الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص الحدث| حول معركة الجهاد الإسلامي الأخيرة.. انتصار خارج حدود الجولة

2022-08-09 09:21:43 AM
خاص الحدث| حول معركة الجهاد الإسلامي الأخيرة.. انتصار خارج حدود الجولة
سرايا القدس

خاص الحدث

في عام 1979 كان فتحي الشقاقي، الطالب الفلسطيني الذي يدرس بجامعة الزقازيق في مصر، قد وصل إلى نتيجة مفادها أن الحركة الوطنية ذاهبة باتجاه السلام مع إسرائيل، فقد كانت كل المؤشرات تدلل على ذلك، بينما ذهبت الحركة الإسلامية التقليدية في العالم العربي بعيدا عن فلسطين، وتعاملت معها كقضية ليست ذات أولوية في قائمة قضاياها. أما في فلسطين فقد كان الإسلاميون يرفضون فكرة الكفاح المسلح ضد إسرائيل انسجاما مع مرجعياتهم السياسية التي أشير إليها ولأسباب موضوعية تتعلق بهم.

في ضوء الاستنتاجات السابقة، اعتبر الشقاقي أن مهمة أي تيار جديد في الساحة الفلسطينية هو منع التدهور الحاصل في موقف الحركة الوطنية، وإعادة الاعتبار للمفاهيم الثورية في بنيتها وتوجهاتها، بالإضافة إلى استنهاض الإسلاميين نحو قتال إسرائيل. 

الجهاد الإسلامي.. وحل إشكالية الديني الوطني

لقد سعى الشقاقي لبناء توجه جديد، قبل أن يتبلور إلى فكرة، يجمع بين الهوية الوطنية للفرد، وهذا كان بمثابة انتقاد لمستويات الانتماء لدى الإسلاميين التقليديين الذين استثنوا الهوية الوطنية في تعريفهم لذاتهم وأهدافهم، وأيضا الهوية الإسلامية، يعني أنه حاول حل الإشكالية التي يطرحها الوطنيون بأن الهوية الوطنية تتناقض مع الهوية الدينية للفرد، وكذلك الإشكالية التي يعاني منها الإسلاميون بأن الهوية الدينية نقيض الهوية الوطنية ولا التقاء بينهما. 

إن الترجمة الفورية لهذه الرؤية التي حملها الشقاقي، كانت تعني أن يحمل الإسلاميون السلاح فورا، لخلق حافز أمام الحركة الوطنية للتراجع عن الانهيار المتسارع في موقفها خاصة بعد البرنامج المرحلي، وأيضا لتقليص الفجوة الآخذة بالاتساع بين الإسلاميين وفلسطين. لذلك، رأى الشقاقي أن فلسطين قضية وطنية بالأساس، ومركزية للأمة العربية والإسلامية، وسعى بمجرد عودته لفلسطين إلى تشكيل مجموعات عسكرية لبدء الكفاح المسلح. ومن المفارقات التي تشير إلى قدرته على حلحلة الإشكاليات السابقة، أن الأمين العام الحالي للحركة زياد النخالة قد كان أحد القيادات العسكرية في إحدى التنظيمات المنضوية في إطار منظمة التحرير، بينما الأمين العام السابق كان من المناصرين للإخوان المسلمين.

أدركت إسرائيل مبكرا أن تيارا جديدا يظهر على الساحة الفلسطينية، يحمل أفكارا صعبة، تجمع ما بين هويتين، وتضمن عدم الانتحار والتلاشي، فشنت حملة اعتقالات ضد المنتمين الأوائل لحركة الجهاد الإسلامي، فكان رد الحركة بحرب سكاكين وهو كل ما كانت تملك في حينه، لكن الشقاقي كان يؤمن بأن "الواجب فوق الإمكان" والحرب ليست بالعدة والعتاد، وإنما بالقدر الذي يمنع فيه المستضعفون استقرار المحتل، فكنت عبارته الشهيرة "إن دور المجاهدين اليوم أن يمنعوا استقرار العدو بكل ثمن، أن يوقفوا زلزلة الكتلة الحضارية العربية الإسلامية".

