الحدث الاقتصادي
كشف نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، أمس الأحد، تفاصيل الصفقة غير المسبوقة التي وقعتها مصر مع تركيا، والتي سيجري بموجبها تأمين احتياجات السوق المصرية من الكهرباء خلال أشهر الصيف، التي تمثل ذروة الطلب المحلي على الكهرباء في مصر. وبحسب الاتفاقية، سترسل تركيا وحدة التخزين والتغويز العائمة للغاز الطبيعي المُسال (FSRU) التابعة لشركة الطاقة التركية الحكومية بوتاش، إلى مصر خلال الأيام المقبلة، في خطوة من شأنها أن تشكل تحوّلاً في علاقات الطاقة بين البلدَين، وتعد هذه أول مهمة تشتغيل خارجية لهذه الوحدة التركية.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، في بيان، الثلاثاء الماضي، إن هذه الوحدة العائمة ستساهم في تعزيز أمن إمدادات الغاز الطبيعي لكل من مصر وتركيا، مع تطبيق نموذج استخدام مرن وفعال للطاقة، وأضاف: "من خلال هذا التعاون، نضع نموذجاً جديداً للتعاون الدولي في مجال الطاقة، ما يعزّز من مرونة وكفاءة استخدام الغاز الطبيعي في بلدينا"، ووقعت تركيا صفقة غير مسبوقة مع مصر، بموجبها تستعين القاهرة بسفينة غاز عملاقة من أسطول أنقرة.
وقال الوزير التركي إنه اجتمع مع وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي والوفد المرافق في القاهرة بالتزامن مع الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر، وأسفر الاجتماع عن توقيع اتفاقيتَين رئيستين لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، الأولى تتعلق بتطوير التعاون في مجالات استكشاف وتطوير وإنتاج الهيدروكربونات في المناطق البرية والبحرية، والاتفاقية الثانية توقيع عقد استئجار وحدة "FSRU" بين بوتاش وإيجاس، ولم تذكر وزارة البترول المصرية أي تفاصيل بخصوص مدة استئجار السفينة، وموعد وصولها إلى مصر.
وتعد وحدة إعادة التغويز العائمة (FSRU)، أو وحدة التخزين العائمة لإعادة التغويز سفينة متخصصة تستعمل في استيراد الغاز المُسال، وهي قادرة على استقبال شحنات الغاز المُسال، وتخزينه سائلاً، ثم تحويله إلى حالته الغازية لاستعماله في شبكات الطاقة الوطنية. وتتميز هذه الوحدات عادة بسرعة نشرها وفعاليتها من حيث التكلفة، مقارنة بمحطات إعادة التغويز البرية التقليدية، وتعد الوحدة التركية خامس سفينة تغويز تتعاقد عليها القاهرة منذ عودتها إلى استيراد الغاز المُسال قبل ما يزيد على عام. وتستعد الحكومة لزيادة الطلب على الطاقة خلال أشهر الصيف، الأمر الذي دفع البلاد إلى استهداف استيراد 155-160 شحنة من الغاز الطبيعي المُسال هذا العام لسد الفجوة بين العرض والطلب، بحسب نشرة "انتربرايز".
مصر تستقبل سفناً أخرى
ويتزايد الضغط على الحكومة المصرية لإبقاء محطات الكهرباء قيد التشغيل وتكثيف استعداداتها لأشهر الصيف القائظة، نتيجة لتعهداتها المتكرّرة بعدم عودة انقطاعات التيار الكهربائي. وستنضم السفينة التركية إلى ثلاث سفن أخرى لمجابهة الزيادة في واردات الغاز الطبيعي المُسال خلال الصيف، بما في ذلك سفينة "هوي غاليون" البالغة طاقتها 750 مليون قدم مكعب يومياً، التي ترسو حالياً في العين السخنة، وسفينة "إنيرجوس إسكيمو" التي تبلغ طاقتها 750 مليون قدم مكعب يومياً، وستنطلق قريباً من ميناء العقبة الأردني، وسفينة "إنيرجوس باور" الألمانية التي لم يتضح موعد وصولها بعد، التي تبلغ طاقتها 750 مليون قدم مكعب يومياً، وفق منصة أخبار الطاقة "ميس"، التي أشارت إلى أن السفينة في طريقها حالياً إلى البحر الأحمر.
