الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية| بقلم: راسم عبيدات

2021-03-25 08:44:01 AM
قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية| بقلم: راسم عبيدات
راسم عبيدات

أظهرت نتائج الانتخابات التبكيرية التشريعية "الإسرائيلية" الرابعة خلال عامين، بأن قوى اليمين الديني والعلماني، وقوى التطرف والعنصرية ودعاة الضم وطرد وتهجير الفلسطينيين أمثال بتسليئيل سموتريتش والمحامي ايتمار بن غفير، هي التي سيطرت على المشهد السياسي الإسرائيلي، وأغلب إن لم يكن جميع تلك المركبات السياسية من خانة اليمين واليمين المتطرف، متفقة على ثلاثة لاءات لا لدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 ولا لعودة اللاجئين ولا لتقسيم القدس والقدس موحدة وعاصمة لدولة الاحتلال.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية لم تتأثر لا بالمظاهرات الأسبوعية التي  قادتها جماعة الأعلام السوداء لمدة (39) أسبوعاً والمطالبة برحيل نتنياهو على خلفية فشله في معالجة ملف جائحة "كورونا"  ولا تهم الفساد المنظورة ضده أمام القضاء الإسرائيلي، ولا قدرته على إحضار لقاح جائحة "كورونا" وتطعيم أكثر من نصف سكان دولته، الانتخابات غلبت الشخصي على القومي، ولذلك وجدنا بأن حزب الليكود بقي متقدماً في الانتخابات، ونتنياهو بقي الرجل الأنسب لتولي رئاسة الحكومة، بفارق كبير عمن يليه من قادة الأحزاب الأخرى لبيد وبينت وساعر وليبرمان.

صحيح أن نتنياهو وحلفاءه من القوى الدينية "شاس" و "يهدوت هتوراة" والصهيونية الدينية لم يستطيعوا تحقيق أغلبية تمكنهم من تشكيل حكومة إسرائيلية بقيادة نتنياهو، وأن الحالة السياسية قد تستمر في حالة شلل وعدم استقرار وعدم قدرة الحكومة القادمة على سن تشريعات وقوانين، والبقاء في عنق الزجاجة، وربما الذهاب إلى إنتخابات تبكيرية خامسة، ولكن يبدو من خلال النتائج المتحققة في هذه الانتخابات، بأن المعسكر المؤتلف من عشر كتل انتخابية من أجل إسقاط نتنياهو، ومعظمهم من قوى اليمين، ليس بالقادر على تشكيل حكومة، ومن المستبعد أن يتفقوا على أن يقود تلك الحكومة يائير لبيد زعيم "يوجد مستقبل". وخيار الذهاب إلى انتخابات تبكيرية خامسة قائم، وهو ليس بغير المريح لنتنياهو، ولكن قبل الحديث عن خيار الذهاب إلى انتخابات تبكيرية خامسة.

 لا بد من القول بأن نتنياهو هو شخصية "كاريزماتية" وقيادية له تجربة عميقة في السياسة والاقتصاد والأمن والمال وكيفية إدارة الأزمات، وبغض النظر عن أنه كاذب، مخادع، مضلل، ولكنه عملي يعرف كيف يوظف كل الأزمات بمختلف مسمياتها سياسية أمنية اقتصادية اجتماعية جائحة "كورونا" لصالحه وكذلك يفعل مع الأزمات الخارجية… ولذلك فهو حسب نتائج الانتخابات يتصدر المشهد السياسي الإسرائيلي وبات الأقرب لتشكيل الحكومة، وبينت زعيم يمينا والذي كان وزيراً في حكومة نتنياهو، سيعود صاغراً إلى حضن نتنياهو طالباً السماح والغفران، في حين سيجد ساعر زعيم ما يسمى بالأمل الجديد نفسه أمام حزب يتفكك شيئاً فشيئاً لكي يتلاشى ويختفي… ولمستقبل يبدو للصهيونية الدينية، فحزب "قوة يهودية" الذي يستمد أفكاره وآراءه من حركة "كاخ" المتطرفة التي تنادي بالضم والتهويد للضفة الغربية والطرد الكامل للعرب الفلسطينيين من أرضهم حصلت على ستة مقاعد في زمن قياسي.

نتنياهو خبير في إدارة الأزمات والقدرة على شق الأحزاب، واستقطاب عدد من قياداتها وأعضائها البارزين، ورأينا كيف فعل ذلك مع حزبي أزرق أبيض وتيلم وحتى العمل، وهو يعرف جيداً بأنه لن يتكىء على صديقه منصور عباس في القائمة العربية الموحدة في تشكيل حكومته، ولكنه قد يصل إلى تفاهمات مع عباس عبر صفقة، تمتنع فيها القائمة العربية الموحدة عن التصويت أو تدعم نتنياهو من الخارج، ولكن هو يعرف بأن ذلك ينتج حكومة غير مستقرة سياسياً، قد تسقط نتيجة أي خلافات حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، أو القضايا السياسية، ولكنه يراهن على كسب الوقت، حيث يتيح له ذلك شق عدد من الأحزاب في التكتل المناوئ له، عبر إغرائهم في المناصب والمواقع والوزارات، ورأينا كيف نجح في شق القائمة العربية المشتركة، تلك القائمة التي لم تحصد سوى 6 مقاعد، والكتلة المنشقة عنها "القائمة العربية الموحدة" 5 مقاعد، وهذه القائمة المنشقة، أقرب لصوغ تحالف مع نتنياهو غير معلن ومن تحت باطن، ولعل تراجع القائمة المشتركة، ليس مرتبطاً بنجاح نتنياهو بشقها والحصول على عدد لا بأس به من الأصوات من الوسط العربي، بل الجماهير العربية، الفاقدة للثقة بالدولة الصهيونية والبرلمان الصهيوني، زادت نسبة مقاطعتهم لتلك الانتخابات.

