الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حنا أرندت: ما بين الثورة وعنفِها إلى الحرية على أساس الجِدَّة

2023-03-26 01:50:51 PM
حنا أرندت: ما بين الثورة وعنفِها إلى الحرية على أساس الجِدَّة
حنا أرندت

تدوين- ناديا القطب

 

يرتبطُ مفهوم الثورة، كما هي حال السياسة، عند حنا أرندت،  بمفهوم الحرية، باعتبارها الغاية الأسمى النهائية التي من أجلها تندلعُ الحروب، ويُبنى على أساسها المجتمع السياسي، الذي يحاول أن يطبق مفهوم الحرية عبر ربطه بمفهوم العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد. وإن كانت الثورةُ هي الطريق نحو الحرية، فإن الأمر يقتضي أن تتوفر فيها مجموعة من العناصر الأساسية التي يقع في صلبها ولُب تكوينها مفهوم "الجدَّة"، بما هو عنصرٌ كامن في الثورات كلها، على حد قول أرندت.

ونظراً لكون الحياة البشرية قائمة على أساس الحالة الإنسانية الأولى؛ حالة الطبيعة، التي تتأسس على حالة من العنف، حيث يحكم الأقوى بعنفه الأضعف منه، تكون محاولات التخلص من حالة التفاوت هذه وضبطها مرتبطة بخلق حالة جديدة، وواقع جديد. إذ من هنا تؤسس البدايات الجديدة، التي تقودها الثورة، فيكون للثورة بمفهومها الحديث معنى مختلف مرتبط ارتباطا وثيقاً بفكرة أن مسار التاريخ بدأ من جديد، وبقصة جديدة تماماً، ويكون سبيل تحققه هو العنف الذي يؤدي إلى هذا التغيير وإلى تلك البدايات الجديدة، إذ من غير الكافي أن تكون الثورةُ عنيفةً كي توصف بالنجاح أو كي توصف بأنها ثورة، بل بما تنتجه من حالة خلق لوقائع جديدة تماماً، بما هي نظام سياسي جديد، أو بنية اجتماعية جديدة، أو نمط اقتصادي جديد، نابع من فكرة التحرر من الاضطهاد أو اللامساواة.

وتشترطُ، بالتالي، أرندت، ضرورة تحقق التزامن ما بين فكرة الحرية مع تجربة البداية الجديدة، بحيث ترتبطُ الحريةُ هي الأخرى بديناميكة التجدد، بمعنى أن يكون معيارها المفاهيمي الأصلي هو الآخر ثوري. وهنا نلحظ تلك العلاقة الجدلية القائمة ما بين الجدة والثورة والحرية، وترابطهما الثلاثي على أساس من التراكب بحيث يعطي أحدهما معنى للآخر، وتصير صيغة التمييز والتعريف ما بين الثورة والتمرد والانقلاب والحرب الأهلية قابلة للتمايز على أساس الجدة والحرية.

وتعطي أرندت بهذا توضيحاً للمقصود بمعنى الحرية، عبر حصرها في نطاقاها الحديث بما هي حرية سياسية، هدفها بشكل أساسي أن يكون الأفراد في المجتمع الواحد قادرين على المشاركة في الفضاء العام وفي تقرير مصيرهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وهذا بحد ذاته أيضا يعني خلق الجديد، ورفضاً للعودة إلى الوراء، أو النكوص نحو القديم، فالثورة لا تهدف إلى استعادة ما كان سابقاً، بل خلق ما هو نقطة بداية لم تكن موجودة. وهنا تكمن معضلتها بالأساس، إذ كيف يُمكن تحقيق اللانكوص هذا، وكيف يظل مسارُ التحرير بعد بدء الثورة قائماً حتى يصل نحو الحرية؛ ومتى يمكننا الحكم على الثورات بالنجاح؟

وهذا هو التساؤل المركزي في كل دراسات الثورة، إذ تشكل المرحلة الانتقالية، لحظة تاريخية مهمة دائماً في تاريخ الثورات، إما تردها إلى ماضيها أو تطلق عنانها نحو الجديد. لذا يبدو من الضروري، ألا يُفقد عنصرُ الأمل في الثورة، والذي إن فُقِد فإنما يُصيبها في مقتل. بالتالي، فإن الحكم على الثورات لا يكون في فتراتها الانتقالية، التي تتسم عادة بحالات من الفوضى واللايقين، بل يجدر الوقوف عند فهم الثورة باعتبارها عملية process وسيرورة وصيرورة، قائمة على الاستمرارية في نقلاتها الثورية.