الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحية لذكرى رحيل المناضل القائد أحمد عبد الرحمن الأولى/ بقلم: سامي سرحان

2020-12-01 01:26:53 PM
تحية لذكرى رحيل المناضل القائد أحمد عبد الرحمن الأولى/ بقلم: سامي سرحان
أحمد عبد الرحمن

الثاني من الشهر الثاني عشر 2020؛ تاريخ يطوي عاما أول ثقيلا على رحيل المناضل والقائد الكبير أحمد عبد الرحمن "أبو يزن" ابن الشيخ الشهيد محمد جبر الذي استشهد عام 1984 دفاعا عن قرية بيت سوريك ولم يكن أحمد قد تجاوز سنواته الخمس.

سكن استشهاد والده نفسه، وغذّت والدته التي تولت تربيته ذكريات استشهاد والده الشيخ على أيدي العصابات الصهيونية، فكان التحاق أحمد بحركة فتح أمرا طبيعيا عام 1967 أثناء حرب حزيران، وانتخب أول ممثل لحركة فتح في اتحاد طلاب فلسطين –سوريا، حيث درس الحقوق في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1969 لينطلق في مسيرة نضاله كادرا مميزا تتبلور شخصيته القيادية إعلاميا وسياسيا، ومثقفا عضويا إلى جانب قائد الشعب الفلسطيني بلا منازع وباعث الشخصية الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات، الذي لازمه أربعين سنة كاملة وعن قناعة بقدرته القيادية، ويقول فيه: لا مجال لمن يعرف هذا الرجل (أبو عمار) أن يسقطه من حساباته، فهذا أمر مستحيل أنه يحيطك من كل جانب بحيويته المذهلة وبعمق إيمانه فيما يقول، وبتكريسه حياته كلها للهدف الذي يدعو إليه، فليس أمامك سوى السير معه في الطريق الذي اختاره".

وبمقدار إخلاصه لقائد المسيرة أبو عمار، كان أحمد عبد الرحمن وفيا للحركة التي انتمى إليها حركة فتح، لم يحِد عن نهجها مضيفا إليها ورافدا لها، مدركا أن التفاف التنظيمات القائمة أوائل الخمسينات حول ياسر عرفات لتشكيل النواة الأولى لحركة فتح كانت من الصلابة والوحدة والقوة تؤهلها أن تستمر على قلب رجل واحد طوال سنوات الكفاح، لا يفرق بين أعضائها إلا الاستشهاد في ميدان المعركة، ومؤكدا أن سر هذه الوحدة والقوة والصلابة تكمن في شخص ياسر عرفات.

التحق أحمد بالثورة الفلسطينية بعد نكسة حزيران مباشرة في عقد التحرر الوطني والقضاء على الاستعمار في زمن القادة العظماء زمن كاسترو وجيفارا وهوشي منه وجياب وبن بلا وهواري بومدين وسلارنو ونهرو وعبد الناصر وماوتسي تونغ وشو ان لاي ونكروما وسيكوتوري، قادة حرروا شعوبهم فلماذا لا تلحق فلسطين بركب التحرر الوطني ويتولى الفلسطينيون أمرهم بأنفسهم، ولهذا قال ياسر عرفات في حينه: نحن حركة تحرر وطني ليست تابعة ولا خاضعة لأحد، وظل هذا شعار حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية "لا للوصاية لا للتبعية لا للاحتواء"، والتزم به أحمد عبد الرحمن في كل مواقفه وكتاباته. لم يراهن نظاما سواء كان هذا النظام رجعيا أو يدعي التقدمية، ولم يخضع للتهديد والسجن الذي هدد حياته أكثر من مرة ولا للإغراء المالي وغيره من وسائل الإغراء، كان صلبا اكتسب صلابته من طفولته وصقلت هذه الصلابة ثقافته الثورية وإيمانه بقضية شعبه، شجاعا حتى آخر يوم في حياته.