المشهد العام اليمين بشقيه الديني والعلماني يسيطر على دولة الاحتلال، وقوى ما يسمى باليسار تتجه نحو الاندثار والاختفاء من الخارطة السياسية.. ولذلك سنشهد المزيد من دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن تنضم لحلف واتفاقيات "أبرهام" عُمان والسعودية وقطر والنيجر...الخ، وكذلك المزيد من نقل العديد من الدول لسفاراتها من تل أبيب إلى القدس، كما فعلت الدولة المسلمة كوسوفو ودولة التشيك... أما على الصعيد الأمريكي فستكون الأولوية للملف الإيراني، المرتبطة به كل الملفات الأخرى سورية ولبنانية وعراقية ويمنية… وكذلك صراعها المحتدم مع الصين وروسيا على قيادة العالم اقتصادياً وعسكرياً… فهي تريد أن تنقذ هيبتها وسمعتها واستعادة سيطرتها على العالم، ولكن يبدو بأن العهد الأمريكي عالمياً ذاهب نحو الأفول.. أما على الصعيد الفلسطيني سواء جرت الانتخابات أو لم تجر فالنظام السياسي الفلسطيني الحالي، دخل مرحلة الأزمة البنيوية الحادة ولا مجال لأي حلول ترقيعية أو جزئية، فقط عملية تغيير جذري هي من تحل هذه الأزمة، والأزمة تتصف بالشمولية لكل مكونات ومركبات النظام السياسي الفلسطيني وبدرجات متفاوتة، وسنشهد اندثارا للكثير من المكونات والمركبات الحزبية، وسنكون أمام نظام سياسي زبائني يعتاش على الضرائب والمساعدات الخارجية.. والانقسام سيستمر ويتعمق وربما يتشرعن..... وربما تفلح المتغيرات والتطورات والتحالفات التي تظهر في المنطقة والإقليم، بدفع أقسام من هذا النظام السياسي إلى الخروج من تحت العباءة الخليجية والأمريكية والإسرائيلية… ولكن هذا رهن بوجود معارضة قوية، ولكن تلك المعارضة "مخصية" وجزء كبير منها يفتش على نصيبه عند السلطة القائمة… ولكن تبقى الساحة حبلى بالتطورات والمتغيرات استناداً إلى ما يحدث في المنطقة والإقليم والعالم.

ولعله من الهام جداً القول، بأن الدعوة إلى عقد الرباعية الدولية بعد آخر اجتماع لها في أيلول /2018، هو أتى مباشرة من بعد الانتخابات الإسرائيلية، والمتوقع أن ينجح نتنياهو في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.

واضح بأن الرباعية صحت من سباتها بطلب أمريكي- إسرائيلي، والصحوة من سباتها ليس لنصرة فلسطين والقضية الفلسطينية، بل هي جاءت لكي تنتصر لدولة الاحتلال وحماية قادتها وضباطها وجنودها من إمكانية جلبهم إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني، فالرباعية الدولية التي غفت طويلاً، بعد أن صادر ترامب دورها وقرارها، عادت في عهد بايدن لكي تتنازل عن احتكار أمريكا لقرار الرباعية، ولتعطي هامشاً ودوراً محدوداً للاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ولكي يصدر عنها بيانها الأول الداعم لإسرائيل، بدعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من عدم القيام بخطوات أحادية الجانب من شأنها المس بما يسمى بحل الدولتين.... وكأن إسرائيل في تغول استيطانها وكل ما تقوم به من تغييرات على أرض الواقع وتهويد للقدس لا يدمر ما يسمى بحل الدولتين، فقط يدمرها جلب قادة الإحتلال لمحكمة الجنايات الدولية، هذا هو "العهر" والنفاق الدولي بأكثر أشكاله سفوراً… حتى الرباعية في دعوتها للمفاوضات لم تشر إلى إطار تلك المفاوضات ولا الأسس التي ستقوم عليها تلك المفاوضات، وكأنها تقول المرجعيات والقرارات الدولية لم تعد قائمة، والمرجعية الوحيدة ما ستنتجه المفاوضات بين الطرفين، كذلك اعتبار صفقة القرن كأساس لتلك المفاوضات، واعتماد قضايا تجميلية من قرارات الشرعية الدولية.