الثلاثاء  14 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أرقام ودلالات.. بقلم: عبد الغني سلامه

2015-05-19 01:21:16 PM
أرقام ودلالات.. بقلم: عبد الغني سلامه
صورة ارشيفية

 بإحصائية سريعة وأولية على شبكة الفيسبوك، ظهر لي أن عدد المتابعين والمعجبين لكبار الأدباء والعلماء والكتّاب لا يُقارن مع عدد المعجبين بالمشاهير من الفنانين والفنانات؛ فمثلاً العالم د. "أحمد زويل" الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء لديه 14 ألف معجب، والعالم النووي د. "محمد البرادعي" لديه 42 ألف معجب، الصحافي المخضرم "محمد حسنين هيكل" لديه 61 ألف، الكاتبة المثيرة للجدل د. "نوال السعداوي" لديها 4600، والمفكر التونسي "هشام جعيط" لديه 19 ألف، الشاعر السوري "أدونيس" 6200، الشاعر الفلسطيني "سميح القاسم" 37 ألف، الروائي الفلسطيني "إبراهيم نصر الله" 16 ألف، الروائي الليبي "إبراهيم الكوني" 4200، والروائي الجزائري "واسيني الأعرج" 227 ألف، وربما هو الأكثر حظاً.

وفي المقابل فإن الفنانة "نانسي" لديها أكثر من 15 مليون معجب، أما "أليسا" فلديها 13 مليون، في حين تجاوزت "هيفاء وهبي" حاجز ال 4 مليون بقليل، أما الفنانة الإماراتية "أحلام" فلديها أكثر من 3 مليون متابع على أنستغرام وتويتر فقط،  وعلى صعيد متصل فإن عدد معجبي لاعب ريال مدريد الأشهر "كريستيانو رونالدو" أكثر من 100 مليون (بالطبع ليس جميعهم من العرب).

وهذه مجرد عينة، مع التسليم بأن هذه الأرقام متحركة، وأن بعض الفنانين ربما استعمل حيلاً معينة لزيادة عدد معجبيه، وافتراض أن العلماء والأدباء لا يعيرون شبكة الفيسبوك نفس الاهتمام الذي يبديه المشاهير الآخرون. ومع كل ذلك؛ فإن هذا التفاوت الهائل في الأرقام يعطينا دلالات مفزعة، ويقدم لنا صورة واضحة عن اهتمامات الناس وتوجهاتهم، ومستوى وعيهم.

ودون أن يعني ذلك، أن كل من سجل إعجابه بنانسي عجرم مثلاً فإنه بالضرورة لا يهتم بالعلوم والثقافة والآداب، وحتى مع هذا الافتراض يبقى البون شاسعاً بين تلك الأرقام، لدرجة تحتاج مراكز أبحاث متخصصة لفهمها وتحليلها.

وفي سياق آخر متصل، استمعت قبل أيام لبرنامج إذاعي عبارة عن مقابلات عشوائية مع عشرات الطلبة "الجامعيين"، من ضمن الأسئلة التي طُرحت عليهم: ما الفرق بين المجلس التشريعي ومجلس الوزراء؟ ما الفرق بين اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟ من هو حكيم الثورة؟ من هو خليل الوزير؟ كم مساحة فلسطين؟ ماذا يحد فلسطين من الغرب؟ أكثر من 90% من الإجابات كانت خاطئة، بل صادمة، والمفارقة أن توقيت البرنامج جاء بعد انتخابات جامعة بير زيت، والتي فهمها الكثيرون على أنها دلالة على توجهات الشارع الفلسطيني، ومؤشر على حجم تأييده للفصائل الفلسطينية المختلفة.

اهتمام الناس بالفنانين، أو متابعتهم لأخبار المشاهير ليس بالضرورة خطأً جسيماً، فهذه حريات شخصية؛ ولكن المبالغة في هذا الاهتمام، ومتابعة تفاصيل حياتهم الشخصية، ماذا يأكلون، وأين يسهرون، وما هي سياراتهم المفضلة، وكم يغطي فستان هيفاء من جسمها .. فذلك يعني الانصراف إلى توافه الأمور، وهذا دليل على الخواء، ومؤشر على المستوى الذي وصلنا إليه. صحيح أن مثل هذا الاهتمام موجود في كافة أنحاء العالم، حتى في الدول المتقدمة، ولكن على الأقل تلك الدول وصلت مستوى من التقدم والرخاء يسمح لها بمثل هذه الممارسات.

أما الكارثة، فهي حين لا يعرف طلبة جامعيون حدود فلسطين، ومساحتها وأسماء قراها، وينسوا شهداءها، ولا يميزون بين البرلمان والحكومة... وإذا كان هذا مستوى وعيهم؛ فكيف سيميزون بين البرامج السياسية للفصائل؟! وعلى أي أساس يحملون راياتها؟! ووفق أي معيار ينتخبون؟! والسؤال الأهم: كيف سنعبر بهؤلاء إلى المستقبل؟