الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفلسطيني.. بين حصار كورونا وارتفاعٌ بلغ ذروته في نسب الفقر

2021-02-28 05:06:38 PM
الفلسطيني.. بين حصار كورونا وارتفاعٌ بلغ ذروته في نسب الفقر
تعبيرية

 

الحدث - ضحى حميدان

لمّا كان الهمّ رفيقاً للفلسطيني منذ نكبته الأولى، وصار الوجع لزاماً ملاصقاً له، وصفة ينعى بها، وكم من إبرة وخيطٍ احتاج لرتق روحه المكلومة في كل انتكاسةٍ تحدث، لكنه اعتاد، وصار يتعامل مع كل مصيبةٍ كأمرٍ اعتيادي، وإن كان باجتياح العالم لمرضٍ ذو أثرٍ قويٍّ كالكورونا ما الجديد.

لكن، يظل الإنسان على صبره وجلده حتى يبكي أطفاله جوعاً وبرداً، يذوبُ قلبه وينكمش إن لم يستطع إشباع أفواه عصافيره الجوعى، وقد يحدث ذلك مع مجموعةٍ توصف بالفقيرة في دولةٍ ما، أما أن تصير المجموعةُ قُرابة نصف مجتمع، هنا تدُقُّ نواميس الخطر، بأن هناك مشكلة واضحة.

منذُ الإغلاق الأول الذي فرضته الحكومة الفلسطينية على المواطنين في آذار الماضي 2020، تبعاً للوضع الدولي المرهون بخطر مرض كوفيد-19، الذي أجبرها على اتخاذ هذا القرار خياراً، التزم الفلسطينيون، حين كان الهلع سيد الموقف والجائحة في أوج قوتها، ونتيجةً لأزمةٍ جاءت بشكلٍ مفاجئ وبغير استعدادٍ مسبق، العديد من جوانب الحياة تأثرت بشكلٍ سلبي، ففي حين تعطلت أعمال العديد من أصحاب المشاريع والمحالّ والمصانع الكبيرة والصغيرة، آلاف العمال والموظفين أيضاً تعطلت أعمالهم، وجزءٌ كبيرٌ منهم فقدوا مصدر رزقهم، لتزيدَ عجلةُ الاقتصاد تهالكاً، ويتحولَ العديد من أصحاب الطبقات الوسطى إلى فقراء، ما جعل نسبة الفقر تزداد بشكلٍ لافت، ومن نسبة 29% عام  2017 ووفقاً لتقديرات جهاز الإحصاء المركزي، إلى رقمٍ يتجاوز 35% بعد جائحة كورونا، ما صنع فجوة كبيرة في المجتمع وشكل أزمة عميقة فيه.

وكيل وزارة التنمية الاجتماعية داوود الدويك يقول لـ"الحدث"، إن الوزارة توقعت هذا الارتفاع في نسب الفقر نتيجةَ الجائحة، لكن من غير المعلوم حتى اللحظة إن كانت هذه النسب دائمة أم مؤقتة، بسبب تعثر العديد من الأعمال وعدم قدرتها على التعافي، ما اضطرها للاستغناء عن الأيدي العاملة فيها أو إغلاقها، وبالتالي دخول نسبة ليست بسيطة في مربع الفقر.

ويضيف الديك أن المساعدات التي تقدمها الحكومة تخفف من نسب الفقر بما لا يقل عن 10%، لكنها ليست كفيلة بإخراج الناس من فقرها، بل تساعدهم على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات، كما نوه على ضرورة خلق فرص عملٍ للعاطلين بوجود شركاء داعمين في وزارتي العمل والاقتصاد، ومواءمة التعليم ومخرجاته مع سوق العمل واحتياجاته، مؤكداً أن وزارة التنمية الاجتماعية لديها برنامجين للمساعدات؛ التحويلات النقدية والتمكين الاقتصادي للأسر الفقيرة الأمر الذي يساعدها على إنشاء مشاريع مُدرة للدخل.

وعن المؤهلين للحصول على مساعدات الوزارة يقول الديك إن أي فردٍ يشعر بحاجته المادية وفقره يستطيع تعبئة طلب لوزارة التنمية الاجتماعية، ويتم لاحقاً زيارته ميدانياً، وتفريغ معلوماته على نظامٍ خاص، وبناءً على عدة معايير كعدد أفراد الأسرة والحيازات السكنية والمادية وعدد الأطفال ووجود الإعاقة، يتمُ تقييم الحالة وبناءً عليها تُمنح مبلغاً أقله 750 وأكثره 1800 شيقل كل ثلاثة أشهر.

