الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قصص العدوان السوداء

2014-07-22 00:00:00 AM
قصص العدوان السوداء
صورة ارشيفية

غزة- حامد جاد  

لسان حال الغزيين يقول، لم يعد هناك مكان آمن نلجأ إليه، فبربرية آلة حرب الاحتلال تمعن يوماً بعد يوم في توسيع رقعة عدوانها ضد المدنيين، وتحول منازلهم لكومة ركام، حتى المناطق السكنية التي افترض البعض أن تكون أكثر أمناً من غيرها، لم تنج من بطش قذائف وصواريخ الاحتلال التي زرعت الموت في كل مكان، وبثت الرعب في نفوس الآمنين الذين بات شغلهم الشاغل هو البحث عن ركن آمن في منازلهم قد يحميهم من صاروخ يستهدف منزل جار لهم، باتوا يشكون في مدى معرفتهم به، إن كان هو أو أحد أبنائه له حساب في بنك أهداف الاحتلال، وإن كنت على يقين بمعرفته، فأنت تجهل تماماً هوية الزائر الجديد الذي رحل عن مسكنه وحل بشكل فردي أو جماعي مع أسرته ضيفاً في مبنى مجاور لك، فلا تملك في هذه الحالة سوى أن تدعو الله أن يحفظه ويحيطه ومن حوله برعايته.

وفي الليل تعود في فسحة رعب لا تخترقها سوى أبواق سيارات الأسعاف لتحتضن أطفالك وتهدئ من روعهم، في محاولة منك لتخفيف وحشة الظلام الدامس الذي يخيم على المكان، فيأخذك منهم رنين هاتفك لتستمع من الطرف الأخر لرسالة صوتية مسجلة يوجهها الاحتلال لعشرات الآلاف من مواطني القطاع في إطار حربه النفسية، تصغي لهذه الرسالة فتجدها موجهة لسكان شمال القطاع تدعوهم للرحيل عن مناطقهم واللجوء إلى بلدة جباليا، ثم تتوالى الرسائل في الأيام التالية، فهذه تدعو سكان منطقتي الشجاعية والزيتون شرق غزة للنزوح إلى مركز المدينة، والرسالة الثالثة تدعو سكان مخيم النصيرات إلى اللجوء إلى مدينة دير البلح، وهكذا لتجد في نهاية الأمر أن القصف البري والبحري والجوي لم يتوقف عن أي منطقة من مناطق قطاع غزة، سواء المطلوب النزوح منها أو المطلوب النزوح إليها، الأمر الذي يدفعك إلى عدم الاكتراث بهذه الرسائل الفضفاضة التي تستهدف منطقة أومناطق سكنية بأكملها، ليتحول بعد ذلك التهديد بالقصف إلى أشخاص ومنازل بعينها، عندما يتصل بك أحد ضباط الاحتلال ويطالبك بإخلاء منزلك على الفور، لأنه سيتم قصفه بعد خمس دقائق أو قصف المنزل المجاور لك تماماً، فتصرخ فور انتهاء هذه المكالمة، تطالب كل أفراد أسرتك بمغادرة المنزل أو الشقة السكنية، دون أن تعلم وجهتك إلى أين قد تكون، إلى حائط مجاور أو منزل آخر تطرق بابه للاحتماء بداخله، وفي الوقت نفسه تجد هناك من رفض تهديدات الاحتلال بقصف بيته وبقى وأسرته، مثلما حدث مع عائة كوارع في خان يونس، التي استهدف الاحتلال منزلها واستشهد بداخله سبعة أفراد، وأصيب العشرات من جيران المنزل، لتكون هذه العائلة بحسب وزارة الصحة واحدة من 22 عائلة استهدفها الاحتلال بشكل مباشر خلال الأيام العشرة الأولى من الحرب. ومنها عائلة البطش التي قضى منها 19 فرداً إثر استهداف الاحتلال لمنزل مدير عام الشرطة، تيسير البطش في حي التفاح، وذلك بالتزامن مع خروج المصلين من صلاة العشاء والتراويح. 


نيران مغول العصر تغير على المدنيين

أما الشهداء فلكل واحد منهم قصة مع مغول العصر الذي يُغير بطائراته فوق رؤوس المدنيين ويطلق حمم نيرانه براً وبحراً وجواً لتحرق الأخضر واليابس وتحول بيوت وساحات غزة إلى مقابر، فالطفل نور الدين حمد ست سنوات، الذي عبر عن سعادته بموافقة والده على الذهاب إلى بيت عمه المجاور لبيتهم للعب مع ابن عمه كنان بقبلة طبعها على رأس أمه وأبيه عقب تناوله طعام الإفطار مع عائلته دون أن يعلم أنها ستكون قبلات الوداع الأخيرة لوالديه. 