تعلم أحمد من ياسر عرفات أنه من الخطأ أن يقسم أحد صفوف الشعب في مرحلة التحرر الوطني بين تقدمي ورجعي، أو يساري ويميني أو قومي وديني، فهناك متسع في نظرية فتح للتحرر الوطني لكل القوى والأفكار والعقائد على أساس الانخراط الكامل في معركة التحرير، وهو ما ظل يؤكد عليه أحمد عبد الرحمن ويطبقه في الإعلام الموحد الذي ترأسه، وفي فلسطين الثورة منذ العام 1974، فكانت خليه عمل ثوري لكل الأفكار والعقائد التي امتزجت في بوتقة حركة فتح.

دافع أحمد عبد الرحمن عن برنامج النقاط العشر بكل قوة وصلابة وإخلاص منذ أن كانت النقاط العشر البرنامج المرحلي، وإقامة السلطة الوطنية على أي جزء من فلسطين يندحر عنه الاحتلال، في طور البحث بين قادة الفصائل الفلسطينية متعددة الآراء والأحلام والأهواء، واعتبرت النقاط العشر انقلابا تاريخيا في الموقف السياسي الفلسطيني واقترابا من منطق الحل والتسوية الذي تقبله الدول العربية التي أطلقت شعار إزالة آثار العدوان بدل التحرير الكامل وقبلت قرار مجلس الأمن 242، ويقول الأخ أحمد عبد الرحمن في كتابه "الرئيس.. 6 سنوات مع ياسر عرفات": إن من المفارقات أن ياسر عرفات ظل على مدى سنتين يحتفظ في جيبه بورقة النقاط العشر التي كتبها الدكتور جورج حبش بخط يده، ومن ثم يوافق المجلس الوطني على برنامج النقاط العشر لإقامة السلطة الوطنية في أية أرض فلسطينية يجري تحريرها أو ينسحب الاحتلال الإسرائيلي منها.

أُقر برنامج السلطة الوطنية من المجلس الوطني الفلسطيني في حزيران 1974، وشرعية المجلس الوطني لا تسمح لأحد بالتشكيك أو الخروج على قراراته، ورغم السلبيات والانقسامات المؤقتة التي أعقبت مصادقة المجلس الوطني، فإن الرئيس أبو عمار أمسك بقوة بالبرنامج السياسي الجديد لمنظمة التحرير والثورة والشعب ليقطع الطريق على المحاولات المستمرة من أطراف محلية ودولية لحل القضية الفلسطينية من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقيادته، ويبدو أن الأيام التي نعيشها اليوم بعد رحيل المناضل أحمد عبد الرحمن تشي بشيء من محاولات أطراف عربية تجاوز القضية الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني الأمينة على إرث ياسر عرفات والممثلة في الرئيس محمود عباس رفيق دربه من خلال التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني والتفريط بالقدس وحقوق شعب فلسطين.

وكما كان الأخ أحمد عبد الرحمن حاضرا في كل تحرك سياسي للرئيس ياسر عرفات ومستشارا مؤتمنا له على الخط السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وناطقا رسميا باسمها، كان حاضرا وملازما للقائد الشهيد أبو عمار في حصار بيروت، ولم تتوقف أيضا صحيفة فلسطين الثورة عن الصدور يوما واحدا رغم القصف الكثيف لطيران العدو الصهيوني ومدفعيته الثقيلة لأحياء بيروت وبخاصة مربع الفاكهاني، مقر ياسر عرفات، والمكان الذي كانت تحرر فيه الصحيفة وتطبع وتوزع على المقاتلين في خطوطهم الأمامية في مواجهة دبابات العدو التي كان يحسب تقدمها بالمتر والسنتيمتر أمام صلابة دفاع مقاتلي الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.