ويرى المحلل الاقتصادي هيثم دراغمة، أن الفقر والبطالة وجهان لعملة واحدة، وفي الربع الثاني من جائحة كورونا خلال عام 2020، وصلت معدلات البطالة إلى 26%، وفي ربعها الثالث كانت 27%، إلى أن وصلت إلى 30% نهاية العام، وهي فاقت نسبة 35٪ حتى اللحظة، ولأن الفيروس أثر على الوظائف والعمالة بشكلٍ عام، كان هذا الازدياد، الذي أفضى إلى ازدياد معدلات الفقر تباعاً.

ويؤكد دراغمة أن النسب المتداولة من الجهاز المركزي للإحصاء لا يجب بالضرورة أن تكون دقيقة، خاصةً في موضوع الفقر، والسبب في ذلك يعود إلى ثقافة الخجل عند المواطن حين يُسأل إن كان يعمل أم لا، أو يعاني الفقر، وهنا العديد من الشباب ربما يضطرون لإخفاء الحقيقة بخصوص ذلك خجلاً.

وقال دراغمة: أما عن أوضاع العاملين لدى الاحتلال، ففي الحالة الطبيعية يدخل ما يقرب 135 ألف عاملٍ إلى المستوطنات والداخل المحتل، ولكن مع ازدياد أوضاع المرض سوءًا في النصف الأول من العام قل هذا العدد إلى أقل من الربع، وبالتالي لم تزداد أعداد العمال عن 20 ألفاً، ولما كان هذا الانخفاض في الأرقام مهولاً، أدى إلى فقدان الدخول لعددٍ كبير من هذه الفئة، وبالتالي تحولهم إلى طبقاتٍ فقيرة.

وأضاف: من أصل 160 ألف منشأة عاملة في الحالة الطبيعية؛ لم تعمل منها سوى 20 ألفاً منذ بدء الجائحة، وهذا يعني أنّ حوالي 170ألف عاملٍ في هذه المنشآت تعطلوا عن أعمالهم، ولم يبقَ على رأس العمل منهم سوى 30 ألفاً، وهذه الأرقام ستؤدي بشكلٍ أو بآخر لتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وستخلق فجوةً كبيرة في قدرته على تلبية احتياجاته الأساسية.

وبحسب دراغمة؛ "لا يمكن الحديث عن وضع الضفة بمعزلٍ عن غزة، التي تتفاقم الكارثة الإنسانية فيها بشكلٍ أكبر، وتزداد فيها حالات الفقر المدقع، نظراً للحصار من جهة وعدم وجود إمكانية للتشغيل، ما يعني أن عدد الفقراء والعاطلين عن العمل يفوق نصف مجمل السكان، وحتى إن كان الشخص يسمى بعاملٍ أو موظفٍ لمجرد حصوله على عامل، فهذا ليس مقياساً لخروجه من دائرة الفقر، فعندما يبلغ الراتب الشهري لأسرة مكونة من ستة أشخاص حوالي 1400 شيقل، هذا لا يعني أن مبلغاً كهذا يكفي لقضاء الحاجات الأساسية، وعندما تنقص المواد الضرورية البيتية نستطيع تصنيف العائلة ضمن مَجمع الفقراء".

"الذي يزيد مشكلة الاقتصاد الفلسطيني سوءًا كونه استهلاكياً بدرجة أولى، في ظل عدم تواجد خطط تنموية مستدامة، أضف إلى ذلك أن الاقتصاد برمته يعتمد على قطاعاتٍ بسيطة كالخدمات والزراعة والصناعات الخفيفة مما يجعله لا يؤتي ثماره بالشكل المطلوب، لذلك ولأن أرضية الاقتصاد هشةً بالأساس، فقد تأثر بفعل الجائحة، ولا يوجد ما يُسعفه فلا احتياطٌ نقدي، ولا ادخار، وطبيعة حياة الفلسطيني تعتمد على راتبٍ يفي بالحاجة بشكلٍ يومي، لذلك أي هزة يتعرض لها الاقتصاد ككورونا أو غيرها تخلقُ ركوداً فيه، ولأنه غير مدعم بأساسات فصار مشوهاً غير قادرٍ على مقارعة الأزمات التي تعصف بالحالة الفلسطينية، ولأن مخطط الشأن الاقتصادي ووجود راسمين للسياسات الاقتصادية مغيبين بالأصل، أدى ذلك إلى افتقار الوصول إلى خططٍ واضحة في حالات الطوارئ"، حسب قول دراغمة.

