الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العوار الدستوري في تقييد ترشح المستقلين للانتخابات الرئاسية الفلسطينية| بقلم: د. رشاد توام

2021-02-28 02:24:12 PM
العوار الدستوري في تقييد ترشح المستقلين للانتخابات الرئاسية الفلسطينية| بقلم: د. رشاد توام
د. رشاد توام

 

ينظم الانتخابات العامة القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 (القانون الساري الأصلي)، الذي أصدره الرئيس في سبتمبر 2007 كردة فعل سياسية، على ما رتبته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (يناير 2006)، بفوز حركة حماس. احتكمت تلك الانتخابات إلى القانون رقم (9) لسنة 2005 وتعديلاته (القانون القديم/ الملغي)؛ إذ قادت تحليلات البعض إلى القول بأن طبيعة النظام الانتخابي القائم حينها (المختلط) كان أحد أبرز أسباب خسارة حركة فتح للانتخابات، نتيجة تشتت أصوات "القاعدة" على مرشحي فتح الرسميين والمستقلين. ولذلك، فإن أبرز ما جاء به القانون الساري هو اعتماد نظام القوائم (النسبي) كليا، لسد "ثغرة" تكرار ترشح الكادر الفتحاوي كمستقلين وفقا لنظام الدوائر (الفردي).

يؤخذ على نظام القوائم الكاملة تضييقه لفرصة نفاد المستقلين إلى قبة البرلمان؛ إذ ليس أمامهم سوى الترشح من خلال قوائم مستقلة تنافس قوائم حزبية أقوى جماهيرية تنظيمية وأكثر وفرة مالية في الغالب. وبموجب القرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 (القانون المعدل) الصادر مطلع هذا العام، معدلا على القانون الأصلي، فقد أبقي على النظام الانتخابي كما هو، ليبقى الباب مواربا للطعن في دستوريته، لشبهة انطوائه على عوار دستوري، فيما يبدو فيه من تعارض مع المادة (26) من القانون الأساسي، بنصها على أن "للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: [...] 3- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون". وبالتالي تبقى هناك احتمالية الطعن في دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، بما يترتب عليه، إن قررت عدم دستوريته، حل المجلس التشريعي، لبطلان تشكيله، حال صدر قرارها بعد انتخابه، وتعطل مسار العملية الانتخابية حال صدر خلالها.[1]

وفيما تبقى هذه المسألة محط جدل (على مستوى الانتخابات التشريعية)؛ كون المحكمة الدستورية قد تقدر أن القانون لم يمنع الأفراد من التحول إلى "جماعات" من خلال تشكيل قوائم مستقلة، وبالتالي تقوم برد الدعوى، فإن عوار الدستورية واضح، لا جدال فيه، وتجاه المادة ذاتها من القانون الأساسي (26/3)، فيما أجراه القانون المعدل، على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، بحذف سبع كلمات في القانون الأصلي، كانت تشكل "جملة شرطية"!

كان القانون الساري الأصلي يشترط على المرشح لمنصب الرئيس -فيما يشترط- أن يقدم ضمن طلب الترشح "كتابا من ممثل القائمة أو الحزب إذا كان مرشحا عن قائمة أو حزب" (المادة 39/5)، إلا أن القانون المعدل ألغى ما تحته خط (الجملة الشرطية).[2] وهو ما يعني أن مرشحا مستقلا، ولا تدعمه قائمة في المجلس التشريعي (أو مرشحه له) أو حزب، ليس بإمكانه الترشح للانتخابات الرئاسية؛ إذ يتوجب تقديم ذلك الكتاب بالمطلق دون استثناء أو وجود شرط بديل! [3]

وإضافة إلى مخالفة ذلك التعديل لنص المادة (26/3) من القانون الأساسي، إضافة إلى مبدأ المساواة (المادة 9)،[4] وهذا بالأصل كافٍ لتقرير عدم دستوريته، فإن التعديل يخالف أيضا المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه فلسطين سنة 2014.

إن هذا التعديل خطير، لحرمانه المستقلين من الترشح للانتخابات الرئاسية، وتتعاظم خطورته في ظل توقيته، صلة بصدوره قبيل بدء العملية الانتخابية بأيام. وعلى الرغم من كون مبادئ الديمقراطية تقتضي عدم جواز تغيير قواعد اللعبة الانتخابية متى ما بدأت، فإن هنالك الآن داع محق لتدارك ذلك العوار الدستوري، بإعادة الجملة الشرطية؛ إذ أن حذفها جاء مسبقا بأيام لانطلاق العملية الانتخابية. وفي ضوء الرهان الشعبي على نزاهة لجنة الانتخابات المركزية، يتوقع منها اليوم أن تباشر دورها الأصيل في الرقابة على نزاهة الانتخابات، التي تشمل الرقابة على الإطار القانوني المنظم لها، وبالتالي مطالبة السيد الرئيس بإصدار قرار بقانون معدل يُعيد الجملة الشرطية، وتتأكد بألا يجري إقحام أية تعديلات أخرى على القانون، بموجب القرار بقانون المعدل الجديد.

 

 

الهوامش

_________________________________________________________________________________________

[1] شهدت التجربة المصرية ذلك في أكثر خبرة، آخرها عام 2012، التي ترتب عليها حل "مجلس الشعب"، تبعيا لتقرير المحكمة الدستورية المصرية لعدم دستورية القانون الانتخابي الذي شكل استنادا إليه، وبالتالي بطلان تشكيل المجلس. لكن العوار الدستوري في الحالة المصرية (خبرة 2012 خصوصا) كان أكثر وضوحا؛ إذ كان القانون الانتخابي يعتمد النظام المختلط، مناصفة بين القوائم والفردي، وفيما يسمح للأحزاب بالترشح في الحالتين (النظامين)، سمح للمستقلين بالترشح في الدوائر/ الفردي فقط. وعليه، لاحظت المحكمة أن القانون منح مرشحي الأحزاب فرصتان للترشح، فيما منح المستقلين فرصة واحدة، وهو ما وجدته المحكمة يخل بمبدأ تكافؤ الفرص (كمبدأ دستوري). وعلى أساس ذلك قررت عدم دستورية القانون، وحل مجلس الشعب تبعا لذلك.

[2] أجري التعديل (الحذف) بموجب المادة (11) من القانون المعدل، التي استبدلت نص الفقرة (5) من المادة (39) بنص جديد، لم يتضمن تلك الكلمات السبعة المشكلة للجملة الشرطية.

بالإمكان مطالعة القانونان الأصلي والمعدل ضمن كتيب ينشره موقع لجنة الانتخابات المركزية عبر الرابط: https://bit.ly/3su8j8M (استرجع: 28/2/2021). قارن بين المادة (39/5) بصيغتها الأصلية في الصفحة 37 مقارنة بالصيغة المعدلة لها في الصفحة 102. علما بأنه لم يجر التأكد من دقة نقل النصوص من المصدر الرسمي (الجريدة الرسمية: الوقائع الفلسطينية) إلى هذا الكتيب، باستثناء ما تعلق بالمادة (39/5).

[3] لا بد من التأكيد على إن هذا الشرط مختلف، ولا يعد بديلا، عن شرط تقديم كشف بأسماء خمسة آلاف مؤيد للترشيح (مادة 38/2).

[4] "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".