وتقول أم وسام حمد، جدة نور: «خرج أفراد العائلة عقب انقطاع الكهرباء في ليلة اليوم الثاني للعدوان، في الثامن من الشهر الحالي لشرب القهوة بعد الإفطار في ساحة صغيرة مجاورة لبيتهم في بلدة بيت حانون  شمال قطاع غزة، حيث كان الأطفال يلعبون على مقربة منهم عندما باغتت العائلة  دون سابق إنذار، قذيفتين صاروخيتن أسفرتا عن استشهاد ستة من أفراد العائلة، باستثناء الطفلين نور الدين وكنان، الذين أصيبا بجراح متفاوتة، حيث استشهد والد ووالدة نور، ولم يبق له سوى أخوته الثلاثة الصغار.

استهداف ذوي الاحتياجات الخاصة

الشهيدة كفاح غنام في العشرينات من عمرها كانت تعاني من إعاقة سمعية، قضت ووالديها واثنان من أشقائها عندما استهدف الاحتلال منزلها في مخيم (يبنا) الحدودي المجاور لمنطقة الأنفاق في رفح جنوب قطاع غزة، بثلاثة صواريخ وهم نيام بعد أن أدوا صلاة الفجر لتلتحق بثلاث فتيات معاقات من ذوي الاحتياجات الخاصة «منغوليات» استشهدن معاً عندما استهدفت طائرة حربية بصاروخ، جمعية مبرة فلسطين للمعاقين في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة التي كن يقمن فيها. 

مجازر تستهدف عائلات

شكلت المجزرة التي استهدفت عائلة البطش المقيمة في منطقة التفاح شرق مدينة غزة، واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها سلاح جو الاحتلال منذ بدء عدوانه، فمشاهد دماء وأشلاء 19 شهيداً من أطفال وشيوخ نساء وشباب العائلة، أذهلت المسعفين قبل أن تذهل عيون كل من شاهد بشاعة هذه الجريمة التي استهدفت عائلة بأكملها، وحولت منزلها المكون من ثلاثة طوابق إلى كومة ركام تناثرت على جنباتها أشلاء جثث الشهداء، ودماء أكثر من 50 جريحاً استهدفهم سلاح جو الاحتلال فور انتهائهم من صلاة التراويح.وفي مسجد الحرمين المجاور لمنازل عائلة البطش في منطقة الشف شرق مدينة غزة، وبعد أقل من دقيقة، أغارت بصاروخ آخر على منزل العائلة نفسها، ما أدى إلي استشهاد وإصابة العشرات ممن هم بداخل المنزل أو من المصلين المارين أمامه. 

مشاهد من مجمع الشفاء الطبي

يصف الطبيب أكرم حسونة الذي يعمل في غرفة العناية المكثفة في مستشفى الشفاء، بشاعة جرائم الاحتلال ضد المدنيين بقوله: «نحن في قسم العناية المكثفة نقوم بإخلاء الحالات الخطرة التي تحول إلى القسم بمعدل ثلاث مرات يومياً كي نفسح المجال أمام الحالات الأشد خطراً، والتي معظمها من الأطفال والنساء»، مشيراً إلى حالة الطفلة شهد القريناوي ست سنوات من سكان مخيم البريج، التي ترقد على أحد أسرة القسم إثر إصابتها الخطيرة الناجمة عن تساقط حجارة على منزلها المجاور لمنزل قصفته طائرات الاحتلال.

وأمام قسم العناية المكثفة، وقف علاء والد الطفلة مريم المصري، تسعة أعوام، التي أصيبت بشظية صاروخ طائرة افـ16 أصاب دماغها وهو يصرخ ويبكي على مدخل القسم وينتظر خروج طفلته ويقول: «أمانة عليكم خدو من دمي وعيشوها، ما لي غيرها».

وأشار المصري إلى أن مريم ابنته الوحيدة، التي وهبها الله له بعد 13 عاماً من زواجه وبعد ثلاث محاولات إنجاب استمرت لمدة خمس سنوات. 