من هذه المنطلقات التاريخية البسيطة الواضحة يمكن بوضوح قراءة سلوك الجهاد الإسلامي اليوم: منع استقرار الاحتلال بأي ثمن، والقتال بما هو متاح. لقد شكلت هذه المنطلقات نقيضا مهما في البداية للحركة الوطنية خاصة في ما مرحلة ما بعد أوسلو، لقد أعطت منظمة التحرير فرصة وهامش كبير للتفاوض والاستقرار على حساب الكفاح المسلح، وهذا يتناقض جذريا مع منطلقات الجهاد الإسلامي. المعادلة ذاتها، لكن بوضوح أقل، تتكرر في قطاع غزة التي تحكمها حركة حماس منذ عام 2007، فمع تحولات الموقف (الوثيقة السياسية 2017) والعلاقات لدى حركة حماس (العلاقات مع تركيا وقطر)، أصبحت الجهاد الإسلامي تعاني من إشكالية أقل حدة مع نظيرتها حماس، فالأخيرة تتعامل مع واقع جديد كحاكم لديه مسؤوليات مدنية وخدماتية إلى جانب كونها حركة مقاومة. 

سؤال الواقع اليوم: كيف يكون الاشتباك؟ 

في هاتين الساحتين تعمل الجهاد الإسلامي. في الضفة التي يؤمن القائمون عليها بأن لا بديل عن العلاقة مع إسرائيل بما في ذلك التنسيق الأمني، وفي غزة مع حركة لا زالت ترفع شعار المقاومة لكن ضمن سقفها السياسي الذي بكل تأكيد يتأثر من كونها حاكم سياسي أيضا. فكانت رؤيتها أن يجري تفعيل ساحة الضفة عسكريا بعد غياب لكل الفصائل، فكانت كتيبة جنين كتشكيل عسكري منظم تابع للحركة شكل بؤرة مقاومة مسلحة، ثم كتيبة نابلس وطوباس إن كانت الأخيرتين ليستا بنفس قوة الأولى. 

ومنذ مايو 2021، ومع إعلان القائد الميداني في الجهاد الشهيد جميل العموري عن بدء مرحلة جديدة من الاشتباك في الضفة الغربية، أصبح كل دخول للجيش الإسرائيلي في بعض المناطق مصحوبا بالاشتباكات المسلحة، والأهم في كل ما جرى أن الحركة استطاعت أن توفر البيئة المناسبة لأعضاء من حركة فتح سئموا الخط السياسي لقيادتهم وكانوا ينتظرون لحظة مناسبة للانخراط في العمل المسلح من جديد، ومن أهم الأمثلة على ذلك ما يجري في البلدة القديمة بنابلس على وجه الخصوص، وأيضا في جنين.

لقد أصبحت ساحة الضفة الغربية ساحة مواجهة مهمة بالنسبة للجهاد الإسلامي في السنة الأخيرة، لكنها لم تصل لحالة النضج الذي يمكنها من الاعتماد على نفسها من حيث إنتاج العوامل الرادعة أمام محاولات سحقها، أي أن هذه البؤر قادرة على الاشتباك في حدود معينة وبإمكانيات محدودة، وبحاجة لمزيد من التطوير في الأدائين الأمني والعسكري، وهذا يعني أن إمكانية القضاء عليها ممكن، لو قررت إسرائيل ذلك، ولهذا السبب رفعت الجهاد الإسلامي شعارا بأن الفصل بين الساحات غير ممكن وهي مستعدة للدفاع عن بؤر المقاومة في الضفة من خلال التدخل في غزة. 

لكن لماذا بدأت الجهاد الإسلامي بالاشتباك مع الاحتلال في الضفة قبل أن تنضج الحالة العسكرية تماما لديها؟!. هذا بالأساس له اعتبارات فكرية تمت الإشارة لها سابقا بأنها حركة تؤمن بأن واجب القتال مقدمُ على إمكانيات السلاح، والمسألة الأخرى لقناعتها وتقديرها أن الضفة الغربية في حالة استنزاف مستمر عبر الاعتقالات والاقتحامات والمداهمات ولا يمكن العمل بأريحية لتأسيس حالة عسكرية مكتملة، وإنما تشكيل حالة أولية والبناء عليها والدفاع عنها من غزة أمام كل محاولات الإنهاء أو السحق. 