كانت الصحيفة غذاء للمقاتلين بدعم صمودهم ورفع معنوياتهم بما تحويه من أخبار صمودهم وبطولاتهم وتصريحات قائدهم أبو عمار حول سير المعارك وتحركه السياسي وما يكتبه أحمد عبد الرحمن من مقالات تعبوية حول صمود أسطوري للمقاتل الفلسطيني واللبناني دام 88 يوما أمام العدوان الصهيوني وتصاعد السخط والغضب على إسرائيل وجرائمها ضد المدنيين والدمار والخراب الذي ألحقته ببيروت والمخيمات.

ويغادر المقاتلون بيروت الصمود على دفعات، ويغادر أحمد عبد الرحمن برفقة الرئيس أبو عمار بيروت في آخر دفعة من المغادرين إلى دول العالم العربي، وتستقبل أبو عمار أثينا استقبال الأبطال ليتوجه بعدها إلى تونس الشقيقة، ليجد استقبالا منقطع النظير من الرئيس الحبيب بورقيبة وترحيبا أخويا حارا من الشعب التونسي الشقيق، ويجد أبو عمار في تونس مقرا مؤقتا يطمئن إليه استعدادا للعودة إلى فلسطين، ووجد كل ترحيب وتسهيلات من الدولة التونسية ليمارس أبو عمار نشاطه وعلاقاته الدولية وترتيب أوضاع الثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد الخروج من بيروت كانت تونس حضنا دافئا للثورة الفلسطينية الجريحة، وكان للأخ حكم بلعاوي القائد الفتحاوي وعضو مركزية فتح الذي رحل عنا هذا الأسبوع دور هام ومؤثر في مرحلة تونس، هيأ خلالها كل الظروف لاستئناف القيادة الفلسطينية نشاطها ومهامها النضالية وتنظيم حقوقها العسكرية والمدنية بسرعة مذهلة، وكان الأخ حكم صديقا وزميلا للأخ أحمد وعضوا في الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الذي ترأسه أحمد لعشرين عاما، بدوره تفرغ الأخ أحمد إلى تجميع شتات الصحفيين العاملين في الإعلام الموحد من الأقطار التي ارتحلوا إليها مع قوات الثورة، وكان جلهم قد وصل إلى معسكر تبسة في الجزائر فاصطحبهم أحمد إلى تونس على متن طائرة الرئيس أبو عمار الذي كان يرافقه في زيارة للقوات في تبسة بعد نحو ثلاثة أسابيع من الوصول إلى تونس لاستئناف عملهم الإعلامي وتجميع ما كتب ويكتب عن معركة الصمود في بيروت وما أعقبها من مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي والقوات الانعزالية، ويصدر عن الإعلام الموحد عدة كتب ونشرات ذات قيمة هامة توثق مجزرة صبرا وشاتيلا بعد عدة أسابيع فقط من استقرار الإعلام الموحد في تونس بفضل الجهد الكبير والخبرة الإعلامية التي تسري في دماء أحمد عبد الرحمن ومساعديه، فيما توجهت أسرة تحرير مجلة فلسطين الثورة إلى قبرص لتواصل عملها وتتحول إلى دار نشر بكفاءه عالية وتواكب أخبار الثورة والوطن المحتل وتدهش إسرائيل وكل الإعلاميين لسرعة عودة نشاط الإعلام الموحد إلى طبيعته بعد حصار بيروت وفقدانه مقره وبعضا من كادره.  وتتابع فيما بعد انتفاضة الحجارة الأولى يوما بيوم، وتصدر عنها يوميات الانتفاضة في عدة كتب ضخمة تسجل تاريخ مرحلة هامة من نضال الشعب الفلسطيني ساهمت في اتخاذ المجلس الوطني الفلسطيني قرار إعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988 الذي ترافق مع برنامج سياسي مكمل لبرنامج النقاط العشر ومحافظ على الثوابت الفلسطينية.

