الجمعة  10 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين زلزالين (2 من 2): الصعود من الهاوية| بقلم: د. حسن أبو لبده

2023-02-13 09:24:35 AM
ما بين زلزالين (2 من 2): الصعود من الهاوية| بقلم: د. حسن أبو لبده
د. حسن أبو لبده

خلاصة القول، إن فلسطين مكشوفة تماما أمام الزلزال الأكبر وأي كارثة كبرى، حيث إن نسبة المباني التي تم بناؤها على الكود الأردني قليلة جدا، وبالنظر إلى فوضى البناء بدون ترخيص أو إشراف أو رقابة، خاصة في المناطق غير الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة مثل كفر عقب شمال قلنديا، ووجود أغلبية من المباني القديمة التي يتجاوز عمرها ال 45 عاما، فإن المخاطر أكبر بكثير مما يتوقعه العامة، حيث من المرجح وفقا للخبراء، بأنه من بين مجمل المباني للمرشحة للتأثر بالزلزال، فإن ثلثها فقط سينجو من التصدع أو الدمار الجزئي أو الانهيار الكلي، ويعتقد الخبراء بأنه في حال وقع زلزال بقوة 7 درجات فإنهم لا يستبعدون أن يصل عدد الضحايا لأكثر من سبعة آلاف قتيل. 

يجب أن نعترف بأن المخاطر والكوارث في فلسطين لها خصوصية تجعل إدارتها أصعب بكثير منها في أي دولة، حيث إن علاقات السلطة الفلسطينية بالمحيط ليست في أحسن حالاتها وقد فقدت عمقها الإسلامي وتجمع دول العالم الثالث (الفقير)، ولا تسيطر على حدودها ومواردها، وتعاني من تراجع الاهتمام السياسي والدعم المالي الدولي (Donor Fatigue)، ناهيك عن أن أمرها مرهون بإرادة وبركات وموافقة الاحتلال مما سيزيد من صعوبة إدارة المخاطر والكوارث، وسيرفع فاتورة الخسائر نتيجة للصلف الإسرائيلي المتوقع وتأخر وصول وتواضع المساعدات الإقليمية والدولية لأسباب فنية ومادية وسياسية، وربما لعدم فتح الحدود على مصراعيها، وتصرف إسرائيل بأنانية برفع أولوية إنقاذ المستوطنين على أي أولوية أخرى وعلى رأسها الجانب الفلسطيني.

لا يقف الانكشاف عند الجانب العمراني، وإنما يتجاوز ذلك وبدرجة خطيرة في الانكشاف المجتمعي وقلة التنظيم والأنانية الفردية في محاولة الاستئثار بطوق النجاة من أي خطر وإنكار الحق الجماعي بذلك.  ومن المفيد في هذا السياق التذكير بالفوضى الكبرى التي حدثت في رام الله خلال في 12 تشرين أول عام 2000  حين قامت إسرائيل بقصف مركز الشرطة في مركز المدينة وما تبعه من هلع وتزاحم وتوقف حركة السير وعدم القدرة من معظم العائلات على الوصول الى أطفالها في المدارس لمدة تجاوزت 3 ساعات.

على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فلم يفت الوقت للتعاطي مع هذا الخطر المحدق بنا في حال توفرت الجدية والمسؤولية والإرادة السياسية، وأقترح في هذا السياق:

1.    تعاطي السلطة برئاستها وذراعها التنفيذي "حكومتنا الرشيدة" بالجدية المطلقة مع إمكانية حدوث كوارث طبيعية كبرى مثل الزلازل وكوارث ناتجة عن أي عدوان إسرائيلي أو حرائق أو انفجارات مصالح صناعية واعتداءات كبيرة من المستوطنين.  ويشمل ذلك توحيد المرجعيات وإشراك مختلف الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية والخبراتية مع القطاع العام في خلق الجاهزية والتعاطي مع الكوارث وتبعاتها، وتدريب آلاف الكوادر والمتطوعين، و تسخير كافة إمكانياتها والقطاع الخاص لنشر الوعي وعمل تمارين (Drills)  تحاكي وقوع الكوارث لتأهيل أكبر عدد من الأفراد والمؤسسات على المساهمة في الوقاية والتغلب على تبعات الكوارث.