نزوح العائلات إلى مدارس وكالة الغوث

المواطنة ناريمان التوم أخلت هي وعدة أسر من عائلتها منطقة التوام شمال قطاع غزة، إثر تعرض المنطقة لقصف صاروخي مكثف، ومطالبة سكانها عند الساعة الثانية من فجر الخميس قبل الماضي بإخلاء منازلهم، حيث رحل سكان تلك المنطقة وقصدوا مدارس وكالة الغوث كملاجئ آمنة لأسرهم.

وتقول ناريمان: «رحلنا عقب الاشتباك، وكنا أكثر من مئتي شخص من العائلة وذلك عقب الاشتباك الذي حدث خلال عملية الإنزال التي شهدها شاطئ السودانية القريب من منطقتنا، فغادرنا على الفور بيوتنا وحملنا بضعة أغطية خفيفة «شراشف»، وتوجهنا على الفور إلى مدرسة المأمونية وسط مدينة غزة، حيث مضى على وجودنا هنا حوالي أسبوع، ولم تبادر أونروا بتقديم أي خدمات إيواء تذكر، حيث يقيم 37 فرداً في غرفة صفية  

دون فراش أو وجبات طعام، حيث تقوم بعض المؤسسسات الخيرية بتقديم الطعام لنا بشكل غير منتظم، وبالتالي كل أسرة لاجئة في هذه المدرسة اعتمدت في الأسبوغ الأول من نزوحها على جهدها الذاتي في توفير الطعام لابنائها».

من جهتها ردت أونروا على ما آل إليه وضع اللاجئين في مدارسها في قطاع غزة، باطلاق مناشدة طارئة من أجل الحصول على 60 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات الإنسانية الطارئة والملحة لسكان قطاع غزة، بما في ذلك آلاف الأشخاص الذين تركوا منازلهم بحثًا عن الأمان في منشآت «أونروا».

وأكدت أونروا أن عدد الفلسطينيين النازحين الذين يبحثون عن الملجأ لدى مدارسها في غزة، أصبح الآن مساوياً لأكبر رقم تم تسجيله في الحرب التي شنها الاحتلال في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، مبينة أن عدد اللاجئين المقيمين في 44 مدرسة من مدارسها في قطاع غزة، تجاوز 50 ألف شخص.

وقال روبرت تيرنر مدير عمليات أونروا في غزة: «إن السرعة التي حدث بها ذلك الأمر مذهلة فلقد تضاعف عدد النازحين في يوم واحد من بدء الحرب البرية في الثامن عشر من الشهر الحالي، أكثر من 25 ألف شخص إلى مدارسنا، ونحن نشعر بالقلق البالغ حيال ذلك».

وأضاف: «إن أولئك الرجال والنساء والأطفال يعتمدون علينا لتوفير الملجأ، والحقيقة أن أونروا لا يتوفر في مخازنها سوى مواد إغاثة لحوالي 35 ألف شخص، وإننا نعمل على شراء إمدادات إضافية الآن، ولكننا لا نزال نعاني من نقص حاد في الأموال، وبالتالي يمكننا أن نصمد اليوم، إلا أنه إن استمر الوضع بالتدهور وقمنا باستقبال المزيد من النازحين في مدارسنا، فإننا على الأرجح سنستنفذ غداً مخزوننا الأساسي من الفرشات والإمدادات الحيوية الأخرى».

وقامت أونروا فيما بعد بتوزيع إمدادات الإغاثة المتوفرة بشكل يومي، وبالشراكة مع برنامج الغذاء العام، حيث عملت على توفير وجبة واحدة يومياً للأشخاص الموجودين في مدارسها، وهي تعمل أيضاً مع نظام مجموعات الأمم المتحدة لتقديم المواد غير الغذائية للعائلات المحتاجة التي تستضيف أقارب لها فقدوا بيوتهم نتيجة العدوان الإسرائيلي. 

وتوقعت أونروا أن تستمر مرحلة الاستجابة الطارئة لمدة شهر واحد، فيما ستستغرق مرحلة الإنعاش المبكر من ثلاثة إلى ستة أشهر أخرى، لافتة إلى أنها تعمل على تزويد هؤلاء النازحين بالطعام والأطقم الصحية وأدوات المنزل الأساسية، وأن المعونة الغذائية وحدها بحاجة لمبلغ 9,9 مليون دولار، كما أن الخدمات الصحية، بما في ذلك الدعم النفسي، تعد عنصراً هاماً من خطة استجابتها للوضع الطارئ.

