السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أين هي المسؤولية الإعلامية في نشر الصور الدموية؟

2014-07-22 07:42:10 AM
أين هي المسؤولية الإعلامية في نشر الصور الدموية؟
صورة ارشيفية

 

 

الحدث: محمد غفري

كثيرة هي صور الأشلاء والدماء للضحايا الفلسطينيين، التي نشاهدها في وسائل الإعلام المختلفة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي وحتى اليوم، ومع تصاعد شراسة الاحتلال يوماً بعد يوم، واستهدافه لكل شيء، لا يمر يوم إلا ونشاهد ضحية كتلك التي نشاهدها في أفلام الحروب والرعب، فتارة ترى طفلاً بلا رأس، وطفلة اختلطت أشلاؤها ودماؤها بدميتها، فلم تعد تدري من منهم كان يحمل روحاً ومن فاقدها، وفي تارة أخرى تشاهد شاباً تقطعت أطرافه، ورجلاً أخر جاد بكل ما في بطنه أمامه غصباً.

فلماذا نشاهد هذه الصور في وسائل الاعلام؟ ولماذا نسينا أغلبها بينما لم ننس محمد الدرة حتى اليوم؟ لماذا ما زلنا نذكر هدى غالية على شاطئ غزة وصوتها  وهي تصرخ (ياباا، يابااا)، بينما لا نذكر شيئاً عن أفراد عائلتها الذين استشهدوا وقتها؟ أي الصور التي ترسخ في ذاكرتنا صورة الميت أم مأساة الحي؟ وهل ما زلنا نملك إحساساً كذلك الإحساس عندما شاهدنا صورة ايمان حجو في أول الانتفاضة الثانية؟ ولماذا لا نشاهد مثل هذه الصور لقتلى ومصابي الاحتلال؟

 

 

صور الأحياء مؤثرة أكثر 

الكاتب والشاعر خالد جمعة كتب يقول: “إن هناك ثلاث صور هزت العالم في القرن العشرين، إحداها لصبي يهودي وهو متجه نحو المحرقة أثناء الحرب العالمية الثانية ونظرة الرعب في عينيه، والثانية لفتاة فيتنامية تركض عارية والنار تشتعل في ظهرها بعد قصف بيتها بقنبلة “نابالم” من قبل القوات الأمريكية، والثالثة صورة محمد الدرة، ولو أخذنا عاملاً مشتركاً يجمع هذه الصور، لوجدنا أن جميع من في هذه الصور كانوا أحياء لحظة التقاط الصورة”.

وأضاف جمعة في مقال له حول هذه القضية، بأنه من البديهي أن الإنسان الواقع مباشرة تحت المعاناة، يثير التعاطف حين يكون حياً أكثر مما تثيره الجثة، لأن جثة أي إنسان تكون عملياً قد انتهى أمرها من الحياة، وبالتالي لا يمكن أن نفعل لها شيئاً، بينما نحس برغبتنا الشديدة في القيام بمساعدة ذلك الشخص المصاب أو المتعرض للخطر حين يكون ما يزال حياً.

وفي ذات السياق أكد محمد أبو الرب، أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت للـ”الحدث”، بأنه يجب على وسائل الإعلام التركيز على تصوير معاناة الأحياء وليس الأموات، لأن الميت قد انتهى وروحه أنتقلت إلى السماء، بينما تستمر معاناة الأحياء، وبالتالي فإن تصوير حجم المعاناة الواقعة على الأحياء بفعل خسارة هذا الشخص أو هذه الضحية، يكون له مضمون أكثر وتأثير أكثر فعالية، ويضيف: “دائماً ما أقول بأن الموت لا يؤذي الموتى ولكن يؤذي الأحياء”.

هذه الفرضية نراها بوضوح كامل في مثالين فلسطينين، الأول في صورة الشهيد محمد الدرة عندما قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وهو في حضن أبيه، وكل من يقرأ هذا التقرير سوف يعود إلى ذاكرته ذلك المشهد بشكل كامل، بينما لو كانت الصورة لمحمد وهو شهيد فقط، لكان الأن مجرد رقم يضاف إلى ألاف أرقام الشهداء، علما بأن شهداءنا ليسوا أرقاماً ولا يجب أن يكونوا أرقاماً، أما المثال الثاني فهو لصورة الطفلة هدى غالية، عندما قتلت عائلتها على شاطئ بحر غزة عام 2006، بعد قصفهم من قبل المدفعية الإسرائيلية، فالجميع يذكر صورة هدى ولا أحد يعرف شيئاً عن عائلتها.

 

 

صور الدماء تؤدي إلى التشبع منها 

إن الكم الهائل من صور الضحايا المنتشرة عبر وسائل الإعلام، جعلت المشاهد يمر عليها مرور الكرام دون تأثر أحاسيسه بها، كما هو الحال في السابق، فتكرار صور الدم والأشلاء يؤدي إلى تشبع الإنسان من هذا المشهد على المدى البعيد، والأمر يقاس على كل شيء أصبح يألفه الإنسان، فنحن ما زلنا نذكر حتى اليوم صورة الطفلة ايمان حجو وبشاعة الجريمة، وكيف أثرت هذه الصورة في الرأي العام العالمي وقتها، عندما قتلت على يد الاحتلال الإسرائيلي في بداية الإنتفاضة عام 2001، بينما ها نحن بعد عقد من الزمن، نمر على صور مئات الأطفال الشهداء من بعدها وبمشاهد أكثر إجرامية وبشاعة، نتأثر بها بشكل لحظي، وسرعان ما يرحلون عن ذاكرتنا. 

