الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الخليل.. تدخل المواجهة بضربة ثقيلة متعددة الرسائل

2022-11-06 08:13:50 AM
الخليل.. تدخل المواجهة بضربة ثقيلة متعددة الرسائل
من مكان عملية "كريات أربع"

رسالة للمستوطنين أن زمن الاعتداء على الفلسطينيين بدون ثمن قد انتهى

أمن المستوطنين ليس وحده المستهدف في هذه العملية

خاص الحدث

تأتي عملية مستوطنة كريات أربع التي وقعت يوم 29 أكتوبر 2022 لتوجه الأنظار إلى مدينة الخليل، التي تأخرت نسبيا في الانضمام للمدن التي تقود نشاطا مقاوما عسكريا ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ مايو 2021، وعلى وجه الخصوص مدينتي نابلس وجنين في شمال الضفة، وقد تسببت الحالة المذكورة بانتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة عندما كانت ترد الأخبار عن وقوع شجارات عائلية يتخللها تبادل لإطلاق النار.

تعتبر الخليل في العقل الأمني الإسرائيلي، خزانا خطيرا للمقاومين، قد يدخل لخط المواجهة في أي لحظة، وذلك لاعتبارات عدة، من بينها: عدد الأسرى المحررين في الخليل كبير، خاصة من حركة حماس التي تعتبر التنظيم الأكبر في المدينة، وأيضا ممارسات الاحتلال والمستوطنين في المدينة والتي تنتهك ليس فقط المعاني السياسية، بل والاجتماعية، وهو ما يعني إمكانية الذهاب للمواجهة بسبب فعل الاحتلال، وأيضا خطورة الخليل جغرافيا فهي محاطة بالمستوطنات والشوارع التي يمر منها المستوطنون.

محمد الجعبري.. والهدف عوفر أوحانا

تشير المصادر العبرية إلى أن عملية الخليل كانت أكثر من كونها عملية إطلاق نار، وإنما كان الهدف منها استهداف عوفر أوحانا، المستوطن المعروف باعتداءاته على الفلسطينيين في الخليل، ويقف وراء إعدام شبان وشابات في المنطقة، وهو من أكثر الأسماء اللامعة في عالم الانتهاكات التي تقودها منظمات المستوطنين ضد الفلسطينيين، تحت ستار العمل الطبي والإغاثي. عُرف عن المستوطن أوحانا أنه قام بإعدام فلسطينيين بعد إصابتهم بالرصاص، تحت ستار عمله كمسعف متطوع في منطقة الخليل.

وفق مصادر الاحتلال، وصل الشهيد الجعبري بمركبته إلى المنطقة التي لا يمكن لأي شخص الوصول لها من غير سكانها الفلسطينيين، وقام بإطلاق النار على أحد المستوطنين وقتله. تقديرات الاحتلال تشير إلى أن الجعبري انسحب من المكان بهدف وصول المستوطن المسعف أوحانا، وهو ما حدث بالفعل، فعاد إلى المكان من جديد وقام بإطلاق النار باتجاهه وأصابه بجراح خطيرة.

بحسب مصدر أمني إسرائيلي، تمت عملية اغتيال الشهيد الجعبري على يد ضابط من لواء جولاني التابع لجيش الاحتلال، حيث لم يكن يرتدي ملابس عسكرية، وكان في إجازة. عند وصوله للمكان قام بدهس الشهيد الجعبري ومن ثم قام بإطلاق النار عليه عن قرب، برفقة مستوطن آخر هو حاخام كريات أربع.

الجعبري، الذي أطلق النار من سلاح إم 16، هو عضو في كتائب الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكان يعمل مدرسًا للتربية الإسلامية في مدرسة ابتدائية في الخليل. قبل العملية بأربعة أيام، كتب على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منشورًا مع اقتباسات من آيات من القرآن: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب".

يكشف التحقيق الأولي أن المستوطن عوفر أوحانا وحارس أمن في مستوطنة كريات أربع، وصلا للمكان بعد سماعهما أنباء عن وقوع عملية إطلاق نار، قبل أن يتم إطلاق النار عليهما بكثافة، فكان نصيب أوحانا إصابة خطيرة جدا، فيما أصيب حارس الأمن بجراح طفيفة. بعد العملية، أعلن الاحتلال عن زيادة عدد القوات على الطرق والمستوطنات في جنوب الضفة الغربية خوفا من الهجمات المقلدة والمستوحاة. وقال وزير جيش الاحتلال بيني غانتس إنه أجرى تقييما للوضع بمشاركة رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك رونان بار، وأوضح إنه قرر في جلسة الاستماع "صياغة سلسلة من الإجراءات العملياتية".

تطور في الاستهداف

هذه العملية نوعية من حيث كونها موجهة ضد رمز من رموز المستوطنين في الضفة الغربية، وهي تجمع معيارين مهمين يجعلها خطيرة بالنسبة للإسرائيليين أكثر من غيرها: الأول، أنها عملية اغتيال، أي أن الهدف ليس عشوائيا وهذا من شأنه إرباك قادة المستوطنين في الضفة الغربية، خاصة بعد محاولة قتل رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي داغان قبل أسابيع في عملية نفذتها مجموعة عرين الأسود النشطة في منطقة نابلس.

المعيار الثاني، أنها جاءت في منطقة الخليل، ووفق التقديرات الإسرائيلية فإن الخليل لن تلتحق بموجة المقاومة العسكرية التي تشتد في شمال الضفة الغربية، ولذلك فإن هذا يعني استنزاف جيش الاحتلال الذي نشر في الضفة الغربية حوالي 25 كتيبة، وعلى هذا الأساس فإن دخول مناطق أخرى للاشتباك ستقلل من قدرة جيش الاحتلال في التعامل مع الأحداث من الشمال للجنوب.