 وما إن استقر وضع جهاز الإعلام الموحد وعاد إلى نشاطه من تونس وقبرص، حتى عاد الأخ أحمد عبد الرحمن إلى طرابلس لبنان، برفقة الأخ الرئيس الرمز أبو عمار تهريبا على إحدى البواخر، ليشهد فصلا جديدا من فصول حصار الثورة الفلسطينية ورمزها أبو عمار، في محاولة جديدة لمصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل واحتواء الثورة وقيادتها، وكعادته شكل أحمد على وجه السرعة جهازا إعلاميا واستدعى بعض كوادر الإعلام من تونس وقبرص ليصدر نشرة باسم فلسطين الثورة ووكالة وفا، رغم الظروف الصعبة والإمكانيات المتواضعة في طرابلس، ولكنه عوض عن كل ذلك بظهوره اليومي في مؤتمر صحفي مع أحد الأخوة القادة أمام عشرات الصحفيين المحليين والأجانب الذين كانوا ينتظرون ظهوره، وكان بحق جهاز إعلام في رجل واحد يشهد له بذلك كل من تابع حصار طرابلس ومعاركها وتابع أحداثها عبر وسائل الإعلام، ومع ذلك لم يفارق الأخ أحمد مقر إقامة الرئيس أبو عمار إلا لمؤتمراته الصحفية، وكان حصار طرابلس في وقعه على النفس أشد وأقسى من حصار بيروت، ذلك أن الأشقاء أعداء الاستقلالية الوطنية هم من يحاصر أبو عمار ورفاقه في طرابلس برا ويقصفونه بالمدفعية الثقيلة، فيما تحاصر إسرائيل البحر وتقصف الميناء شريان تواصل المحاصرين مع العالم الخارجي.

وعلى غير ما أريد لمعركة طرابلس كما يقول الأخ أحمد عبد الرحمن؛ فقد التف الشعب الفلسطيني والعربي والرأي العام الدولي حول القيادة الشرعية قيادة ياسر عرفات للشعب الفلسطيني، وغادر أبو عمار ومعه ستة آلاف مقاتل تحت راية الأمم المتحدة والحماية الفرنسية والحراسة المصرية، وليقول ياسر عرفات لسائليه كما قال أثناء مغادرته بيروت عن وجهته "أنا ذاهب من هنا إلى فلسطين".

واستقر المقام للقيادة الفلسطينية في تونس، واستقر أحمد عبد الرحمن إلى جوار قائد الثورة أبو عمار لا يفارقه في اجتماع قيادي أو تنظيمي أو فصائلي أو سفر ضمن الوفد الرئاسي.  وكان حضوره إلى جانب أبو عمار فاعلا وإضافة نوعية، وظل على هذا الحال مشاركا في مواقعه التي تبوأها طيلة مرحلة تونس ومرحلة العودة إلى الوطن والسلطة الوطنية.

لقد كان أحمد عبد الرحمن من أقرب المقربين إلى الأخ أبو عمار، وأطول من كانوا بصحبته زمنا، وعن قرب كان شاهدا صادقا على عصر ياسر عرفات، كثيرون كتبوا عن أبو عمار من العرب والأجانب، ولكن ما سطره أحمد عبد الرحمن في كتابيه "الرئيس.. 6 سنوات مع ياسر عرفات" و"عشت في زمن عرفات" كفيل لفضح التشويه والتحريف الذي يمكن أن تتعرض له مسيرة قائد ورمز نضال الشعب الفلسطيني المقاتل الشجاع الذي لا تبعده الأحلام والآمال عن رؤية الواقع بكل قسوته، فهو القائد المقاتل والقائد السياسي الذي جعل من فلسطين حديث العالم وأعادها إلى مكانتها في الشرق الأوسط وأمامها المستقبل والفضاء الرحب.

رحم الله أحمد عبد الرحمن المناضل الوطني الكبير الإعلامي والكاتب والسياسي والإنسان، لك الخلود أبا يزن ولكل الشهداء على درب تحرير فلسطين.