ولا تزال هوية وحدة التغويز العائمة التركية الجديدة طي الكتمان، لكن منصة "ميس" تعتقد أنها ستكون "فاسانت 1" البالغة طاقتها 750 مليون قدم مكعب يومياً. وفي فبراير الماضي، أفادت تقارير إلى أن مصر تستعد لاستئجار وحدة تغويز عائمة تركية لتلبية الطلب المحلي المتزايد خلال أشهر الصيف، وصرح مسؤولون لم تُكشف هويتهم آنذاك بأن الحكومة ستدفع نحو 45 مليون دولار لاستئجار الوحدة حتى شهر نوفمبر/شباط، لتوفر نحو 500 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي المسال المُعاد تغويزه.
وبُنيت وحدة التخزين وإعادة التغويز العائمة "فاسانت 1" في عام 2020، بوساطة شركة هيونداي الكورية الجنوبية للصناعات الثقيلة لصالح محطة استيراد الغاز المُسال جعفر أباد، التابعة لشركة سوان إنرجي الهندية. ووفق معلومات "ميس" تستأجر شركة بوتاش التركية الحكومية "فاسانت 1" من سوان إنرجي مقابل 250 ألف دولار يومياً. وتبرُز "فاسانت 1" -الآن- بصفتها منشأة غاية في الأهمية بسلسلة إمدادات الطاقة في تركيا التي تنتهج استراتيجية طموحة لتنويع الإمدادات في إطار مساعيها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة الطاقة وتأمين احتياجاتها من الوقود.
يأتي ذلك وسط أنباء بأن مصر تتجه إلى الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المُسال لفترة أطول بكثير مما كان مخططاً له في البداية، إذ أفادت تقارير أن الحكومة تجري مفاوضات لتأمين عقود توريد تمتد حتى عامي 2028 و2030، وفق ما قالته مصادر مطلعة لم تكشف هويتها لبلومبيرغ. كما يأتي هذا في أعقاب مفاوضات مماثلة لإبرام عقود طويلة الأجل مع قطر، وتوقيع اتفاقية مدتها عشر سنوات مع شركة البنية التحتية للطاقة البحرية العالمية هوي إيفي لاستئجار وحدة تغويز باسم "هوي غاندريا" بطاقة مليار قدم مكعب يومياً، لتحلّ محل سفينة "هوي غاليون" التي ترسو حالياً في العين السخنة في الربع الأخير من عام 2026.
ومن المتوقع أن ترتفع إمدادات الغاز الطبيعي في البلاد إلى 8.1 مليارات قدم مكعب يومياً خلال أشهر الصيف، بينها 4 مليارات قدم مكعب يومياً منتجة محلياً، و1.1 مليار قدم مكعب يومياً مستوردة من إسرائيل، ليصل إجمالي سعة التغويز من السفن الأربع المتوقعة إلى ثلاثة مليارات قدم مكعب يومياً، وفقاً لحسابات منصة أخبار الطاقة "ميس" المستندة إلى بيانات وزارة البترول وشركة جاسكو. وطرحت الهيئة المصرية العامة للبترول المملوكة للدولة مناقصة لشراء ما يقارب مليوني طن من المازوت للتسليم في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، وسط مساعي حكومية لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المُسال أو المنقول عبر الأنابيب لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء خلال الصيف، نظراً لارتفاع تكلفته، وفق ما نقلته بلومبيرغ عن مصدر لم تسمّه.
وحجم المناقصة "الاستثنائي وغير المعتاد" قد يؤدي إلى تشويه الأسواق العالمية، كما ساهم في دفع هوامش ربح الوقود عالي الكبريت في شمال غرب أوروبا إلى أعلى مستوى موسمي لها منذ عام 2008. وقد عدّلت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها للطلب العالمي على النفط، ويعزو ذلك جزئياً إلى زيادة الطلب من مصر، وقالت الوكالة: "تتزامن هذه التحديثات مع زيادة استخدام النفط في توليد الكهرباء في ظل نقص في إمدادات الغاز الطبيعي". وتشير بلومبيرغ إلى أن هذا التحول لا يسلط الضوء على استبدال المواد الخام فحسب، بل يعكس أيضاً استعداد مصر لتحمل انبعاثات كربونية أعلى من أجل تحقيق أمن الطاقة.