ويوضح دراغمة أن الحديث عن استفحال حالات الفقر وانهيار الاقتصاد بمعزلٍ عن دور الاحتلال هو ضربٌ من العبث، فلا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه في إعاقة التوسع التجاري بيننا وبين الدول الأخرى، وتكدس الشيقل في الأراضي الفلسطينية وعدم استغلاله لعدم إمكانية استبداله بالعملات الصعبة، وهذا كله من شأنه أن يحصر العلاقة التجارية مع الاحتلال فقط، وعدم الانفتاح التجاري على العالم.

وفي السياق ذاته يؤكد دراغمة أن بناء اقتصادٍ متين بحاجة إلى إرادة سياسية بدعم من العالم أجمع، لإعطاء الفلسطيني القدرة على تحسين أوضاعه تحسباً لأي طارئ، فقد كشَّفت جائحة كورونا الفلسطيني وعرّته بشكل كامل، ومن يدري ربما تأتي هزاتٌ أخرى تعصف بالعالم الذي نحنُ جزءٌ منه، ما يستوجب الجهوزية لأي طارئ قادم، لكن الاحتلال ومنذ اتفاقية أوسلو يسعى لجعل هذا الاقتصاد مُتهالكاً قدر المستطاع، حتى يتسنى له ابتزاز الحكومة سياسياً.

ولفتت المختصة بالشأن الاقتصادي إخلاص طمليه، أن تقرير مكتب رئيس الوزراء والفريق الوطني لمتابعة أهداف التنمية المستدامة أوضح أن نسبة الفقر الوطنية المبنية على الاستهلاك كانت 25%  وارتفعت منذ عام  2017 لتصل إلى 30% حتى اللحظة، كما أن الإحصاءات في غالبها تركز على الفقر المبني على الاستهلاك، فيما لا يجب إغفال الفقر المبني على الدخل، موضحةً الفرق بينهما بأن الأول يقاس بقدرة الشخص على تلبية الاحتياجات الضرورية جداً للاستهلاك وعندما لا يستطيع ذلك يصنف تحت خط الفقر، وأما الثاني فيعني الدخل الذي يحصل عليه الفرد والكفيل بتلبية احتياجاته، وعندما لا يحصل الفرد على الحد أدنى من الدخل المقر في قانون العمل، والذي قد لا يكون كافياً بالأصل، فهنا يعتبر الفردُ فقيراً أيضاً وإن كان يعمل بدخلٍ ثابت.

وتقول طمليه: "إن نسب الفقر المبني على الدخل تتجاوز 47%، وهذا لا يؤخذ بالحسبان، وله تبعات عدة، فلا يستطيع الفرد الادخار، وقد يضطر للاستدانة وربما يعجز عن دفع الضرائب والفواتير، ما يحرمه من خدماتٍ أساسية، لذلك حدّث الفريق الوطني لمكافحة الفقر البيانات، وأكد خلال قراءة النسب أن الفقر المبني على الحرمان والتهميش يأخذ نسب 80% والفقر المادي 20%، وإن تم العمل وفق هذين المفهومين، سيؤدي ذلك إلى تنميةٍ مجتمعية وليس فقط سد حاجات أساسية ثم نعطي ظهرنا للفقير مهمشين أبعادا أخرى علينا إمعان النظر بها، كالتعليم والصحة وظروف السكن والقدرة على امتلاك أصول، وكفالة الحريات شخصية".

ولا يمكن الحديث عن الأزمات الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا بمعزلٍ عن الآثار الاجتماعية التي سببتها، لذلك ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت رُلى أبو دحو أن الكثير من القطاعات ذات الرواتب البائسة بالأصل أغلقت أبوابها، وبالتالي خسرَ الآلاف وظائفهم، كعاملات الحضانة وعمال الفنادق والمطاعم وقطاع الخدمات، ومثال ذلك مدينة بيت لحم المعتمدة بشكلٍ أساسي على السياحة، وفي ظل بداية الجائحة داخلها كانت الخسارات كبيرة.   

في المقابل تؤكد أبو دحو أن بداية الجائحة حين كانت الإغلاقاتُ محكمة، ظهرت مبادرات شبابية أخذت على عاتقها جمع التبرعات للأسر المحتاجة التي فقدت دخلها ومصدر رزقها، وتصف أبو دحو المبادرات بالجميلة التي ذكرت الشعب بالزمن الجميل، وقت الانتفاضة حين كان التعاضد سيد الموقف، ومن الناحية الأخرى كشفت الجائحة عن الكم اللا أخلاقي لرأس المال الفلسطيني.

