الجمعة  17 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رمضان غزة ... خيراته وبركاته موارد رزق للعاطلين والمعوزين

2014-07-08 01:07:22 PM
رمضان غزة ... خيراته وبركاته موارد رزق للعاطلين والمعوزين
صورة ارشيفية

غزة- محاسن أُصرف

لم يكن «سلطان النادي» 20 عاماً من بلدة القرارة جنوب قطاع غزة، يُصدق ما بين يديه من مال، نهاية نهار اليوم الأول من شهر رمضان، لقد حقق «120 شيكلاً» من بيع عصير الخروب، وهو ما لم يكن ليُحقق ربعه في الأيام العادية.

ويُعد شهر رمضان بخيراته وبركاته مورد رزق للعاطلين والمعوزين في قطاع غزة، عبر استحداث عشرات المهن الموسمية التي لا تظهر بكثافة إلا عبر أيامه ولياليه الكريمة، كـ بيع الفوانيس، والمشروبات الرمضانية كالعرق سوس، مروراً ببيع المخللات التي تُعيد الحياة لمعامل صنعها، إضافًة إلى الحلويات الشهية كالقطايف والكنافة وبعض البقالة كالألبان والأجبان والتمور والبهارات والمكسرات، وصولاً إلى «المسحراتي» الذي يجني نهاية الشهر رزقاً يحمله على تلبية احتياجاته التي عز عليه تلبيتها شهوراً طويلة.

ويرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن تلك المهن تستوعب طاقات العاطلين عن العمل وتوفر لهم موسم عمل ورزق كريم ناهيك عن أنها تخلق أجواء احتفالية مميزة لشهر الخير.

«الحدث» تجولت في أسواق المدن الفلسطينية ورصدت بعض المهن التي انتشرت بكثافة مع إعلان هلال شهر رمضان الكريم.

عصائر موسمية

بالقرب من موقف السيارات في وسط مدينة خان يونس، وتحديداً في ميدان القلعة، كان يقف «سلطان النادي» يُنادي مسروراً «الخروب الطازج، حلي صيامك برد عطشك بالخروب، طازة وطبيعي يا خروب» وبينما يُنادي يقترب منه المارة فيشتري بعضهم لتراً وآخر اثنين كلٌ حسب حاجته، يقول «النادي»: «رمضان شهر الرزق وموسم الربح والمكسب» لافتاً إلى أن ما يجنيه في نهار يوم واحد في رمضان، ثلاثة أضعاف ما يجنيه في الأيام العادية، ويُتابع: «رغم شُح الأموال، وقلة البضائع نتيجة إغلاق المعابر، إلا أن رمضان يُضيء شمعة الرزق لنا، حتى لو كان المردود شحيحاً بسبب تقنين الناس لمشترياتها والاكتفاء بالضروري والمُلِّح لها».

يُذكر أن المواطنين في غزة استقبلوا شهر رمضان بجيوبٍ خاوية، نظراً لعدم تسلم بعض الموظفين رواتبهم منذ أشهر طويلة، وارتفاع نسبة الفقر إلى 90% والبطالة إلى 70% نتيجة ممارسات الاحتلال بحصار القطاع، وإغلاق معابره وحدوده التجارية مع العالم الخارجي، غير أن أصحاب الأرزاق الموسمية بددوها بأجواء رمضانية جابت الأزقة والأسواق.

قطايف رمضان

 وينتظر «فهمي مدوخ» من منطقة غزة القديمة بشغف حلول شهر رمضان المبارك ليمارس مهنته السنوية في صنع القطايف وبيعها، يؤكد الرجل أنه ورث المهنة عن أبيه وأجداده منذ عشرات السنين، وعلى الرغم من قلة البيع بسبب أوضاع الناس وعدم تلقيهم الرواتب، إلا أن شهر رمضان يبقى شهر الخير، والكثيرون يشترون القطايف كونها الأكلة الأشهر في رمضان ولا يكاد يخلو بيت منها، ويتابع هذه المهنة تفتح أبواب الرزق لممارسيها في ظل حالة الفقر والبطالة التي استشرت مؤخراً في القطاع، وبيَّن أنه يبدأ مهنته منذ اليوم الأول لرمضان ويستمر بها حتى انتهائه، ما يوفر له بعضاً من المال قد لا يوفره طيلة أشهر العام، يقول: «أتمكن من خلاله توفير احتياجات عائلتي والإنفاق على أسرتي».

ويعمد «مدوخ» إلى بيع حشوة القطايف من المكسرات، إضافة إلى القطر الذي تُحلى به، أملاً في زيادة دخله من المهنة، كما يحرص على أن يُتقن صنع القطايف في كل مرة حتى يجذب الزبائن لشرائها في كل مرة منه، خاصة في ظل حلة التنافس الكبيرة في سوق بيع القطايف.

