الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كي الوعي بالجهل 2... مساهمة الجبن في استشراء العنف / بقلم: نور عودة

2015-06-02 01:02:56 PM
كي الوعي بالجهل 2... مساهمة الجبن في استشراء العنف / بقلم: نور عودة
صورة ارشيفية
 
رجل ملتحي ويلبس عباءةً يعتلي منبراً من منابر المسجد الأقصى المبارك ليعطي دروساً في الدين ومبادئه... في هذه الحلقة، يطلق الرجل العنان لما يجول في خاطره عن وجوب إقامة الخلافة الثانية وكيفية العمل على تطبيق ذلك.
 
الرجل، ويدعى عصام عميرة،يقول في وصف الخيارات لدعوة غير المسلمين: "إسلام، جزية، فاستعن بالله وقاتلهم ... بدون ما يقاتلوك... قاتلهم!" ثم يضيف للتأكيد والتوضيح: "متى؟ عندما يقاتلونك؟ لا! عندما يرفضون دخول الإسلام ويرفضون دفع الجزية! عندها، لا معنى لبقائهم متنعمين في هذه الحياة الدنيا يأكلون من مال الله ويكفرون به. لا! غصبن عنهم بدنا نخضعهم لسلطان الله!" ما ورد هو اقتباس دون تحريف أو تغيير و"الدرس" إن صح تسميته بذلك مصور ومنشورعلى الانترنت بتاريخ 8 أيار 2015.
 
هذه الدعوة للعنف والقتال والكراهية تنبعث من داخل الحرم القدسي الشريف الذي يقف شاهداً على أصالة التآخي بين الأديان في فلسطين ورغم ذلك يحرض بلا تردد أو خجل على الفلسطيني غير المسلم والفلسطيني غير المُسَلِم بتعريف الرجل هذا للإسلام.... وبينما تُزرع هذه الأفكار في عقول المئات أو ربما الآلاف من الشباب الفلسطينيين، تستمر إسرائيل في استباحة القدس والمقدسات المسيحية والإسلامية ونهب الأرض ومصادرة المنازل والأحلام وهي في حالة اطمئنان شديدة، حيث أن الفلسطينيين منشغلون في خلق الكراهية فيما بينهم وزرع الفرقة حيث نمت يوماً الألفة وحصد الكراهية ببتر براعم المحبة...
 
ولمن يتساءل إذا كانت هذه الخطبة حالةً فردية، يأتي الجواب من الواقع الأليم والذي يكتظ بالأمثلة اليومية للفكر الظلامي الذي ينتشر دون رادع، لا بل بسبب حالة من الجبن والهوان تسمح لهذا التحريض بكي عقول أبناء شعبنا بالجهل والحقد والضغينة بينما يغيب الوعي والمنطق. قبل أسبوع من درس الكراهية آنف الذكر في الأقصى، هاجمت عصابة من الزعران مطرانية الأحباش المجاورة للحرم وكسرت الصليب على بوابة المطرانية ثم اعتدت على بيوت الفلسطينيين المسيحيين في حارة النصارى كما تسمى.
 
ولمن نسي أو تناسى، تشكل حارة النصارى في القدس والحي الأرمني خط الدفاع الأول في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني والذي يهدف إلى محي بصمة الفلسطيني عن أرضه وقلب هويته؛ القدس. ولمن نسي أو تناسى، نذكر أن إسرائيل لطالما حاولت اللعب على الوتر الطائفي وادعاء حمايتها للفلسطينيين المسيحيين وفي كل مرة يُفشل الفلسطيني المسيحي هذه الادعاءات بوطنيته ووعيه وانتمائه لأرضه وثقافته وتاريخه العريق في حركة التحرر الوطني الذي شكل فيها عماداً أساسياً وصوتاً فاعلاً حمل هم فلسطين وصليبها للعالم كله وكان له الدور الأبرز في جعل مناصرة فلسطين ركناً أساسياً من هوية الأحرار في العالم.
 
