ما هي أبرز الدول التي زودت الاحتلال بالسلاح؟
قضاء "الدول الديمقراطية" في خدمة الإبادة
الدبلوماسية الفلسطينية ضعيفة ومشتتة
خاص الحدث
تكشف الصور ومقاطع الفيديو التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي للحظات الأولى لمجزرة عائلتي اللمداني والجبري في مخيم خانيونس جنوب قطاع غزة في 17 أكتوبر 2023، أن القنابل التي استخدمها جيش الاحتلال كانت من نوع MK 84 2,000 pound، وأدت في حينها إلى استشهاد 40 فلسطينيا. فيما يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن تحقيقاته أثبتت استخدام الاحتلال لثلاث قنابل من النوع المذكور في "مجزرة المواصي" التي وقعت بخانيونس في 10 سبتمبر وأدت لاستشهاد 40 فلسطينيا من النازحين.
وبحسب موقع GLOBAL SECURITY الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، فإن قنبلة MK 84 2,000 pound تستخدم في عمليات القصف حين يكون هناك رغبة في تحقيق أقصى قدر من الانفجار والتأثير في البيئة المحيطة، وتصنّع من قبل شركة General Dynamics الأمريكية، التي تزود بها سلاحي البحرية والجو الأمريكيين، وفق ما هو منشور على الموقع الرسمي للشركة في فبراير 2023.
قنابل MK 84 في خدمة حرب الإبادة
ويكشف تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) في 3 أكتوبر، سارعت الولايات المتحدة إلى تكثيف المساعدات العسكرية الطارئة للاحتلال بعد 7 أكتوبر 2023، وبحلول 10 أكتوبر، نقلت الولايات 1000 قنبلة موجهة من طراز GBU-39 للطائرات، وهو تسليم سريع بموجب عقد تم توقيعه مسبقًا، وتزن القنبلة الواحدة من هذا النوع 250 رطلا وتعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي لتحديد الهدف، ويسمح حجمها الصغير بزيادة حمولة الطائرات لتحقيق عمليات قتل متعددة في كل طلعة، ويصل سعر الواحدة منها 40 ألف دولار، وفق موقع القوات الجوية الأمريكية.
ويشير التقرير إلى أن واشنطن أرسلت مساعدات عسكرية طارئة إضافية، من بينها: قنابل صغيرة القطر، ومجموعات توجيه ذخيرة الهجوم المباشر المشترك JDAM الذي يعمل على تحويل القنابل غير الموجهة التي تسقط بحرية إلى ذخيرة "ذكية"، بما يشمل قنابل MK 84 2,000 pound، بحسب ما هو منشور على موقع القوات الجوية الأمريكية.
ويوضح الباحث زين حسين من معهد سيبري في مقابلة مع "صحيفة الحدث" أنه في السنوات الخمس الماضية (2019-2023)، زودت الولايات المتحدة، جيش الاحتلال، ما نسبته 69% من أسلحته الرئيسية، بينها: 68% طائرات، 18% مركبات مدرعة، 12% صواريخ و1.9% سفن، بينما تكشف دراسة ضمن مشروع "تكاليف الحرب" البحثي أجراها معهد واتسون للشؤون العامة والدولية من جامعة براون ونشرت في 7 أكتوبر أن الإدارة الأمريكية أنفقت ما لا يقل عن 22.76 مليار دولار على المساعدات العسكرية للاحتلال في الفترة من 7 أكتوبر 2023 إلى 30 سبتمبر من هذا العام، وتم إنفاق حوالي 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية المباشرة و4.86 مليار دولار على العمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين والمجموعات العراقية ونشر حاملات الطائرات وبطاريات الدفاع الجوي في المنطقة.
ووفقًا للتقديرات الرسمية لبنك "إسرائيل"، تقدر التكلفة الإجمالية للحرب حتى نهاية سبتمبر الماضي بحوالي 250 مليار شيقل (69 مليار دولار)، منها حوالي 118 مليار شيقل (32 مليار دولار) تكلفة عمليات جيش الاحتلال والتي تشمل؛ التكاليف التشغيلية، وتجديد المعدات العسكرية والذخيرة والمعدات العسكرية والدعم اللوجستي، وهذا يعني أن الأميركيين يمولون حوالي 70% من المجهود الحربي للاحتلال في حرب الإبادة.