إضافة إلى سبق، فإن العملية جاءت لترسل رسالة للمستوطنين أن زمن الاعتداء على الفلسطينيين بدون ثمن قد انتهى، خاصة بعد إعلان مجموعة عرين الأسود عن سلسلة عمليات ضد المستوطنين في محيط نابلس، بينما أعلنت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس عن استهداف المستوطنات الواقعة جنوب جنين عدة مرات خلال الشهر الجاري ما تسبب بأضرار في ممتلكات المستوطنين.

إذن، فقد أصبح من الواضح أن الموجة الحالية من العمل المسلح المقاوم هدفها ضرب شعور المستوطنين بالأمن في مختلف مناطق الضفة الغربية، بعد أن استخدموا في السنوات الأخيرة، بدعم من مؤسسة الاحتلال الرسمية، استراتيجية تفكيك الشعور بالأمن لدى الفلسطينيين، فارتكبوا كل أنواع الانتهاكات، بأكثر من شكل وطبيعة، وكان الهدف النهائي هو قتل الشعور بالأمن لدى الفلسطيني في مساحات معينة بهدف التقليل من وصوله لها والسيطرة عليها.

ولعل أمن المستوطنين ليس وحده المستهدف في هذه العملية، وإنما رموزهم، وهذا دليل آخر على أن العملية كانت بتخطيط واع ومسبق، ولها أهداف عملية ونفسية بعيدة المدى، فالمستوطن أوحانا، إن استطاع بعد هذه العملية أن يعود لممارسة عمله، لن يكون بنفس الجرأة في الوصول لأماكن العمليات، وهذا لا ينطبق عليه وحده، بل على قادة المستوطنين الذين يتفاخرون بقيادتهم عمليات التنكيل بالفلسطينيين.

من هو الشهيد الجعبري؟

محمد كامل الجعبري 35 عاما، من مدينة الخليل، متزوج وأب لطفلين هما عبد الرحمن وسارة. يعمل الجعبري مدرسّا لمادة التربية الإسلامية بمدرسة جواد الهشلمون في الخليل، وهو شقيق الأسير المحرر وائل الجعبري المبعد إلى قطاع غزة، والذي تحرر في صفقة وفاء الأحرار في شهر أكتوبر/ تشرين أول 2011، وكان محكوما بمؤبدين بتهمة قتل جنديين خلال انتفاضة الأقصى. اعتقل الاحتلال عددا من أخوته في سجون الاحتلال.

بحسب ما نشرت صفحات عامة تعنى بشؤون مدينة الخليل، لا ينتمي الشهيد الشهيد الجعبري لأي فصيل فلسطيني، وعرف عنه الالتزام الديني، شقيقه الأكبر نبيل يعمل ضابطا في جهاز المخابرات الفلسطينية، وقد جرى اعتقاله بعد العملية، أما شقيقه الأوسط ينتمي لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، وكان مسؤولا عن مقتل مستوطنين في عملية إطلاق نار في منطقة جبل الخليل في بداية الانتفاضة الثانية، وهو أحد الأسرى المحررين المبعدين إلى قطاع غزة، والشهيد الجعبري مريض بالسرطان وقد وصل مراحل خطيرة.

الجعبري.. الثأر للعرين

لا يمكن عزل عملية كريات أربع عن ما يجري في شمال الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، وتحديدا في مدينة نابلس، حيث تشتد الإجراءات والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدينة بهدف تفكيك جماعة عرين الأسود، والتي تحظى بتأييد شعبي عارم، وهو ما ما كانت تخشاه مؤسسة الاحتلال الأمنية قبل بدءها بالعملية ضد المجموعة، حيث كانت التقديرات أن استهداف المجموعة قد يؤدي لمزيد من العمليات في الضفة المحتلة بسبب الانتماء الوجداني الشديد للجماهير للمجموعة حديثة النشأة.

لذلك، ومع بدء العمليات الإسرائيلية ضد عرين الأسود، والتي شملت اغتيال القيادي فيها تامر الكيلاني بتفخيخ دراجة نارية واغتيال القيادي وديع الحوح بعد محاصرة منزله في البلدة القديمة في نابلس، رفع الاحتلال الإسرائيلي من درجة التأهب في الضفة الغربية وفي محيط المستوطنات على وجه التحديد، والتي أصبحت كما أشرنا هدفا مهما بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وجاءت عملية كريات أربع كضربة قوية لهذه الإجراءات.

عرين الأسود، المجموعة المقاتلة في نابلس، كانت قد دعت الفلسطينيين في الخليل وبيت لحم "حراس الجنوب وأسودها" بحسب ما جاء في بيان سابق لها، "ليخطوا أول بيان للعرين بالدم والرصاص"، وهو ما اعتبر تلبية لدعوة العرين.

تشير هذه العملية بوضوح إلى أن التقارير الصحفية الإسرائيلية التي تشير إلى تشديد الإجراءات حول المستوطنات، غير دقيقة في غالبيتها أو تحمل مبالغات شديدة، لذلك فإن الإدراك الفلسطيني لمثل هذه التقارير أصبح نقديا أكثر، فمثلا بعد أيام من عملية مستوطنة بني براك التي وقعت في 29 مارس، وقعت عملية “تل أبيب” في7 أبريل، رغم أن الاحتلال أعلن رفع درجة استعداداته ونشر إعلامه تقارير عن ذلك. وبعد ذلك جاءت عملية مستوطنة إلعاد في 6 مايو بعد كم هائل من التقارير والتصريحات حول الاستعدادات لدى الاحتلال.