حكومة ريغافيم ودولة الورق| بقلم: عصام بكر

عضو المجلس الوطني الفلسطيني القرار ببناء 22 مستوطنة في الضفة الغربية تشمل العديد من المحافظات والاستيلاء على مئات الدونمات وتسعير البناء الاستيطاني في الضفة الغربية ليس وليد لحظة عابرة او حالة محددة كرد على عملية فدائية او انتقاما لحدث ما بل هو تعبير عن مخطط متكامل يجري العمل على تنفيذه منذ سنوات ويتطور على الارض بذريعة وقوع عمل او حادثة هو ترجمة فعلية لقرارات جرى اتخاذها وتطبيقها لحسم الصراع بما في ذلك في قطاع غزة حيث يجري العمل على الابقاء على تواجد عسكري فيه وحرية " العمل " كما يجري في لبنان حتى في حال الوصول الى صفقة لوقف اطلاق النار فهي لا تشمل احتفاظ دولة الاحتلال بالعمل " لاحباط " عمليات وهي الحجج الجاهزة لاستمرار التدمير والقصف وبكل الاحوال فاننا امام تطورات متلاحقة تنذر بما هو اسوء في قادم الايام ليشمل الاراضي الفلسطينية المحتلة في كافة جوانب الحياة .

القرارات ببناء المستوطنات لم تتوقف طوال السنوات القليلة الماضية لكن الجديد هذه المرة هو حجم البناء والتحدي الذي عبر عنه وزير الحرب كاتس من عجرفة سياسية قل نظيرها في العمل السياسي عندما تحدث عن الاعتراف من بعترف بدولة فهو يعترف بدولة على الورق اي ان لا دولة فلسطينية وليس هناك ثمة احتمالية ولو بسيطة لقيامها مع استمرار السيادة على الارض ونهبها يوميا امام ما تقوم به دولة الاحتلال من سباق للزمن لفرض الوقائع على الارض تكون النتيجة بحسب مسعى الاحتلال هي عزل القدس وتهويدها وتقرير مصيرها من طرف واحد، تصبح الضفة الغربية جيوب متقطعة الاوصال تفتقد لمقومات الحياة خصوصا في الارياف والقرى، والمدن تحاصرها الحواجز والاقتحامات شبة اليومية فيما قطاع غزة وما يشهده من حصار ودمار سيستغرق سنوات طويلة لاعادة اعماره هذا فيما لو تمت عملية بناء مع استمرار الاجراءات العملية لتهجير المواطنين منه بمعنى اخر ما الذي تبقى من ارض لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة بوجهة نظر الاحتلال فعلا لم يبقى اي شي!! مع التخريب الممنهج لقتل واجهاض فكرة الاستقلال الوطني الذي يمثل الهدف المنشود للنضال الوطني الفلسطيني .

منبع القرارت هو منظمة "ريغافيم" التي تأسست العام 2005 وتعمل منذ سنوات على احباط البناء الفلسطيني حتى داخل فلسطين المحتلة العام 1948 تراقب وتنشط باعتبارها مؤسسة غير حكومية لكنها اليوم تسيطر على مجمل قرارات الادارة المدنية التي استبدلت ويجري تحويل عملها باتجاه خطوات الضم الفعلي ولم يبقى منها الا القليل القليل ليتم اعلان فرض السيادة الرسمية على الضفة الغربية او معظم الاراضي فيها بمباركة وتأييد الولايات المتحدة الاميركية، ريغافيم تعمل وفق خطط محددة وتوسع عملها بشكل واسع وتحظى بمكانة عالية وتقبل توصياتها من اعلى مناطق صنع القرار في اسرائيل وللعلم والتذكير ان من قام بتأسيس المنظمة هو بسلئيل سمورتريش الوزير الحالي ويهودا الياهو مسؤول دائرة الاستيطان وهما من اعمدته واركانه الاساسية، صياغة القرارات المتعلقة ببسط السيطرة على مناطق "ج" تجري بتعليمات مباشرة وبناء على عمل المنظمة ذاتها ريغافيم بعجالة يمكن القول في هذا الاطار لاعطاء فكرة سريعة عن المنظمة ان جوهر عملها ينصب على ما تسميه الحد من البناء غير الشرعي في ارض "الشعب اليهودي" وتقوم باطلاق الطائرات المسيرة لمراقبة البناء وتوجيه ضباط ما يسمى الادارة المدنية الذين بدورهم يعطوا اخطارات وقف البناء والهدم فيما بعد هذا على مدار السنوات فيما يتعدى دور المؤسسة المراقبة والتوثيق ليشمل اجراءات عملية لمنع العمل الفلسطيني فيما تسميه "يهودا والسامرة " منها مصادرة خلاطات الباطون والمعدات في القرى والارياف الفلسطينية ومنع وصولها الى جانب تحرير مخالفات وفرض غرامات على ما تطلق عليه قيام الفلسطينين بخطوات (غير قانونية) في اراضي الدولة (اسرائيل) .