2.    استحداث برنامج عاجل لتعزيز صمود ومنعة الجبهة الداخلية تشرف عليه وتديره جهة مستقلة وذات صلاحيات، ورفع درجة استعدادها لاستيعاب أي صدمة/كارثة كبرى والتعاطي معها بالحكمة والدراية والنجاعة، والزج بالمدارس والجامعات والمؤسسات العامة والمراكز الجماهيرية المختلفة في هذا النوع من النشاط، ومباشرة تدريب وتأهيل جيش من المتطوعين في كافة التجمعات السكانية، بما فيها مختلف كوادر المؤسسة الأمنية.

3.    الإسراع بوضع التشريعات واللوائح التنظيمية والسياسات والإجراءات وخطط العمل الخاصة بإدارة مخاطر الكوارث، بعيدا عن الاستئثار الحكومي والنهج الإقصائي للفعاليات الاقتصادية والمجتمع المدني وبيوت الخبرة والخبراء المشهود لهم.

4.    تخصيص مساحة توعوية وإرشادية كبيرة في منابر الإعلام الحكومي والخاص لرفع درجة المعرفة والوعي بالمخاطر وطريقة التصرف عند وقوع الكوارث.  من غير المنصف تفرغ الإعلام الرسمي للتسحيج معظم الوقت وإغفال مهمته الأساسية بتحصين مجتمعنا وتوعيته بالمخاطر المحدقة وإرشاده حول آلية التعاطي معها، وتحوله إلى القناة الأكفأ في توصيل المعلومة المفيدة للمواطن بزمن قياسي.

5.    الإسراع في عمل تقييم للواقع وتحديد الاحتياجات (Needs Assessment) المطلوبة لرفع حالة الجاهزية المتعلقة بإدارة مخاطر الكوارث، ومتطلبات توفير أقصى حماية ممكنة لشعبنا من كارثة كبرى بحجم زلزال أو أكثر بقوة تزيد عن 7 درجات، ولنا في المقدمات عبرة.

6.    التوسع في جهود تنفيذ مشروع تجهيز خرائط المباني وتصنيفها من حيث درجة مقاومتها للكوارث، الذي يسعى المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث لإصداره، واعتماد مفهوم المدن المرنة (Resilience of Cities) في الحكم المحلي، أي المدن التي لديها القدرة على استيعاب الصدمات (الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والمؤسسية) والتعافي منها والاستعداد لها في المستقبل.

7.    الاستثمار الاستراتيجي في قدرات الدفاع المدني وضخ الكوادر المؤهلة

8.    إعادة النظر في وظائف واختصاصات المجلس الأعلى للدفاع المدني والمركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث وبناء العلاقة بينهما على التكامل لا التناقض والتنافس، وتنظيم المركز بقانون كمؤسسة مرجعية مستقلة وتسخير الموارد لتمكينها من وضع استراتيجية وخطة وطنية لإدارة مخاطر الكوارث مع المجلس الأعلى.

9.    رفع مستوى التنسيق مع مع دول الجوار والتوافق على خطة تضمن السلطة من خلالها سلاسة تدفق جهود ومعدات الإنقاذ والإغاثة والمساعدات الفنية بدون معيقات إسرائيلية أو بيرقراطية من دول المحيط تبطئ التدخلات الإقليمية والدولية والشعبية لمساعدة شعبنا الفلسطيني في حال وقوع المحظور.

في مواجهة الكوارث الكبرى كلنا مرشحون لدفع الثمن، وتقع المسؤولية علينا جميعا للمساهمة في توفير الحماية الذاتية، وتحصين المجتمع بتغيير السلوك خلال الأزمات والمخاطر، والإيمان بأن الجميع سيتأثر بطيش وتخاذل الفرد، والعكس صحيح.  ألف سلامة للجميع.