الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

محاكمات النظام السعودي للأردنيين والفلسطينيين توقيتاً ورسائل/ بقلم: راسم عبيدات

2021-08-11 09:53:45 AM
محاكمات النظام السعودي للأردنيين والفلسطينيين توقيتاً ورسائل/ بقلم: راسم عبيدات
راسم عبيدات

منذ أن استدخل المغدور السادات بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، ثقافة الهزيمة و99% من أوراق الحل بيد أمريكا، وما تبع ذلك من حالة انهيار في بنية ودور ووظيفة النظام الرسمي العربي، والذي بفعل أموال البترودولار التي دمرت قبل ذلك لبنان، وجدنا بأن هذا النظام الرسمي العربي ينتقل من النقيض إلى النقيض في شعاراته وعلاقاته وتوصيفاته لطبيعة الصراع والعلاقة مع المحتل، حيث سقطت كل الشعارات التي رفعها النظام الرسمي العربي في مرحلة المد الوطني والقومي العربي بعد هزيمة حزيران/1967، بحيث أصبحت السودان التي عقدت فيها قمة اللاءات الثلاثة، قمة الخرطوم "لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف" بإسرائيل، واحدة من دول التطبيع "الإبراهيمي"، ولعل النظام الرسمي العربي الذي لم يكتف بالهرولة نحو التطبيع مع المحتل والتخلي عن كل شعاراته القديمة، بل أضاف لتلك الشعارات أبعاداً ومضامين أخطر، من حيث حرف الصراع عن جوهره من صراع عربي- إسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية إلى صراع مذهبي إسلامي - إسلامي (سني- شيعي)، ولم تعد إسرائيل هي عدوة الأمة ومحتلة أرضها ومن يهدد أمنها واستقرارها، بل أضحت إيران هي العدو والمهدد لأمن واستقرار وعروش النظام الرسمي العربي، في سياق العدو المصطنع الذي أوجدته أمريكيا للنظام الرسمي العربي، من أجل أن تستمر في الضغط عليه و"استحلابه" مالياً من أجل حمايته من إيران.

ومن بعد ذلك استمر النظام الرسمي العربي في حالة عجز وانهيار وتردي، ولكي يبقي ورقة التوت ساترة لعورته، طرح الملك السعودي الراحل خالد الذي كان إبان تلك القمة أميراً، ما سمي بمبادرة السلام العربية، في قمة بيروت آب/2004، "الأرض مقابل السلام" والتي رد عليها المغدور شارون في تلك الفترة بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وبأن المطلوب هو "السلام مقابل شرعنة الاحتلال"، وبالمناسبة ما قاله دقيق.. ومن بعد ذلك كانت حرب تموز العدوانية الإسرائيلية على لبنان وجماعة السيد و قوى المقاومة، التي خاضتها إسرائيل لأول مرة بالوكالة عن أمريكا لخلق ما سمته وزير خارجية أمريكا آنذاك "كونداليزا رايس" بالشرق الأوسط الجديد، وفي تلك الحرب كان رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم، والذي استدخل ثقافة "الاستنعاج" والاستجداء العربي على بوابات الأمم المتحدة والبيت الأبيض، لأن العرب لا طاقة لهم بمحاربة ومنازلة هذا الذئب الشرس.. معتقدين بل ومقتنعين بأن ثقافة الهزيمة والاستجداء أقل كلفة من ثقافة المقاومة. من بعد ذلك كانت العشرية السوداء التي أصابت العديد من الأقطار العربية، تحت ما سمي بثورات الربيع العربي بالملوثات الفكرية والمذهبية والطائفية، والتي كان واحدا من أهدافها المركزية، ضرب القوى المركزية العربية ( سوريا والعراق ومصر) وتدمير جيوشها المركزية وتفتيت وتفكيك جغرافيتها مع العديد من الدول العربية الأخرى وبما يحول أغلب الدول العربية إلى كيانات فاشلة، بعد إعادة تركيبها على أساس المذهبية والطائفية والثروات.

وبالمناسبة في فترة العشرية السوداء في أول خمس سنوات منها، كانت تربط حماس مع السعودية علاقات قوية، في ظل قيادة خالد مشعل للحركة، حيث التقت مصالحهم ومواقفهم من ما جرى في سوريا.

