الحدث- حامد جاد
لاقت التصريحات الأخيرة لوزير الأشغال العامة والإسكان د. مفيد الحساينة التي تحدث فيها عن الآلية الجديدة لدخول مواد البناء، انتقادات واسعة في أوساط المهتمين والمتابعين لمجريات عملية إعادة الإعمار وإدخال مواد البناء، ففي الوقت الذي شكك فيه البعض بجدية هذه الآلية كونها تفتقر لما يضمن التزام إسرائيل بها ولم تحظ بتعهد إسرائيلي بالاستجابة لكل رخصة بناء تصدر عن البلديات، وصف آخرون هذه الآلية بالمضللة للمواطنيين انطلاقاً من أنها لم تلغ الآلية السابقة ولم تأت، حسب رأيهم، بما هو جديد على صعيد سلسلة الإجراءات المعلنة بشأن الحصول على مواد البناء.
وبينما أقر الحساينة في سياق مقابلة أجرتها الحدث معه بعدم إمكانية القضاء على ظاهرة بيع الإسمنت في السوق السوداء رغم التحذيرات والإجراءات العقابية التي سيتم اتخاذها بحق كل من يثبت تورطه بهذه التجارة غير المشروعة، وأكد في ذات الوقت عدم وجود علاقة لحكومة التوافق بالإسمنت الوارد إلى غزة عبر معبر رفح اعتبر مختصون أن استمرار إدخال آلاف الأطنان من الإسمنت المصري إلى غزة عبر معبر رفح خلال الفترة الماضية سيجعل من العبث مراقبة عملية استخدام الإسمنت الوارد من الجانب الإسرائيلي من قبل مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS سيما وأنه من المتوقع أن تستمر هذه العملية وتزداد كميات الإسمنت المصري الواردة عبر معبر رفح.
سوق الإسمنت
وفي لقاءات منفصلة أجرتها "الحدث" مع الحساينة وأطراف أخرى ذات علاقة مباشرة بكل التفاصيل التي مرت بها عملية إعادة الإعمار وإدخال مواد البناء خلال الفترة الماضية والمستجدات الأخيرة التي طرأت على مجريات دخول مواد البناء سواء عبر معبر كرم أبو سالم أو معبر كان لـ "الحدث" هذا اللقاء مع مفيد الحساينة.
س: ماذا بشأن كميات الإسمنت التي تدخل عبر معبر رفح ودور الجهات الرقابية؟
لا يوجد علاقة لحكومة التوافق بالإسمنت ومواد البناء التي تدخل قطاع غزة من الجانب المصري عبر معبر رفح، فليس هناك أي شكل من أشكال التواصل بين الحكومة والمسؤولين المصريين، ولكن وزارة الأشغال تتواصل على المستوى المحلي مع الوزارات ذات العلاقة كوزارة الاقتصاد التي تقوم بحجز هذه الكميات في مخازن محددة وتعمل على مراقبة ومتابعة توزيعها على المستهدفين من أصحاب المساكن المتضررة وذلك وفق آلية التوزيع المعتمدة لدى الوزارة ذاتها، "كوبونات".
س: بماذا تفسر استمرارية تسويق الإسمنت بأسعار السوق السوداء رغم دخول كميات كبيرة من الإسمنت المصري عبر معبر رفح؟
وزارة الاقتصاد حددت سعر طن الإسمنت بـ 800 شيكل ولكن هناك تجاوزات، وسنجد دوماً سوقاً سوداء لأي سلعة، وذلك رغم ما أعلن من تحذيرات وإجراءات سيتم اتخاذها بحق كل من يثبت تورطه ببيع الإسمنت في السوق السوداء بأكثر من المبلغ المذكور، وبتقديري أن متابعة هذا القضية من قبل وزارتي الأشغال والاقتصاد ستخفض من نسبة المتاجرة في السوق السوداء ولكنها لن تمنع قيام طرف هنا أو هناك يبيع الإسمنت بأسعار مرتفعة في ظل تعطش السوق لهذه السلعة.
س: هل يعني توقف الوزارة عن توزيع الكوبونات على المتضررين جزئياً انتهاء مرحلة التعامل مع الهدم الجزئي وأنكم ستبدأون بمرحلة تزويد الإسمنت للمدمرة بيوتهم كلياً؟
عملية توزيع مواد البناء لأصحاب البيوت التي دمرت بشكل جزئي لم تنته بعد، فحتى الآن تم الانتهاء من صرف مساعدات مالية لنحو 90 ألف بيت تضرر جزئياً وهناك نحو 35 ألف بيت ما زالت تحتاج إلى مبالغ بسيطة تتراوح قيمتها من 500 – 1000 دولار لكل صاحب بيت، وهناك تنسيق مع وكالة الغوث وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP كي يتم صرف هذه المبالغ للمتضررين فور وصول الأموال.