القنابل الأمريكية تفتك بالمستشفيات والنازحين
استخدم جيش الاحتلال قنابل MK 84 2,000 pound في قصفه لمواقع قريبة من جميع مستشفيات قطاع غزة، وفق ما تشير دراسة في مجلة " بلوس العالمية للصحة العامة" التابعة لجامعة هارفارد بتاريخ 10 أكتوبر الجاري، وقد استندت إلى البيانات الجغرافية المكانية لخرائط مواقع 592 حفرة تسببت بها قنابل من النوع المذكور بين 7 أكتوبر و17 نوفمبر 2023، إذ يظهر أنه من بين 36 مستشفى في مختلف أنحاء القطاع، كان لدى 25% منها حفرة قنبلة واحدة على الأقل ضمن النطاق المميت (360 متر) و83.3% ضمن نطاق الضرر والإصابة بالبنية التحتية (800 متر) لمرافقها.
وتوضح دراسة هارفارد أن أقصر مسافة لحفرة قنبلة من مستشفى كانت 14.7 متر. وكان لدى مستشفيين ما يصل إلى 23 و21 حفرة قنبلة ضمن نطاق 800 متر من مرافقهما وكان لدى مستشفى واحد سبع حفر قنابل ضمن 360 متر، وتم تفجير 38 قنبلة من طراز MK 84 2,000 pound في إطار مسافة 800 متر من المستشفيات في منطقة الإخلاء التي حددها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ونظراً للتأثير المعروف لانفجار هذه القنابل، فإن التأثير الناجم عن تفجيرات القنابل بالقرب من المستشفيات من المرجح أن يؤدي إلى مقتل وإصابة أشخاص في منطقة المستشفى وحولها، بما في ذلك المدنيين وموظفي المستشفى، ومن المرجح أن يؤدي إلى إتلاف البنية التحتية للمستشفى. وتشير نتائج الدراسة إلى وقوع قصف عشوائي في أماكن قريبة بشكل خطير من البنية التحتية للمستشفيات، والتي تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، وفق مديرة الدائرة القانونية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ليما بسطامي.
وتشير بسطامي والناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل في مقابلة مع صحيفة الحدث إلى أن المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في بيت لاهيا شمال غزة، في 29 أكتوبر الماضي، يتحمل مسؤولياتها أيضا الأطراف التي تزوده بالسلاح، فقد وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والدفاع المدني قصف بناية سكنية من 5 طوابق لعائلة نصر في بيت لاهيا تضم نحو 200 مواطنا ونازحا، وتدميرها بالكامل على رؤوسهم بقنبلة أميركية من نوع MK-84 تزن 908 كيلوغرامات ما أدى لاستشهاد 93 منهم.
ويؤكد اللواء ركن المتقاعد، الحائز على شهادة العلوم العسكرية العليا من كلية القيادة والأركان في الباكستان، واصف عريقات، لصحيفة الحدث أن حصر جريمة الإبادة الجماعية بأنواع معينة من الأسلحة مخالف للواقع الجاري في قطاع غزة، لأن السلاح الذي يستخدمه جيش الاحتلال هناك، سواء كان دقيقا أو عشوائيا، هو أداة جريمة لأن النتيجة هي التي تحدد التوصيف، في ضوء أن الضحايا في غالبيتهم من المدنيين، وهو ما تتفق معه بسطامي لكنها توضح أن معيار نوع السلاح مهم بالإضافة لنتيجة الاستخدام، فمثلا استخدام أسلحة ذات قوة تدميرية في مناطق مكتظة يؤشر على نية الإبادة.
ويوضح مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين في مقابلة مع صحيفة الحدث، أن مؤسسته تقدمت بشكوى في إحدى محاكم كاليفورنيا ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن بسبب مشاركتهم في حرب الإبادة، ولكن المحكمة التي أظهر حاكمها تعاطفا مع الفلسطينيين، رفضت الدعوى بذريعة أن السلطة القضائية لا تمتلك صلاحيات مراقبة السلطة التنفيذية، وهو ما يعني عدم إمكانية إنصاف المتضررين لدى القضاء الأمريكي.