مضى على هذه الأحداث والأقاويل قرابة الشهر ولم نسمع ولو تعليقاً خجولاً من أعلى السلطات الدينية الإسلامية في الوطن وهي المنوط بها الدفاع عن الهوية الحقيقة للإسلام – دين السلام والمحبة - وحماية المجتمع من انتشار مفاهيم الظلام والظلم التي تتلحف بعباءة الإيمان لتنشر العنف والتطرف والتخلف في المجتمع. فشلت المؤسسة الدينية الإسلامية في التصدي لهذه الأفعال والأقوال المشينة، مرسخة نهجاً طويلاً من الفشل في هذا المجال والتخاذل عن التطور والانفتاح في مجالات أخرى. ويتراكم الفشل في الصمت المريب الذي تتحلى به الدوائر السياسية والثقافية حيال أعمال العربدة الفكرية والفعلية تلك والتي تؤسس لحالة استسلام فكري نابع – كما يبدو – عن فلس فكري في هذه الدوائر، بحيث تلجئ الأحزاب والحركات السياسية لمحاباة أمراء الظلام وأفكارهم بدل مواجهتهم وحماية الإرث الثقافي والحضاري الفلسطيني.
 
فضاؤنا مكتظ بالخطب العصماء التي تبث السموم تحت راية الدين كل يوم جمعة وتنتهج التحريض باعتباره تعاليم مقدسة وتسلط الضوء على مفاهيم عنيفة باعتبارها الطريق إلى "حفظ الدين والأخلاق" وكأنهما في حالة انقراض. وتركز حلقات التحريض هذه على كل شيء متصل بالمظاهر وتتجاهل بإصرار المشاكل الرئيسية التي تواجه مجتمعنا وقضيتنا.على سبيل المثال لا الحصر، في أحد أحياء مدينة رام الله وغير بعيد عن مقر مجلس الوزراء، تصدح المكبرات كل يوم جمعة بصوت الخطيب الذي لا يمل من التحريض على كل شيء: الحرية والصحافة والإعلام والبنوك والحكام وغيرهم. وقد قال الشيخ الغضبان هذا فيما قال عن المفاهيم "المريضة والعياذ بالله" أن النساء غير المحجبات شياطين في لباسهن وأخلاقهن وينتمون إلى عائلات "فرطتبعرضها" حسب قوله! يذكر أن الخطبة تلك كانت حول أخلاق الإسلام الحميدة وضرورة وقف التحريض!
 
وبين الخطب المسمومة هذه ونمو ظاهرة التطرف والتعصب والجهل، يتسرب الوعي الجمعي في مجتمعنا وتتفكك الهوية الوطنية والاجتماعية شيئاً فشيئاً بينما تصر النخب الثقافية والسياسية على تجنب المواجهة وذلك بالتمسك بحالة سوريالية باتت شبه مرضية من الإنكار لواقع الحال. في الأثناء، تفشل السلطات الدينية في محاربة الجهل ومواجهة الفكر الظلامي، لا بل تساهم في تغوله في مجتمعنا دون أن تكون مساءلة حول ما إذا كان تقاعسها هذا نابعاً عن رضى ضمني واتساق مع الفكر الظلامي أم عن جبن ومواربة. في الحالتين، النتيجة هو استبدال الهوية الوطنية الفلسطينية التي لطالما تباهينا بتنوعها الفكري والديني بهوية قاتمة وجامحة في عنفها ورفضها لكل آخر لا يستقيم مع تعريفها القاصر للأنا الفلسطينية. ويستمر كي الوعي بالجهل وإعادة صياغة تعريفنا لأنفسنا على أيدي من رفضوا فلسطين كما نعرفها ورفضوا الفلسطيني كما عرفه وأحبه العالم بينما تختبئ النخب السياسية والثقافية وراء أكوام من الأعذار الواهية هي في الحقيقة إعلان لانهزام فعلي لا تنتقص منه حالة الإنكار المستفحلة...