في الساحة الأخرى، غزة، كان النقاش بين الجهاد الإسلامي وحماس يدور حول استراتيجيتين، الأولى هي "المشاغلة" ويقصد بها خوض جولات القتال غير المتباعدة زمنيا لإبقاء حالة من عدم الاستقرار لدى الاحتلال مع التركيز على مستوطنات غلاف غزة بهدف تحويلها لمكان غير قابل للحياة. أما الثانية والتي تتبناها حماس، فهي "المراكمة" ويقصد بها الإعداد الطويل بهدف خوض المعارك الكبيرة ثم العودة لفترة طويلة من الهدوء. ولأن منطلقات الحركتين في طرح هاتين الاستراتيجيتين فيها تباين فكري وواقعي، كان الحل هو تشكيل غرفة عمليات مشتركة تقرر الموقف العسكري بالتوافق، إلا أنه في مراحل لاحقة بدأت الجهاد الإسلامي تخشى أن يكون هذا المسمى الأخلاقي هو شرط احتواء لها ولقدرتها على الفعل العسكري.

الجولة الأخيرة.. الأسباب والتبعات 

في 1 أغسطس الجاري اعتقلت قوات خاصة من جيش الاحتلال القيادي في الجهاد الإسلامي بسام السعدي من داخل مخيم جنين، وقد تعرض للاعتداء والضرب والسحل على يد القوات المشاركة في اعتقاله. بعدها بساعات أعلنت الحركة عن استنفار عام في قواتها في غزة، ودفعت بخلايا الصواريخ الموجهة "الكورنيت" على الحدود. كان التقدير الإسرائيلي هو أن الجهاد الإسلامي ستحاول ضرب هدف عسكري أو للمستوطنين في شوارع المستوطنات المحاذية لغزة، لهذا السبب أغلق جيش الاحتلال الشوارع، ومع مرور يومين على الإغلاق ظهر في العناوين الرئيسية للمواقع العبرية مصطلح "حصار الغلاف" يعني أن الضغط على الجيش للتحرك بدأ من استخدام مصطلحات تمس بهيبة الجيش وبمكانة السياسيين. 

الربط الظاهري في سبب استنفار الجهاد الإسلامي يشير إلى أن ما جرى كان مرتبطا بشخص السعدي، لكن الصورة الأعم والأوسع كانت لدى الحركة هي أن إسرائيل ستخرج لعملية عسكرية في جنين بهدف إنهاء الحالة العسكرية وتحقيق قادة الحكومة لمكاسب سياسية قبل الانتخابات الإسرائيلية في نوفمبر القادم، ولهذا رأت في أن الضرورة تتطلب أن تتحرك بشكل سريع لكي تثبت لإسرائيل بأن هذا سيكون مكلفا ويمتد لساحات أخرى. فهمت إسرائيل جيدا المعادلة لذلك قررت إعادة قلب المعادلة: نضرب غزة ونحيد دورها، ثم نذهب إلى جنين، وبالتالي أصبح التصعيد في مرحلة ما مطلبا إسرائيليا، فمن ناحية هناك ضغوط رأي العام على الحكومة بعد حالة حصار الغلاف، وأيضا سعي الحكومة الإسرائيلية لضرب معادلة الجهاد الإسلامي بالربط بين الساحات، بالإضافة لأسباب سياسية إسرائيلية داخلية، وهذا ما يفسر مبادرة إسرائيل باغتيال تيسير الجعبري من المجلس العسكري لسرايا القدس، رغم اتصالات من المصريين كانت تشير إلى حل قريب.

وخلال الجولة الأخيرة خسرت الجهاد الإسلامي اثنين من أبرز وأهم قادتها، الجعبري وخالد منصور، وهذا كان كاف لكي تعبر إسرائيل عن رضاها عن ما حققت وبالتالي سعيها الحثيث لوقف إطلاق النار. في المقابل تعاملت الحركة بشكل مؤسسي في الجانب العسكري،ـ واستكملت ردودها بقصف القدس وتل أبيب ومدن المركز وفاجأت التقديرات الإسرائيلية في مدى نيرانها أولا، وفي قدرتها على الاستمرار بعد الضربات التي وجهت لها ثانيا. 