التطورات اللاحقة في العلاقة كانت تشير إلى برود في تلك العلاقة، حيث الخلاف السعودي- القطري حول القضية السورية وقيادة الملف، وكذلك التغيرات التي حصلت في عضوية مجلس شورى حماس، مكتبها السياسي، كانت تؤشر إلى سعي لتطوير العلاقة مع طهران.. وقد تجلى ذلك في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 2014، والتي خطت فيها حركة حماس خطوات واسعة نحو تعزيز علاقاتها مع طهران، بفعل الدعم المالي والعسكري، في وقت لم تقم المشيخات الخليجية، وفي مقدمتها السعودية بتقديم أي دعم ومن أي نوع وشكل لحماس والمقاومة، ومن ثم تسارع تدهور العلاقات بين السعودية وحركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، بعد قطع العلاقات ما بين العديد من مجلس التعاون الخليجي ومصر مع قطر في حزيران 2017، وتولي الرئاسة الأمريكية من قبل الرئيس الأكثر يمينية وتطرفا ترامب، حيث جرى تصنيف حركات المقاومة الفلسطينية والعربية، وفي مقدمتها حماس كحركات "إرهابية"، والسعودية تبنت نفس الموقف والتصنيفات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية.

ولم تكتف السعودية بهذه المواقف، بل سعت كما شركائها من أمريكا وإسرائيل وبريطانيا في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تجفيف ما يسمى بمصادر ومنابع " الإرهاب"، من خلال القيام بحملة اعتقالات واسعة شملت نشطاء وأصدقاء لحركة حماس أردنيين وفلسطينيين كانوا يجمعون التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة .. السعودية أصرت على محاكمة المعتقلين، ولكنها كانت تؤخر إجراءات المحاكمة والحكم، في رهان على أن يجري تطويع حركة حماس وتغيير موقفها من علاقاتها بطهران، وتطبيع علاقاتها مع السعودية من خلال البوابة الأمنية، وليس وزارة الخارجية أو الديوان الملكي السعودي، ولكن التطورات اللاحقة قادت إلى فجوة كبيرة بين الرياض وحركة حماس، وخاصة بعد معركة "سيف القدس"، والتي ارتفع فيها سقف التنسيق والتعاون بين مكونات محور المقاومة، وخاصة بأن الخلاف السعودي القطري – التركي والتقارب القطري مع طهران، ساعد هو الآخر في دفع العلاقات بين حماس ومحور المقاومة وبالذات ما بين حماس وطهران وجماعة السيد.

بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رجل الإمام الخميني والجناح المتشدد في القيادة الإيرانية.. وانتهاء انتخابات مجلس شورى حماس، والتي قادت إلى فوز أغلبية التيار الداعي إلى توثيق العلاقة مع قوى ودول محور المقاومة. ومن ثم مشاركة وفد كبير من كافة قوى المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها وفد حركة حماس بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في تنصيب الرئيس إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران وما حظي به الوفد من استقبال حافل من قبل القيادة الإيرانية، كان القرار السعودي باختيار هذا التوقيت للإعلان عن محاكمات أعضاء وأنصار حركة حماس المعتقلين لديها (69) معتقلا، والحكم عليهم بما فيهم الشيخ محمد الخضري ممثل حركة حماس السابق على أرضها الذي تجاوز الثمانين من العمر لمدة 15 عاماً، أتت تلك الأحكام انتقاماً من حماس على توثيق علاقاتها بطهران، وكذلك الزيارة للتهنئة والمباركة بتنصيب الرئيس الإيراني الجديد.. وفي الرسائل التي تحملها تلك المحاكمات، فواضح بأنها كانت بمثابة رشوة لإدارة بايدن من أجل تقديم الدعم لولي العهد السعودي الذي لديه سجل قاتم في قضايا الحريات وحقوق الإنسان، وخاصة بعد قتل صحفي بلاده الخاشقجي بطريقة وحشية.. وكذلك هي رسالة لدولة الاحتلال بإخراج عملية التطبيع التي طالت سريتها بين السعودية ودولة الاحتلال إلى العلن، حيث تحدث قبل ثلاثة أيام عضو الكنيست عيساوي عن اتصالات بين أغلب دول النظام الرسمي العربي ودولة الاحتلال، بما في ذلك السعودية... والرسالة الأخرى للنظام الرسمي العربي، والقول لهم بأن جمع التبرعات والدعم المالي والمساعدة للقضية الفلسطينية، ليس تهمة في السعودية، ولكن واضح بأن خيار المقاومة الفلسطينية، هو خيار إيراني في محاولة لتضليل الرأي العام العربي.. وهناك رسالة موجهة لقيادة حركة حماس بأن قرارها يجب أن يكون بجيب السعودية، والقبول بالخيار السعودي لحل القضية الفلسطينية، والذي لا يخرج عن صفقة القرن الأمريكية، وبالتالي أي عفو ملكي عن المعتقلين المرتبطين بحركة حماس، يستدعي تخفيف علاقاتها بطهران وعدم السير في ركبها وخيارها.

ومن هنا نحن نفهم توقيت المحاكمة السعودية لممثل حركة حماس السابق على أرضها محمد الخضري ومن معه، والحكم عليهم بأحكام قاسية جداً، والرسائل التي أرادت القيادة السعودية إيصالها إسرائيلياً وأمريكياً وعربياً و لحماس نفسها.