تقول أبو دحو: ”برزت عمليات نهب شركات الاتصالات والبنوك التي ساهمت في تأزيم الموقف، ولطالما تغنت هذه الشركات بمفاهيم المسؤولية المجتمعية، وعندما جاء دورها لكي تثبت هذه المسؤولية واقتضى الموقف المحافظة على موظفيها ورواتبهم، تخلت عنهم، ليس هذا فحسب فلم تراعي لا شركات الاتصالات حاجات الطلاب للتعليم الإلكتروني ولم تقدم مبادراتٍ حقيقية للتخفيف عن كاهل المواطن، ولا البنوك تنازلت عن حقوقها ولم تقدم تسهيلاتٍ بخصوص دفعات القروض المتراكمة والشيكات الراجعة، وهذا كله كشف عن الجشع الذي يمارسه رأس المال".

أما عن الدور الحكومي فترى أبو دحو أن الحكومة حاولت أن تقوم بدورها في بداية الجائحة، وأخذت خيار الإغلاق كما الكثير من دول العالم، والبداية شهدت التزاماً من المواطنين، لكن في وقتٍ لاحق لم يستطع الناس الصمود، وعجزت الحكومة عن توفير البدائل حتى يلتزموا منازلهم، احتاجت الناس للعمل وصاروا جوعى وفاق ذلك قدرتهم على التحمل، وهنا كانت إشكالية الحكومة مع الشعب.

وتضيف أبو دحو: "لدينا إشكالٌ آخر في إدارة الملف ما بعد الصدمة الأولى، وفي أول خمسة شهور من الجائحة، احتاجت الحكومة أن تجرب الخيارات المتاحة، وقد جربت وهو من حقها، لأن المجتمع كان في حالة صدمة ، بين مُصدقٍ وآخر معتبراً ما يحدث مؤامرة، ولكن بعد ذلك حدثت مشاكل أخرى، حولَ الطعومات مثلاً، من سيأخذها ولمن الأولوية، والكميات القليلة التي وفرتها السلطة من سيتلقاها، وللأسف دار الحديث عن أبناء مسؤولين ليسوا على سلم الأولوية، والواضح لكل العالم أن الطاقم الطبي وكبار السن هم الأساس في سلم الأولويات، وهناك تجاوزات أخرى، كطاقم إعلامي يتلقى اللقاح بمبرر تشجيع الناس، والحديث الجدي أن الناس ليست بحاجة لمن يشجعها لأن الجميع ينتظر وصول دوره بالحصول على اللقاح، لذلك هناك مسؤولية أخلاقية تم تجاوزها، وبدلاً من تخصيص المطعوم للطاقم الطبي الذي هو جيشنا الأول الذي تكفل  بحمايتنا من هذا المرض، حصلت التجاوزات، وهناك فساد كبير في إدارة الطعومات، كما هو الحديث عن الفساد في إدارة المساعدات المالية وكيف تم توزيعها".

وعن الحلول الممكنة للخروج من الأزمة التي وضعنا فيها الاحتلال وجائحة كورونا على حدٍ سواء يقول الخبير الاقتصادي دراغمة: "حتى بوجود الاحتلال نحن بمقدورنا تقديم شيء والحد من الكوارث التي تعصف بالاقتصاد الفلسطيني أو التخفيف منها، ولكن نحن لا نعمل بالشكل المطلوب، وهذه صرخة في آذان راسمي السياسات الاقتصادية للتخطيط بالشكل المطلوب، والبحث عن المهارات ذات الكفاءة التي يمكن أن تخطط بشكل سليم، وبالتالي التخفيف من وطأة الاحتلال، هذا سيفضي إلى تطورٍ في المسار السياسي، لأن أي تدهورٍ في الاقتصاد من شأنه أن يؤثر على القرار السياسي الفلسطيني، وقد عُرّضنا للابتزاز مراراً في كل مرة قلنا فيها إننا لا نقبل إملاءات دولة الاحتلال ونرفضها  ولن نقبل أن نُحارب بالمقاصة، وظننا أن توجها للمجتمع العربي سيساعدنا، وللأسف المجتمع العربي أمره ليس بيده فهو يتلقى الأوامر من الولايات المتحدة، لذلك نحتاج للتخطيط الصحيح حتى نذهب باتجاه استقلال القرار السياسي الفلسطيني دون أن نبقى تحت ابتزاز دولة الاحتلال".