الإسمنت المكدس
س: ما هو دوركم في معالجة قضية الإسمنت المكدس في مخازن التجار المعتمدين؟
هذه معضلة نواجهها حالياً، وتحدثنا مع وزارة الشؤون المدنية بشأنها ولدينا قائمة بأسماء من يستحقون هذه الكميات ونتمنى أن يقوم الجانب الإسرائيلي بإرسال الموافقات، فهناك كميات كبيرة من الإسمنت ولم تصدر كوبونات لصرفها وتوصلنا مؤخراً إلى آلية نتجاوز عبرها طريقة صرف الكوبونات عبر الضغط على الجانب الإسرائيلي ومطالبته بالاستجابة لكشوفات أسماء المتضررين، حيث تم إرسال هذه الكشوفات إلى التجار والمقاولين المعتمدين كي يحصل المواطن منهم على مواد البناء مباشرة دون التعامل مع الكوبونات كما كان في السابق فلم يعد مقبولاً أن يأتي الرجل والمرأة والشاب إلى الوزارة كي يأخذوا هذه الكوبونة ومن ثم يتوجهوا للتاجر المعتمد في منطقة سكناه، لذا تم التوافق مع إدارة برنامج unops على استبدال هذه الآلية بألية أكثر فاعلية مقارنة مع ما كان عليه الأمر في السابق حيث أصبح من حق المواطن الآن في ضوء الإشارات الإيجابية من الجانب الإسرائيلي أن يذهب إلى أي مستودع ليحصل على مواد البناء.
كما تمت مخاطبة unops والأخوة في الشؤون المدنية كي يتواصلوا مع الجانب الإسرائيلي ويزودوه بكشوفات الأسماء، ولكن لن نصدق الجانب الإسرائيلي إلى إذا دخلت مواد البناء ونتمنى أن تدخل وتحل هذه المشكلة.
التزامات الدول المانحة
وأضاف، نحن كحكومة وفاق توصلنا عقب الحرب الأخيرة إلى تفاهم يلزم الجانب الإسرائيلي يإعادة فتح المعابر و لكن الأخير لم يلتزم بذلك، ولم يتم فتح المعابر أمام دخول الكميات اللازمة من مواد البناء، لذا فإن هذه القضية يجب أن ترجع إلى المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، ونحن كحكومة قمنا بكل ما علينا مع الأطراف المعنية بإدخال مواد البناء حتى مواد البناء الخاصة بمشاريع اللجنة القطرية تم حلها وحققنا إنجازات متقدمة، أما بالنسبة للدول المانحة فدولة الكويت الشقيقة تبرعت ببناء 1500 وحدة سكنية وتعهدت بدفع 200 مليون دولار كمنحة منها 75 مليون للاسكان و60 مليون للبنية التحتية و20 مليون لما تم تدميره من المنشآت الاقتصادية، وحتى الآن لم تصل الأموال، ولكن هناك توافق مع دولة الكويت وليس لديهم مانع في أن تنجز هذه التعهدات، وقطر التزمت ببناء 1000 وحدة ونحن أنجزنا الكثير في هذه القضايا حيث بدأت اللجنة القطرية في البنية التحتية ودخلت مواد البناء لمشاريع الطرق والإسكان.
س: كيف تقيم عملية إعادة الإعمار في ذكرى مرور عام على الحرب؟
بعد عام نحن كحكومة وفاق ووزارة أشغال وإسكان رغم الحصار والمعاناة عملنا الكثير، فعندما نتحدث عن 90 ألف بيت تم إصلاحها وعندما نتحدث عن 128 ألف طن إسمنت تم إدخالها إلى غزة رغم الحصار وعندما تتمكن الشؤون المدنية من الضغط على إسرائيل لتزويد مشروع اللجنة القطرية المتعلق ببناء ألف وحدة سكنية وغيرها من المشاريع التي حصلت على موافقة إسرائيلية لتزويدها بمواد البناء، فهذا يعد من إنجازات الحكومة، والآن تعمل الحكومة جاهدة كي يتمتع كل مواطن في غزة ويكون من حقه الحصول على التراخيص اللازمة لبناء أو تعمير بيته، وذلك من خلال قيام الجهات المسؤولة في السلطة بمخاطبة الجانب الإسرائيلي كي يتم إدخال مواد البناء خلال 48 ساعة من إنجاز هذه المعاملات ضمن الآلية الجديدة التي تم التوصل إليها لإدخال مواد البناء بين الجانب الإسرائيلي والأطراف الثلاثة ممثلة بوزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة الشؤون المدنية، ومؤسسة UNOPS، حيث تستهدف هذه الآلية أصحاب المنازل المهدمة كلياً والبناء الجديد، وإضافة طوابق جديدة.
