرمين، حينما بادر إلى إعلان فوزه في الانتخابات، في الوقت الذي كان واضحا فيه بما في الكفاية، أن ملايين الأصوات كانت ما تزال تنتظر العد، ثم ذهب هو وأنصاره يزعمون في اليوم التالي للانتخابات، بأن خصومهم يسرقون منهم الأصوات، في الوقت الذي كانت فيه السلطات الانتخابية في مختلف الولايات، تحرص على عد كل ورقة من أوراق الاقتراع، وبهذا أثبت ترامب أنه لا يعبأ بالدستور أو بالاستقرار، وأن كل ما يهمه ذاته فقط، وأن يستمر في الاحتفاظ بالسلطة، التي ما يزال يمسك بها الآن، وحتى 20 كانون ثاني / يناير المقبل..

لقد تمكن ترامب من التشكيك في مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، وفي النظام الانتخابي فيها طالما أنه لم يفز، والنتيجة هي أن الولايات المتحدة، كقوة عظمى على الساحة الدولية، أصبحت ممزقة من الداخل، وفقد مواطنوها الثقة في نظامها الديمقراطي، والحقيقة التي تجلت في نتائج الانتخابات الأمريكية أيضا، أن "الترامبية" ستبقى تيارا قويا في السياسة الأمريكية، حتى لو خسر ترامب معاركه القضائية التي سيخوضها، إذ لن يُلقي بها في سلة مهملات التاريخ، بل ستبقى وستعشعش في الولايات المتحدة، وليس من المستبعد أن تكون المحدد لمعالم سياسة التيار اليميني الأمريكي لسنوات مقبلة، بحيث تصبح النسخة الأمريكية من البيرونية الأرجنتينية، بقدرة عالية على الاستنفار، وقدرة أعلى على الاستقطاب، بالرغم من أنها قد لا تكون دائما في السلطة، لكنها لن تختفي إطلاقا، وستعتبرها الكثير من الشعوب حول العالم،  دليلا على انحطاط الديمقراطية في أمريكا، التي تميزت لعقود طويلة بالانتقال السلمي للسلطة والاستقرار في الحكم ..

و"الترامبية" لن يقتصر تأثيرها على الولايات المتحدة، بل ستؤثر على مناطق أخرى في العالم، وتحديدا على علاقاتها مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وربما التأثير الأكبر لها سيكون في منطقة الشرق الأوسط ، ولا سيما على مستقبل تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما تدل على ذلك تهنئة بنيامين نتنياهو لجو بايدن بفوزه في الانتخابات، عندما اتبعها بتصريح جاء فيه، أن "خطة السلام" التي أطلقها دونالد ترامب والتي تعرف بـ "صفقة القرن"، ستبقى رغم عدم بقاء صاحبها في الحكم، وأن إسرائيل ستنفذها في عهد إدارة بايدن الجديدة، لأن هذه الصفقة تعد هدية لم تحلم إسرائيل بها في منذ قيامها في العام 1948، ولهذا فإنه من المستبعد أن تسمح لإدارة بايدن بإلغائها في إطار سياستها للتخلص من إرث ترامب وحتى أنها لن تسمح ربما بتعديلها أيضا..