ولو أحضرنا شاباً أمريكياً وجعلناه يعيش في غزة هذه الأيام، فإنه لن يحتمل ذلك لأكثر من نصف ساعة، بسبب قلة التعود على صور القتلى والدماء، ومن المعروف بأن الإعلام في الغرب لا ينشر مثل هذه الصور، بينما يتسابق الشباب الفلسطينيين إلى مسرح الجريمة، من أجل انتشال جثث الموتى وإنقاذ ما تبقى منهم على قيد الحياة، بسبب تعودهم على هكذا مشاهد.

وبالتالي فإن الإعلام الغربي، وكذا الإسرائيلي، لا ينشر صور القتلى والجثث، فهو يدرك أهمية عدم نشرها بالنسبة للمجتمع وحالته النفسية، ويحاسب قانونياً في حالة نشرها، وجميعاً لم نشاهد حتى اليوم أي صورة لجثث المستوطنين الثلاثة الذين قتلوا في الخليل قبل فترة وجيزة، ولم نشاهد أي صورة لعشرات المستوطنين، الذين قتلوا في العمليات الاستشهادية إبان الانتفاضة، كذلك لم ينشر الإعلام الإمريكي أي صورة لضحايا 11 سبتمبر2001، بل نشر القصص الإنسانية ذات التأثير الأقوى على الرأي العام.


 

 

من الناحية الدينية والقانونية 

لا يوجد في القرآن الكريم والتشريعات الدينية، أو أي كتاب من الكتب السماوية، نص واضح وصريح يمنع نشر صور القتلى والأشلاء والدماء، ولكن الشيخ صالح معطان أكد للـ”الحدث” أن نشر هذه الصور يجوز بناء على الغرض من نشرها ونية الناشر، فإذا كان الغرض منها هو فضح جرائم الاحتلال وبشاعته، فلا مانع من ذلك، أما إذا كان النشر هو لسبق صحفي وكسب الشهرة والجوائز، فهذا أمر غير أخلاقي ولا يصح، والأولى أن يتم التحفظ عليها.

من الناحية القانونية، لم تحسم اتفاقيات جنيف والقانون الدولي هذه القضية، حول أحقية وسائل الإعلام في نشر صور الضحايا، كما أكد الدكتور محمد شلالدة أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، وقال إن استخدام هذه الصورة يجب أن يتم في المحاكم الدولية، كدليل على جرائم وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، من أجل ملاحقة قادة جيش الاحتلال، وأدانتهم كمجرمي حرب.

 

 

20% من المجتمع الفلسطيني يعاني الصدمة

إن انعدام المسؤولية في بعض الأحيان من قبل وسائل الإعلام، ونشرها لصور الجثث المتفحمة والأشلاء المتطايرة، قد ينعكس سلبياً على الناحية النفسية للمشاهد، ومن يضمن عدم مشاهدتها من قبل الأطفال، طالما هي منتشرة بهذا الكم؟

وحول هذا الموضوع قال الدكتور أحمد سحويل أخصائي الأمراض النفسية، في لقاء خاص بـ”الحدث”، إن المجتمع الفلسطيني يعاني من الصدمة بنسبة تصل إلى أكثر من 20%، وهذه نسبة مرتفعة بالمقارنة مع الدول الأخرى، وأكد بأن تأثير هذه الصور يختلف من شخص إلى آخر، ولكنه ركز على الفئة العمرية، وأن نشرها دون رقابة عليها وتحذير مسبق، قد يؤدي، وبخاصة عند الأطفال، إلى مشاعر الخوف والصدمة والعزلة النفسية والإحباط وقلة النوم والكوابيس والتبول اللاإرادي وضعف الشخصية، وأن: “انتشارها على المدى البعيد قد يؤدي إلى نشأة المجتمع على الجريمة، بسبب التعود على صور الجثث والدماء”.

قد يقول قائل بأن مسؤولية الصحفي هي نشر الحقيقة والواقع كما هو وأنا أتفق مع ذلك، ولكن بالمقابل يجب أن يكون هناك مسؤولية اجتماعية وإعلامية تقضي على وسائل الإعلام، الانتباه قبل نشر الصور الدموية، والتحذير المسبق، وتغطية جزء منها، ويجب أن تدرك وسيلة الإعلام أيضاً أي الصور الأكثر تأثيراً، ولنا في الإعلام الإسرائيلي وكيف يكسب الرأي العام العالمي أكبر دليل.

 

 

 

وهو ما أكده د. محمد أبو الرب، بأن وسائل الإعلام مطالبة قانونياً بعدم نشر هذه الصور للضحايا والصور المؤلمة، وهي تعتقد أنها تؤثر أكثر كلما نشرت صور دموية أكثر، وهذه فرضية خاطئة، ويستطرد قائلاً: “لا تؤثر أنت كلما نشرت صوراً دموية أكثر، خصوصاً عندما نتعاطى مع وسائل الإعلام الأجنبية، أو ندون في شبكة التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة الإنجليزية، وهذه الصور تخسرنا أكثر مما تكسبنا خصوصاً إذا كنا نخاطب الجمهور الدولي”.