س: ما هي الإجراءات التي تمر بها هذه الآلية الجديدة؟
هذه الآلية تتضمن عدة خطوات تبدأ بتقدم المواطن للبلديات للحصول على التراخيص اللازمة للبناء، ومن ثم تقوم البلديات بإرسال الكشوف المعتمدة لوزارة الأشغال العامة والإسكان التي تقوم بدورها بالتنسيق مع وزارة الشؤون المدنية من أجل الحصول على الموافقات الإسرائيلية اللازمة لإدخال مواد البناء وفقاً للأسعار التي تعلن عنها وزارة الاقتصاد الوطني وتكفل عدم بيع هذه المواد في الأسواق، وإلزام المستفيدين بالتوقيع على تعهد بذلك، وكل من يثبت مخالفته سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
انتقادات موجهة للآلية الجديدة
من جهته وجه المهندس الاستشاري علي أبو شهلا جملة من الانتقادات للآلية التي أعلنها الحساينة منوهاً إلى أن هذه الآلية لم تأخذ في الاعتبار الموافقة الإسرائيلية قبل الحصول على رخصة البناء موافقة إسرائيل على إدخال مواد البناء للمواطن، حيث أن الحصول على رخصة بناء من البلدية المختصة لا يعتبر موافقة على إعادة البناء ولا على الحصول على مواد البناء, كما أن هذه الآلية لم تتطرق إلى عملية إعادة البناء وطريقة تعويض المواطنين الذين دمرت بيوتهم وهل سيقوم طرف آخر (مقاول) ببناء تلك البيوت, أم ستترك الحرية للمواطن لاختيار المقاول الذي سيقوم بالبناء.
وأضاف، آلية الموافقة على إعادة بناء أي مبنى تم تدميره يحتاج حالياً إلى رفع ملف المبنى عبر وزارة الشؤون المدنية ثم إلى اللجنة المختصة التي تم الاتفاق عليها بين رئيس الوزراء والإدارة المدنية في تشرين الثاني من العام الماضي بحيث يتم عرض أي طلب على هذه اللجنة التي تتكون من مندوبين من (رئاسة الوزراء، وزارة الشؤون المدنية، الإدارة المدنية ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع), وهذه اللجنة تقوم بدراسة الطلبات الخاصة بإعادة البناء للمباني المدمرة أو إقامة مباني جديدة بحيث تكون شاملة لكافة البيانات المطلوبة.
وتساءل أبو شهلا حول إن كانت الآلية الجديدة التي أعلنها الحساينة تلغي الآلية المعمول بها للحصول على الموافقة الإسرائيلية على البناء بداية من استلام الطلبات المكتملة لكافة المعلومات المطلوبة من حيث اسم المستفيد واسم المقاول وإحداثيات موقع البناء وإحداثيات شركة المقاولات ومدير المشروع... الخ، ومن ثم إدراجها وتحميلها في الموقع الإلكتروني الخاص بتلك للدراسة ومن ثم إخضاع الملف للبحث وبعد ذلك يعطي المشروع أو المبنى في حال الموافقة على استكمال الملف موافقة مبدئية ثم يقوم المواطن بإبلاغ مكتب UNOPS بأنه جاهز للتنفيذ وشراء المواد ليقوم بدوره مندوب المكتب بزيارة الموقع والاطلاع على التجهيزات الخاصة بعملية المراقبة لإعادة البناء، ويعطي موافقة لإعادة البناء وعند البدء الفعلي بإعادة البناء تبدأ عملية مراقبة استهلاك مواد البناء ضمن برنامج الكتروني خاص.
وقال أبو شهلا: "أرى ضرورة توضيح الأمور للمواطن العادي قبل أن يتكبد أي مبلغ من المال هو في أمس الحاجة، وأقترح لتحقيق الجدية في إعادة الإعمار العمل على تشكيل هيئة مستقلة من المهندسين والفنيين المختصين لإعادة إعمار غزة وإعادة النظر في البرنامج الخاص المسمى GRM لإعادة الإعمار (إما تطويره أو إلغاؤه) لأنه لم يساهم في إعادة إعمار المشاريع الخاصة التي يتم إعادة إعمارها على حساب أصحابها إلى حين أن يتم تعويضهم عن ذلك".
