الجمعة  02 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سوق النخاسة الرقمية بين الترفيه والانحلال/ بقلم: د. وسام أبو رميلة

2025-05-01 09:09:41 PM
سوق النخاسة الرقمية بين الترفيه والانحلال/ بقلم: د. وسام أبو رميلة
د. وسام أبو رميلة

عندما نتأمل مصطلح "سوق النخاسة"، تتداعى إلى أذهاننا صور من الماضي، حيث كانت تجارة البشر تتم علنًا، ويُباع الرجال والنساء كسلع لتلبية مختلف الاحتياجات. لم تكن هناك وسائل توثيق حديثة، وكان هذا المشهد المروع يحدث أمام أعين الحاضرين فقط. كانت النساء يُعرضن في تلك الأسواق للمزايدة على أجسادهن، ويُكشف عنهن بقدر من العري لتمكين المشترين من الفحص قبل الشراء. ومع ظهور الإسلام، تغيرت الأمور جذريًا، وأنهى الدين الحنيف مظاهر الجاهلية، بما في ذلك تجارة البشر، ووأد البنات، والزنا، واختلاط الأنساب. اليوم، نستنكر تلك الممارسات، ولكن للأسف، ما زلنا نشهد بعضًا منها، وإن كان بأسلوب مختلف. لقد غزت منصات التواصل الاجتماعي بيوتنا، معلنةً حربًا على كرامتنا. في هذا العصر، لم تعد أسواق النخاسة محصورة بأسوار، بل أصبحت رقمية ومتاحة للجميع. في هذا السوق الحديث، تُعرض النساء علنًا، ويُطلب منهن فعل أي شيء مقابل المال. تعلن بعض المنصات الإلكترونية: "نحن هنا"، مبررةً ما يُفعل بأنه ليس حرامًا طالما أن هناك مكاسب مالية. نعم، عزيزي القارئ، لقد أصبحت أسواق النخاسة إلكترونية، ومتاحة بسهولة لدرجة أننا نغفل عن مدى انتشارها بين أيدينا وأيدي أبنائنا.

المحتوى غير اللائق والتحديات الخطرة

أصبحت الصور ومقاطع الفيديو القصيرة جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية. نرى نساء يرقصن، وأخريات يتلاعبن بشفاههن، ورجالًا يرقصون ويتشبهون بالنساء، إضافة إلى سيل من النصائح والفتاوى التي لا أساس لها. أما التحديات، فحدث ولا حرج! مع مرور الوقت، تزداد هذه التحديات تطرفًا، حيث نرى أشخاصًا يسكبون الشطة على رؤوسهم، أو يكسرون البيض على رؤوسهم، أو يرقصون بشكل مبتذل. بل قد نسمع أحدهم يقول: "قبلت التحدي!"، لتبدأ النخاسة الإلكترونية المعاصرة بخلع الملابس والرقص على البث المباشر! وكل ذلك في سبيل جذب أكبر عدد من المشاهدين والحصول على الهدايا الرمزية التي تتحول إلى أموال طائلة، والتي إن حاولنا إيجاد مسمىً لها، فلن نجد ما يصفها بدقة أكثر من "القمار المعاصرة. بعض هذه التحديات تحمل إيحاءات جنسية صريحة، ويشاهدها الأبناء في غفلة من الآباء والأمهات.

هذا المقال ليس هجومًا على هذه التطبيقات، بل دعوة لمستخدميها للاستيقاظ. فالتطبيقات ليست سوى أدوات يمكن استخدامها للخير أو للشر. الإنسان هو من يحدد محتواه وهدفه!

وفقًا لتقرير شركة "أيبوك" لعام 2022، بلغت نسبة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين 65.7%. وتشير إحصائيات "ستاتستا" لعام 2024 إلى أن عدد مستخدمي تيك توك تجاوز 1.2 مليار مستخدم عالميًا، مما يجعله من أكبر منصات التواصل الاجتماعي. تحتل السعودية المرتبة الأولى في المنطقة العربية بـ 35.1 مليون مستخدم، تليها مصر بـ 32.9 مليون مستخدم، والعراق بـ 31.9 مليون مستخدم. كما تشير البيانات إلى أن دولًا مثل الإمارات والسعودية شهدت نسبة استخدام عالية جدًا. وأفادت صحيفة "البيان" في مايو 2024 بأن تيك توك حقق نموًا كبيرًا في العالم، وتتصدر السعودية الدول العربية من حيث نسبة المستخدمين.

من المسؤول؟

من المسؤول عما يحدث؟ هل هي الأسرة أم المجتمع؟ أم السياسات في وزارات الاتصال والتكنولوجيا؟ أؤكد لك، عزيزي القارئ، أن المسؤولية تبدأ منك، ومن الوعي الذاتي، وتكبر لتشمل الأسرة، والمجتمع، والمؤسسات، والمدارس.

يجب على الأسرة أن تقوم بدور التربية والرقابة وتعزيز القيم، وعلى المؤسسات التوعية والمتابعة، وعلى الوزارات المتابعة والمساءلة وتفعيل الرقابة على المحتوى، وتفعيل الشراكات مع الجهات المهتمة بتطوير محتوى هادف. وعلى المدارس التركيز على برامج إرشادية وتوعوية لفهم الأضرار وكيفية الاستخدام الفعال. بينما يفترض أن تكون الأسرة هي الحارس الأول للأبناء، قد نجد الآباء والأمهات منغمسين في التسلية عبر نفس التطبيقات، مختارين مسايرة التيار بدلًا من مواجهته. وبهذا، تكون هذه التطبيقات قد كسرت كل حدود الخصوصية، وأصبح الانحدار الأخلاقي أمرًا عاديًا.

هل نتجه نحو جيل جديد من النخاسة؟

هل نحن بصدد تربية جيل يفتقد الطموح والمسؤولية؟ أين القدوة الحقيقية؟ أين الأبطال الذين يلهمون أمتنا؟ لقد سجل التاريخ أسماء عظيمة مثل ابن الهيثم، وخالد بن الوليد، وأسامة بن زيد، وصلاح الدين الأيوبي. فأين نحن اليوم من هذه الإنجازات؟ وأين دورنا في صناعة مستقبل مشرق؟

محتوى مفيد وإيجابي

جدير بالذكر أن هذه التطبيقات ليست كلها سلبية. هناك مستخدمون يقدمون محتوى مفيدًا، مثل تعليم المهارات، والتوعية الصحية، وحملات التغيير الاجتماعي. يجب أن توجد مبادرات لتحسين المحتوى وتعزيز الخصوصية.

ختامًا

لا يجب أن ننزلق في عصرنا إلى هاوية الانحدار الأخلاقي. بل يجب أن نغرس في قلوبنا قيم العزة والكرامة، وننقلها إلى الأجيال القادمة. يجب أن نكون واعين لهذه التحديات، وأن نواجهها بحكمة. فلنعمل معًا لبناء مستقبل مشرق، حيث يكون كل فرد حاميًا للقيم الإنسانية والأخلاقية.