انتهت الجولة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل، وحصدت الحركة تأييدا شعبيا واسعا، ورغم عدم الرضى عن الاتفاق إلا أن كل من هو مطلع على نهايات الجولات السابقة يعلم أنها كانت تنتهي بدون شروط، لكن مشكلة الجهاد الإسلامي أو قد لا تكون مشكلة، هو عدم قدرتها على خلق صورة ذهنية وإدراكية مغايرة للواقع، فتأتي بكل بساطة وتقدم ما لديها من منطلق إيمانها بأن الاشتباك بحد ذاته انتصار أما النتائج ففي هذه المرحلة التي تعاني من اختلال الموازين لا يمكن أن تكون معيار للنصر بالنسبة للشعب الفلسطيني.

وسيكون لهذه الجولة تبعات على المدى القريب والبعيد، فعدم مشاركة حماس فعليا فيها، يعني أن الجهاد تبدو أكثر حرية اليوم في اختيار توقيت المواجهة القادمة ضمن حساباتها، وهذا بكل تأكيد سيؤثر على إسرائيل التي هدفت من وراء عمليتها العسكرية إلى تحييد الجهاد الإسلامي لأنها توقعت مشاركة حماس وبالتالي بقاء القرار الداخلي مشترك، وهو ما يجعل الجهاد تحت تأثير رؤية حماس في بعض المواقف والمراحل، لكنها اليوم وبعد هذه الجولة تبدو حرية العمل لديها أكبر، أما بالنسبة للسبب الذي كان يدفعها باتجاه جولة قتال، الضفة الغربية، فمعادلتها ما زالت قائمة ما يعني أن الاحتلال حقق صورة نصر داخل حدود الجولة الأخيرة ولكنه سيفشل في معالجة تبعاتها، وفي المنطق العسكري الإسرائيلي العملية الناجحة هي القادرة على صناعة المستقبل دون تدخل مباشر، فيما يبدو أن الجولة هذه لن تصنع مستقبلا هادئا. 

هل شاركت حماس في جولة القتال؟ 

مشاركة حماس عسكريا في جولة القتال ظلت محل تحليل وتأويل، حتى نفى الأمر أمين عام الجهاد النخالة، الذي قال إنها لم تشارك وهذا قرارها، لكنها تشكل الحاضنة الرئيسية لقوى المقاومة. يدرك النخالة أنه لا يستطيع أن يفرض على الواقع حقائق غير موجودة، خاصة فيما يتعلق بمشاركة حماس، لكنه تمسك بخطاب وحودي مستند إلى حقيقة ثابتة أن حماس وفرت للفصائل في غزة كل ما تحتاجه لتطوير قوتها العسكرية، ووفرت لها كل الإمكانيات المادية والمعنوية اللازمة لذلك، وقد استطاع بهذه الإجابة أن ينجو من إجابة سؤال محدد إلى فضاء أوسع. 

إن إجابة النخالة مرتبطة أيضا بفكر الجهاد الإسلامي، الذي يقوم على مبدأ أن خطاب الحركة يجب أن يكون "توريطيا" بالمفهوم الإيجابي، وهذا يعني أن نبقي حماس في دائرة العمل العسكري حتى لو اضطررنا لجرها للمعركة، وبالحد الأدنى منحها توصيفات تحملها مسؤولية أخلاقية، كـ"حاضنة للمقاومة" و"حركة مقاومة" ….الخ. أما فيما يتعلق بحركة فتح، فرؤية الحركة تستند إلى مبدأ استقطاب العناصر الثورية لدى الحركة ودعمها بالمال وتوفير الجو المناسب لها للبدء بالقتال.

إذن، رغم أن عدم مشاركة حماس للجهاد في المعركة احتلت حيزا واسعا من الجدل، إلا أن الجهاد قرر أن ينهي ذلك، لأنه باختصار يرى أن حماس جرى معاقبتها بما يكفي من الناس، وستراجع ما جرى وردود الأفعال، وهذا بالنسبة له أهم من تصريح توتيري رسمي في ظرف صعب، وأيضا كان من غير الممكن المساس بمشاعر الناس أكثر، وضرب آمالهم وتطلعاتهم المتمثلة في وحدة قوى المقاومة، وقد يكون ما أدلى به في هذا الخصوص من أهم ما قاله في مؤتمره الصحفي، لأنه استطاع أن يقول للناس: نحن متحدون. هذه لوحدها تمثل اليوم انتصارا فلسطينيا في زمن الشرذمة.