واعتبر أبو شهلا أن إدخال آلاف الأطنان من الإسمنت المصري إلى غزة عبر معبر رفح خلال الفترة الماضية سيجعل من العبث مراقبة عملية استخدام الإسمنت الوارد من الجانب الإسرائيلي من قبل مكتب الأمم المتحدة سيما وأنه من المتوقع أن تستمر هذه العملية وتزداد كميات الإسمنت المصري الواردة عبر معبر رفح.
اقتراحات لسد ثغرات آلية إعادة الإعمار الجديدة
واقترح أبو شهلا على المسؤولين أن يتم الحصول على الموافقة الخاصة بإعادة البناء من قبل اللجنة المختصة وذلك قبل تجهيز المخططات النهائية وقبل الحصول على ترخيص من البلديات، لأن المواطن الذي تم تدمير بيته في أمس الحاجة إلى المال, وهنا اقترح أيضاً أن تقوم السلطة بصرف مبلغ مقطوع لكل صاحب بيت تم تدميره بدل مخططات ورسوم بلدية بعد ضمان الموافقة لإدخال مواد البناء.
وقال: "إن عملية إعادة إعمار ما تم تدميره خلال الحرب على غزة يحتاج إلى الكثير من العمل الحقيقي بعيداً عن الروتين الذي تمر به هذه العملية, حيث بالفعل تم إصلاح عشرات الآلاف من المباني التي تضررت بشكل بسيط حيث صرفت لأصحابها كميات بسيطة من الإسمنت (صرف لبعض المواطنين كيس إسمنت واحد فقط حيث تم الكشف والتأكد من قبل مكتب الأمم المتحدة UNOPS ورفعت تقارير توضح إن كان هذا الكيس قد استعمل لأعمال الصيانة أو تم بيعه في السوق السوداء أو استعمل لغرض آخر).
إلا أن هناك حوالي 23 ألف منزل دمرت (من بينها 10000 دمرت كليا و13000 دمرت بشكل يمنع استخدامها) وهذه المباني لم يتم إعادة إعمار أي منها حتى الآن بعد مرور حوالي عام كامل على الحرب المذكورة.
آلية لم تأت بجديد
من جهته قلل نائب رئيس اتحاد المقاولين نبيل أبو معيلق من جدوى وأهمية ما أعلن مؤخراً بشأن ألآلية الجديدة لإدخال مواد البناء معتبراً أن ما تم الحديث عنه بشأن الآلية المذكورة لم يأت بجديد حيث أن مجمل الخطوات التي تمر بها هذه الآلية تندرج ضمن ما يعرف ببرنامج GRM وأن الخلاف كان ينحصر في كمية الإسمنت التي يسمح الجانب الإسرائيلي بإدخالها لكل متر مربع من البناء المطلوب تنفيذه.
وقال أبو معيلق: "لم تكن الكمية التي سمح بها الجانب الإسرائيلي كافية حيث أن وزارة الأشغال كانت تطلب نصف طن إسمنت لكل متر مربع لإعادة بناء البيوت المدمرة، وذلك بعد أن يحصل أصحابها على ترخيص البناء من البلديات ومن ثم وزارتي الأشغال والشؤون المدنية وبعد ذلك يصار إلى اتخاذ الإجراءات المتعلقة بالموافقة على تزويدهم بمواد البناء".
وأضاف: "ليس هناك ضمانات لالتزام الإسرائيليين بتنفيذ هذه الآلية لذا فإن الإعلان عن وجود آلية جديدة جعل المتضررين والمواطنيين العاديين الراغبين في بناء وحدات سكنية أو عمارات يشعرون أن هناك انفراجاً في قضية دخول مواد البناء، وهذا الأمر بحد ذاته غير دقيق، فهناك مشكلتان، الأولى تتعلق بالإجراءات التي سيسلكها أصحاب المنازل المرخصة ومن لديهم أوراق ثبوتية بملكية الأرض، وهناك من لديهم مشكلة في توفير أوراق الطابو والملكية الفردية لكل متضرر مثل من كانوا يقيمون في عمارة سكنية مؤلفة من عدة شقق أو الذين كانت منازلهم مقامة على أرض غير مسجلة لدى الطابو، وفي مختلف الأحوال عملية إنجاز هذه المعاملات وإصدار الرخص وإتمام الإجراءات تحتاج لفترة زمنية طويلة، الأمر الذي يتنافى مع مقتضيات وتطلعات المواطنيين تجاه الإسراع في عملية الإعمار كمطلب رئيسي يجمع عليه الكافة.