الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عتبة

عن أربعين قاعدة لأليف شافاق

2015-03-26 10:10:58 AM
عتبة
صورة ارشيفية
 
أمير داود
 
يتداول الناس فيما بينهم مقتطفات كثيرة من روايات محلية وعربية وعالمية، اقتباسات من الشرق والغرب، كان على رأسها مؤخراً، ما يخص رواية الأديبة التركية أليف شافاق "قواعد العشق الأربعون". عملية تداول الاقتباسات من هذا الكتاب أو ذاك، دون التقدم خطوة نحو إعطاء طرح واع وشامل، ينم بشكل أو بآخر عن إعجاب محدود بما يقال. إعجاب سطحي أو إعجاب ينطوي على استعراض كبير. استعراض القراءة الفارغ. عندما يتداول الناس اقتباسات من هذا الكتاب أو ذاك، ثمة جزم عليه أن يكون في تلك اللحظة، فحواه أن قلة قليلة فقط قرأت العمل كاملاً. بالمجمل الناس لا تقرأ. تستسهل الأمر دائماً فتلجأ للاقتباس الاستعراضي. القراءة الكاملة مهمة، لأننا وباختصار شديد لا يمكن لنا الحكم على عمل كامل من خلال اقتباسات بسيطة وقصيرة. 
 
"قواعد العشق الأربعون" أو "أربعون قاعدة للحب" بحسب ترجمات مختلفة للرواية -الرواية التي بين يدي من ترجمة لخالد الجبيلي تحت العنوان الأول "قواعد العشق الأربعون"- أتت في خمسمائة صفحة من القطع المتوسط مقسمة على خمسة أجزاء، توزعت الفصول كلها على ألسنة الرواة، كل شخصية في الرواية تحكي ما يدور حولها بلسانها وبعينها. الرواية عبارة عن أعين تتنقل على أطراف المشاهد، تتقاطع وتكمل بعضها بعضاً. تدور أحداث الرواية وفق مقطعين زمنيين ومكانين مختلفين، يحافظ الزمان والمكان في أحداث الرواية على ذلك الهدوء الواضح بلا تداخل أو اشتباك. الزمان الأول/ وهو محور الرواية، تدور أحداثه في القرن الثالث عشر الميلادي، في مدينة قونية التركية، وهو مسرح الأحداث الأساسي، والزمان الثاني/ وهو وقتنا الحالي في مدينة ساوثامبتون الأمريكية، (وهو إطار متشابك إلى حد ما في تداخله مع الأحداث التي تجري في الزمان الآخر) وهذه نقطة ذكية تحسب لصالحها. 
 
"إيلا" الشخصية المحورية في أحداث مدينة ساوثامبتون، سيدة أمريكية كلفت بإعداد مراجعة أدبية لرواية صدرت حديثاً لحساب دار نشر تتحدث عن جلال الدين الرومي. تدخل إيلا لاحقاً في علاقة مع كاتبها "عزيز زاهارا" وهو صوفي متجول. تتمركز أحداث الرواية على مجموعة من القواعد وضعها شمس التبريزي عن العشق، العشق الذي يقود إلى الإيمان، وكيف غيّر شمس التبريزي حياة "مولانا" جلال الدين الرومي، ومجمل الأحداث والصخب الذي رافق علاقة الإثنين في قونية.

الرواية ذات لغة جميلة وأحداث تستحق القراءة بأكثر من حالة ذهنية واحدة، فيها الكثير من المواقف التي تستحق أن يتم تأملها طويلاً ببصيرة الاكتشاف والموضعة، بصيرة القلب. أنا شخصياً ذهلت من ذكاء شمس التبريزي، وكيف استطاع أن يدفع جلال الدين الرومي إلى التخلص من كل البهرجات التي أحاطت به: المريدين، الهالة الاجتماعية، وهالة القداسة والاحترام التي كان يتمتع بها في مجتمعه آنذاك، كان عليه أن يتخلص من كل ذلك ليغدو خفيفاً. كان من اليسير اكتشاف أن إعجاب الناس ووجهات نظرهم ما هي إلا قيود تضاف إلى رزمة القيود التي تحول دون الوصول إلى حالات الاكتشاف والتأمل والإبحار في معرفة الذات والمحيط، اكتشفت، أن على الإنسان أن يتحرر من قيود الناس والمجتمع ليصبح خفيفاً قادراً على التأمل وقادراً على العبور إلى نفسه وعقله وقلبه بشكل أسهل وأسرع. وهذا سبب جيد وكاف لقراءة العمل كاملاً.

لسنا هنا في معرض استعراض أو مراجعة لهذه الرواية، أعتقد أن الكثيرين قد قاموا بذلك سابقاً، بقدر ما هي إشادة وددنا تقديمها لهذا العمل الروائي الكبير.