وبينت أنها تضطلع بمسؤولية مساعدة الأسر التي أصبحت بيوتها غير قابلة للسكن، والتي هي بحاجة لإصلاح، أو بحاجة للمساعدة النقدية، خاصة أن أعمال التصليح والمعونة النقدية من أجل المساكن تتطلب مبلغ 41,9 مليون دولار.

تغريدات فيسبوكية: يا حمد الله ريح حالك

أما صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ففتحت الباب واسعاً أمام أهالي غزة ليعبروا عن مشاعرهم وآرائهم تجاه ما تتعرض له غزة من عدوان، وليصف كل واحد منهم الوضع الذي يعيشه وعائلته تحت دوي صوت الانفجارات التي تأتيه من كل صوب، فيما ذهب آخرون لوصف مدى حنقهم على كل من اتهموه بالتآمر والتقصير في حق غزة وأهلها.

فتحي كتب على صفحته: «رئيس الحكومة رامي الحمد الله في مؤتمره الصحافي اليوم قال إنه بعت 8 شاحنات أدوية لغزة، وبعمل اتصالات مع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة عشان غزة، يا سيدي إحنا ما بدنا ولا شي من هدول الناس، ريح حالك، إحنا بدنا منك شغلة صغيرة كتير بدنا وقود لمحطة الكهرباء عشان بس نقدر نشغل مروحة في هالحر الشديد والرطوبة العالية، ونقدر نقعد في دورنا، لأنه ببساطة بسبب القصف مش قادرين نطفش من الدار ونطلع برا، وإذا هالطلب كبير عليك إنسى الموضوع وبنزّل السقف شوية، تعال اعملك زيارة لمستشفى الشفاء شوف هالاولاد الصغار المقطعين والمحروقين وما تغلب حالك، والله ما انت جايب حاجة في إيدك لا شوكولاته ولا غيرو، أصلا هدول «مش بشر» لا بعرفو شكولاته جالاكسي ولا جواهر ولا غيرها بس إذا أنت مصمم ولا بدّ، هاتلك في إيدك بكيت بسكوت بفله رخيص تبع شومر، هادا اللي بشيكل بتضحك عليهم فيه».

أما رائد الذي يقيم في شقة مطلة مباشرة على شاطئ غزة فقال في تغريدة له: «الليلة الماضية عشت رعباً حقيقياً على أطفالي، عند محاولة تقدم الزوارق «الإسرائيلية» من البحر عبر ميناء غزة على مقربة من بيتي، وصدها رجال المقاومة المتأهبين».

وشن مجدي هجوماً لاذعاً على العرب بقوله: «أيها الزعماء العرب.. لا أسعد الله صباحكم.. لقد جاءني رسول في المنام أبلغني.. بأن دمكم فاسد.. وإيمانكم كاذب.. وعروبتكم كاذبة..وسنصلي صلاة الجنازه في غزه على عروبتكم أبناء القحبة».  

أما حسن فقال: «قلبي يؤلمني فقد بكيت اليوم مرتين، في الأولى عندما رأيت أباً يجمع بقايا لحم ابنه الصغير الذي قتلته قذيفة إسرائيلية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ومرة أخرى في مستشفى كمال عدوان عندما رأيت طفلاً صغيراً يبكي أخوته الثلاثة الذين قتلتهم قذيفة إسرائيلية في أبراج الندى (عائلة أبو مسلم).

هل الدم والقتل سيحمي المجرمين؟» 

وآخر هاجم المتواطئين على غزة بقوله: «والله لست أفهم كيف لاتستحي وتخجل الدول العربية والإسلامية من نفسها، بحيث سمحت لإسرائيل أن تملي إرادتها عليهم جميعاً، بل وأكثر من ذلك، جعلتهم يخافون من إلقاء كلمة استنكار لما يحدث، بل هناك من الدول من باركت في الخفاء هذه الحرب ضد غزة، وفي الوقت نفسه غزة تدافع عن نفسها، ولمن لا يعرف غزة، فهي قطعة أرض صغيرة، أصغر من أصغر شارع في القاهرة، وتعداد سكانها لا يتجاوز المليون وثمانمائة ألف في أعلى تكدس سكاني في العالم على مساحة من الأرض، محاصرة لمدة سبع سنوات من اليهود والعرب، ورغم ذلك قارعت الاحتلال في حربين، بحيث لم يخل منزل من مصاب أو شهيد. لا توجد كهرباء. ماء البحر هو المياه الجوفية. لاسفر ولا معبر».