السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" إعادةُ إنتاجِ واجترار التَّجارب العربيَّة ". بقلم: رائد دحبور.

2015-05-08 04:32:39 PM
صورة ارشيفية

 

 لقد قال ألبرت آينشتاين ذات مرَّة: "إنَّ الغباءَ هو فعلُ نفسِ الشَّيء مرَّتين بنفسِ الطريقة وبنفس الأسلوب وبنفسِ الخطوات ثمَّ انتظارُ نتائجَ مختلفة".

ما الَّذي نقوم به غيرَ ذلك الَّذي أشار إليه آينشتاين، من إعادة التجربة على ذات الأسس المهترئة، وبنفس الطرق منتهية الصَّلاحيَّة وبنفس الخُطوات والخُطى المُتَعثِّرة على صعيد السلوك السياسي والإجتماعي وعلى صعيد منهجيَّة التربية والثقافة والوعي على مستوى العالم العربي، ومنذ بواكير القرن المنصرم، وتحديداً فيما يخُص قضايا الاستقلال والحريَّات والثَّقافة والتنمية، وبما يخُصُّ مُعضِلَتي التجزئة والقضية الفلسطينيَّة الإستراتيجيَّتين غير المُنفصمتين الواحدة عن الأخرى في الجوهر، سواءاً من حيث الأسباب أو السِّياقات أو النتائج؟!

لقد كتَبَت المثقفة والمُنظِّرة اليساريَّة – روزا لوكسِنْبورغ – ذات مرَّة وفي عام 1918م بُعَيْد اندلاع أحداث الثورة البلشفية ضد حكم القياصرة، ومُعترِضَةً على طريقة البلاشِفَة في استغلال الظُّروف الإجتماعيَّة والإقتصاديَّة القائمة  في روسيا للقيام بالثَّورة على غيرِ بصيرة وقبل أوانها، وعلى قاعدةِ انتهاز الفرصة وعدم القبول بمراكمة نتائج المواجهة مع سلطة القياصرة والإقطاع تدريجيَّاً، وعلى قاعدة الإيمان بعدم تفويت فرصة التقاط السُّلطة عندما تُلقى في الشَّارع ومن ثمَّ تعميم الثورة الطَّبقيَّة في عموم أوروبا، وإيماناً من – روزا لوكسمبورغ - بما يُسمَّى بالمنهج – الفابيي بالتَّغيير أو الفابيَّة، بمعنى التَّدرُّج – وإشارةً منها إلى ضرورة الإنتباه إلى خطورة النَّتائج الَّتي تأتي بها الثَّورات القائمة على الإنفعال واستعجال النَّتائج دون توفُّر فرصة توجيهها والتَّحكُّم بصيرورتها واستثمار نتائجها على المدى البعيد، فقد كتَبَتْ تقول: "في ظلِّ مثل هذه الظُّروف الحاسمة المُميتة؛ ستعجز حتَّى أعظم المثاليَّات وأكثر الطَّاقات الثوريَّة عن تحقيق الدِّيمقراطيَّة والإشتراكيَّة، وكل ما ستحقِّقه هو محاولات مُشَوَّهة في المجالين".

وقد خَلُصت هي وغيرها؛ ونتيجةً لدراسةِ وتحليل طبيعة الأوضاع والبُنى الاجتماعيَّة والسياسية والإقتصاديَّة والثقافية والفكرية في روسيا وفي عموم أوروبا بدِقَّة، وملاحظة الفروق فيما بين تلك المجتمعات وسياقات تطوِّرها بعيداً عن إسار ضرورات وتعميمات النَّظريَّات والقوالب النَّظريَّة والفكريَّة الجامدة المتحجِّرة، إلى هذه النتيجة، الَّتي لم يكن من السَّهل التدليل على صحَّتها وإثبات صوابيَّة منهجها في التحليل وصولاً إلى هذه الخلاصة، في ظلِّ الإندفاع الكبير الَّذي حققته الحقبة السَّتالينيَّة في بداياتها، وقبل حلول عام 1989م تاريخ بداية تفكُّك الإتحاد السُّوفييتي، وهو ذاته الَّذي كانت – لوكسمبورغ - قد تنبَّاَت به في سياق كلامها قبل ذلك بقرابة سبعة عقود من الزَّمن.

وفي سياق الحديث – وعلى سبيل المثال – عمَّا قدَّمته روزا لوكسمبورغ، نُشير هنا إلى أنَّها كانت من الَّذين يُردِّدون مقولة " أنَّ سلسلة الهزائم تؤدِّي إلى الإنتصار "بِشرطِ توَفُّر الجدِّيَّة والصِّدق في، القدرة على، تحليلِ عواملها، والوعي على نتائجها، والعمل على إقصاءِ آثار اليأس والإحباط الَّذي تتسَبَّب به، وباعتبارها فرصة للمراجعة وممارسة النَّقد الذَّاتي، على مستوى تقييم أداء القادة والنُّخب و الإنتلِجِينسيا، طبقة المثقفين والمتعلِّمين،  وكذلك على مستوى مراجعة الأداء وطبيعة ومنهج العمل، وحتَّى تلك الأسس النظرية والفكرية التي تقوم على أساسها وتندفع من وحيها التجربة أو المحاولات والتجارب الجمعية التلقائية أو المنهجيَّة الموجَّهة.

على هامش بل ومن عمقِ هذا التاريخ الطَّويل من الإخفاق في عالمنا العربي على كافَّة الصعد بالقياس إلى ما حقَّقه الآخرون، وفي جوهر ما يجري الآن من نتائج كارثيَّة صادمة على مستوى الوعي والأداء وصيرورة المستقبل، ومن تفتيتٍ وتشويهٍ لنسيج المجتمعات العربيَّة ولمنظومة وعيها على ذاتها وعلى الآخرين من حولها، ومن تشظِّي لمعايير الإنتماء، ومن إزاحةٍ للإولويَّات لحساب الهوامش والقضايا الهامشيَّة؛ تبرز أهميَّة وضرورة مراجعة التَّجارب العمليَّة، وإعادة النَّظر في الصِّياغات النَّظريَّة، على قاعدة الوعي بأهميَّة وضرورة الجرأة على مواجهة حقيقة الخلل الذي يعتري منهج التفكير العربي وآليَّات الوعي على الذَّات وأدائها، مع ضرورة تحليل، والوعي على، تجارب الآخرين من الأمم والشُّعوب، والتي أفلحت على وجه الخصوص في تجاوز عوامل ومُعيقات نهضتها وتقدُّمها.

وبغير ذلك سيبقى فكر ووعي النُّخب والقيادات العربية عموماً، وتداعيات ذلك الفكر والوعي دعائيَّاً وجماهيريَّاً في دائرة اجترار التَّجارب وإعادة صياغتها على ذات الأسس، الَّتي لن تُفضي إلَّا إلى ذات النَّتائج السَّابقة من إعادة تدوير التَّجارب المشوَّهة، في دائرة من التكرار التي لن تؤدِّي إلَّا إلى مزيدٍ من التآكل والتواكل والجمود، بعيداً عن أيِّ فهمٍ عميقٍ لواقع الثوابت والمتغيرات في هذا العالم، بما فيه من قوىً مؤثِّرة ومُستاثرة ومتأثِّرة، وبعيداً عن أيِّ رؤيةٍ استراتيجيَّة نحو المستقبل، أو امتلاك أيِّ من أسباب القوَّة الفعليَّة أوالتأثير الفعَّال في أحداث هذا العالم المتغيِّر باستمرار.