ألمانيا.. الشريك الثاني في حرب الإبادة
في مارس/آذار 2024، قدمت نيكاراجوا قضية إلى محكمة العدل الدولية تطلب فيها من المحكمة إصدار أمر إلى ألمانيا بوقف المساعدات العسكرية وصادرات الأسلحة إلى الاحتلال على الفور، وجاء في نص القضية أن هذه الأسلحة تُستخدم أو يمكن استخدامها لارتكاب أو تسهيل انتهاكات خطيرة لاتفاقية الإبادة الجماعية أو القانون الإنساني الدولي أو غير ذلك من القواعد الآمرة للقانون الدولي العام". بينما يكشف الباحث في معهد سيبري، حسين أن ألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة الرئيسية للاحتلال، إذ أنه خلال حرب الإبادة في قطاع غزة استخدم جيش الاحتلال مركبات مدرعة وفرقاطات من الفئة (MEKO A-100 Light Frigates).
وتظهر بيانات وزارة الخارجية الألمانية التي نشرت في 28 أكتوبر أن صادرات الدفاع الألمانية قفزت بشكل كبير منذ بداية أغسطس ووصلت إلى 94 مليون يورو (حوالي 102 مليون دولار)، بينما تشير البيانات إلى أن عام 2023 هو عام الذروة لصادرات الدفاع الألمانية إلى الاحتلال وقد بلغت حوالي 360 مليون يورو، معظمها بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، مقارنة 32 مليون يورو عام 2022 و88 مليون يورو في 2021، فيما تكشف بسطامي عن وجود قضية مرفوعة أمام المحاكم الألمانية ضد الحكومة هناك لوقف تصدير الأسلحة إلى الاحتلال وإلغاء كافة تصاريح التوريد.
ولم تكتف إحدى المحاكم الألمانية في فرانكفورت برفض الدعوى التي قدمت ضد الحكومة الألمانية بسبب مشاركتها في حرب الإبادة رغم أنها دولة عضو في الأمم المتحدة، بل وتضمن ردّها "لغة سياسية عدوانية" منحازة للاحتلال الإسرائيلي، يكشف مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان. مشيرا إلى محاولة أخرى مستقبلية للتوجه للقضاء الألماني ولكن من خلال المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان.
القضاء والدبلوماسية في ظل حرب الإبادة
وترى بسطامي أن التحرك القضائي، حتى وإن فشل إلا أنه يساهم في تعزيز الوعي والتعاطف لدى بعض فئات المجتمع الأمريكي حول حقيقة ما يحدث في غزة خاصة من قبل التحركات الشعبية والطلابية والناخبين، إلا أن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت إبراهيم ربايعة يشكك في قدرة هذه القطاعات في التأثير على الحكومات الرسمية، إذ أن العلاقة بين الاحتلال والولايات المتحدة تعتبر عضوية وتتجاوز حدود التحالف الاستراتيجي، أي أن كل منهما يؤثر في صنع القرار لدى الآخر، وفي حالة ألمانيا فإن السبب تاريخي يتعلق بالمحرقة التي تحاول الحكومات الألمانية التغطية على ذاكرتها بدعم سخي للاحتلال. ويشير ربايعة إلى وجود ضعف دبلوماسي لدى الفلسطينيين مرده الانقسام وتشتت الجهد وتناحر المرجعيات التمثيلية وعدم وجود تنسيق وتنظيم للعلاقة مع الجاليات المختلفة داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. في حين رفض المستشار السياسي لوزير الخارجية الفلسطيني أحمد الديك الإجابة أو التعليق على الموضوع برمته.
يشار إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب قد فكّ القيود عن القنابل الثقيلة التي كانت إدارة سلفه جو بايدن تقول إنها أوقفت توريدها لإسرائيل. فيما تكشف عدة تقارير إسرائيلية أن قيود بايدن لم تكن سوى فقاعات إعلامية، إذ أنه في الحقيقة كانت تصل شحنات السلاح لإسرائيل بعيدا عن الأضواء والتغطيات الإعلامية والإعلانات الرسمية. فلم يتغير الأمر كثيرا في عهد ترامب، لكن الأخير يصرّح بذلك بشكل واضح متجاهلا كل الدعوات الإنسانية لوقف توريد السلاح للإسرائيليين.