الفوانيس سلعة رائجة

وفي سوق الزاوية وسط مدينة غزة، زّيَّن «أبو محمد البرقوني» محله الصغير بالفوانيس المختلفة ألوانها وأشكالها ونغمات أصواتها، وزاد عليها بعض البالونات المكتوب عليها كل عام وأنتم بخير، هناك تجد الأطفال المارين بالسوق يوقفون آباءهم لاقتناء فانوساً أو بالوناً، بينما يُحاول «البرقوني» بيعهم بما تيسر لديهم من شواقل، يقول الرجل: «أتمنى أن أُدخل الفرحة على قلوب كل الأطفال، ولكن بعض الآباء يأتون فيسألون عن ثمن الفانوس، ولا يشترون لضعف إمكانياتهم المادية»، أسأله عن أسعار الفوانيس هذا العام مقارنًة بسابقه، فيؤكد أن الأسعار متقاربة ويُشير أن ثمن الفانوس يترواح بين 10 – 20 شيكلاً للحجم المتوسط، بينما الحجم الصغير 5- 7 شيكل يقول: «على الرغم من انخفاض سعره إلا أن البيع متذبذب بسبب الحالة الاقتصادية العامة للقطاع».

البرقوني وعلى الرغم من استيائه من قلة الشراء إلا أنه يجد في مهنة بيع الفوانيس متنفساً يُمكنه من تلبية احتياجات أسرته في شهر رمضان والعيد، وأحياناً قد يدخر ما يجنيه من أجل توفير الكسوة المدرسية، خاصة وأن العام الدراسي يبدأ بعد أسابيع من عيد الفطر.

المخللات زينة المائدة الرمضانية

ولأنه لا تكاد تخلو مائدة رمضانية من طبق المخللات، فقد وجد البعض فيه سبيلاً للرزق وحصد الربح على مدار ثلاثين يوماً، مدة شهر رمضان، فهذا إبراهيم أبو حميد يؤكد أن شهر رمضان موسم عمله وأشقائه، والسبب زيادة الإقبال على شراء المخللات التي يُعدها الغزيون من المكونات الأساسية للمائدة الرمضانية، يقول يعد أن مسح حبات العرق المتجمعة على جبينه: «نستعد للعمل في شهر رمضان قبل قدومه بشهور كثيرة فنُجهز أصناف المخلل من الفلفل والباذنجان والخيار والجزر والليمون والمكدوس والزيتون بأنواعه، ونضعها في براميل محكمة الإغلاق تُساعد على حفظها أكبر فترة ممكنة، وما إن يُعلن هلال رمضان حتى نسير فيها منذ صباح اليوم الأول لرمضان إلى الأسواق الشعبية ونبدأ بالبيع، يؤكد الرجل أن حالة البيع تشتد بعد صلاة العصر فكل من يغدو من عمله إلى بيته يمر بالسوق لينظر ما فيه من بضائع، تستهويه المخللات فيشتري بعضها، ويُتابع: «البعض يشتري كيلو يتراوح سعره 25 – 30 شيكل والبعض يشتري ببضع شواكل، أي ما يُزين به مائدته ليوم واحد فقط».

وامتهن أبو حميد بيع المخللات منذ 20 عاماً، يقول إن رمضان فرصة ذهبية لزيادة الربح والكسب الحلال، ويألم الرجل كثيراً لحال بعض الناس الذين يأتون إلى دكانه الصغير يسألون عن ثمن سلعه ولا يملكون شراءها، لافتاً أن الحالة الاقتصادية للمواطنين تؤثر على حركة البيع والشراء لديه، آملاً أن يُحقق هذا العام ربحاً مُعادلاً لأرباحه في أعوام الحصار السبع الماضية.

مسحراتي

ويجد أحمد 23عاماً من مخيم الشاطئ فرصته لكسب رزقه في رمضان بالليل، فيسير وشقيقه العاطل عن العمل، يُنادون على الناس للسحور، يقول: «وضعي صعب ومقبل على الزواج ولديَّ مصروفات كثيرة لها أول وما لها آخر، اضطررت أن أعمل مسحراتي لأسدد بعضاً من التزاماتي»، ويُشير إلى أن عمل المسحراتي، وإن كان موسمياً، إلا أنه أفضل من لا شيء خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع، وانقطاع الرواتب وانتشار الفقر والبطالة.

يجني أحمد خلال الشهر 500 – 700 شيكل وفقاً لعدد السكان في حيه وما يجودون به من مال في نهاية أيام رمضان، ويُعقب مازحاً أحياناً الناس لا تدفع للمسحراتي شيئاً معللين أن أصوات مدافع الاحتلال الإسرائيلي وقصف طائراته توقظهم أسرع من المسحراتي.

تأثير محدود

 

ويرى خبراء الاقتصاد أن المهن الرمضانية تُقلل من وطأة الفقر والبطالة التي يُعاني منها الغزيون، مؤكدين أنها تندرج في إطار البطالة الإيجابية التي لا تقبل الانتظار، وقال لنا الخبير الاقتصادي د. معين رجب أن: «كون المهن موسمية تكاد تنعدم في غير شهر رمضان، يجعلها لا تُساهم في اقتصاد البلاد»، لافتاً إلى أن تأثيرها ينصب فقط على تحسين دخل الفرد المزاول لها بشكل يؤمن احتياجاته الأساسية.