المنظمة التي بدأت عملها بموازنات محدودة اليوم تخصص لها مئات الملايين من تبرعات وموازنات حكومية وشبه حكومية وزير المالية المؤسس لها سمورتيش يرى فيها امتدادا لما يريد تنفيذه من افكار ناهيك عما يقوم به بصفته وزيرا في حكومة الحرب من اجراءات بحق اموال المقاصة ومحاربة التجمات والقرى الفلسطينية وفرض خطة الحسم وتقويض الامكانية الفعلية لبقاء السلطة واستمرارها وتوجيه الاتهامات لها "بالارهاب" واقتطاع دفع الاموال لعائلات الشهداء والجرحى والاسرى في معركة شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني وهي كلها افرع مستنبتة من ذات الجذر الهادف لتمدد المشروع الصهيوني على ارض فلسطين وتصفية حقوق شعبها ومع نقل الصلاحيات من الادارة المدنية الى وزارة الجيش لاول مرة منذ العام 1967 اصبحت ريغافيم منظمة اهلية تستحوذ على كامل مساحة صنع القرار في تقرير مصير المناطق "ج" بشكل كامل وهو ما يتيح السيطرة الكاملة عليها وهي فعليا اليوم هيئة عليا كمؤسسة دولة تنفرد في تقرير مصيرها وتعمل على ذلك بشكل علني ويومي مع نفوذ وصلاحيات واسعة .

ولفهم اوضح والاستزادة يمكن القول ان ريغافيم تعمل على عدة مستويات ويقود عملها مجلس ادارة مكون من 8 من قادة المستوطنين معظهم ممن دعوا للتمرد على الجيش خلال فترة الانسحاب وخطة الانطواء من قطاع غزة ومنع اخلاء المستوطنات منها كذلك نشطاء المنظمات الاستيطانية التي تطالب بترحيل العرب من الضفة الغربية والقدس، ويعمل في ريغافيم عشرات الموظفين مع مخصصات مالية عالية اضافة الى عشرات المتطوعين الذين يقوموا بتزويد قيادة المنظمة بالمعلومات المتعلقة باي تطور في البناء العمراني الفلسطيني في المناطق "ج" بشكل خاص ولديها عدة دوائر من بينها دائرة العمل الميداني، الدائرة القانونية، والاعلام والتواصل السياسات والبحوث، والعلاقات الدولية ولكل منها اختصاصه وعمله بما يخدم فكرة تطوير البناء الاستيطاني وتكريسه وتوسيعه وخنق اي تمدد عمراني حتى ولو كان منشآة صغيرة او خيمة في القرى والبلدات الفلسطينية .

وقد نشرت الصحافة العبرية العام الماضي 2024 تحقيقا حول نمو وتطور عمل ريغافيم ليصفها بانها تحولت الى منظمة (ام) لها افرع وامتدادات واسعة النطاق وكيف اصبحت هي من تقرر مصير الادارة المدنية ومعها ايضا مصير الارياف والقرى الفلسطينية ومن اهم المؤسسات التي تعمل من خلال ريغاقيم مؤسسة حراس الابدية، القلب في الجليل 2025 وهدفها تهويد منطقة الجليل انشات العام 2015 وما يسمى وزارة التراث اليهودي وتعمل على نقل السيطرة على ما يزيد 3800 موقع اثري باعتباره حق وملكية خاصة للشعب اليهودي اضافة للسيطرة على مخصصات وزارة المالية، وتحويل اجزاء كبيرة منها خصوصا بعد وصول سمورتيش على رأس الوزارة، والسيطرة على الادارة المدنية العام 2023 حيث تم انشاء دائرة الاستيطان في وزارة الجيش التي تولت معظم الاعمال المتعلقة بنقل وفرض السيطرة والاجراءات الاحتلالية في الضفة الغربية ببساطة يمكن القول ان ريغافيم تحولت من منظمة تقدم الاستشارات ولها بعض التدخلات في القرارات الحكومية الى العقل المدبر الفعلي لمرجعيات تسلسل وتطور سيناريو معد للاستيلاء على الضفة الغربية اضغاف السلطة الفلسطينية كجسم له رمزية "الكيانية" وانهاء الوجود الفلسطيني في المناطق ج ومحيط القدس والاغوار على وجه الخصوص ضمن خطة الحسم المعروفة هذه مجرد نبدة سريعة لتأسيس المنظمة وعملها ومن الاهمية الاحاطة بها في التفاصيلات المتعلقة بها .

وبالعودة الى الدولة من ورق وتصريحات ماكرون والحراك الدولي بما فيها بعض التحركات الاوروبية لمراجعة اتفاقيات التجارة مع دولة الاحتلال على ضوء حربها المفتوحة على قطاع غزة وجرائم الابادة المتواصلة بحق المدنيين العزل وتحدي الارادة الدولية بالاعلان عن بناء وشرعنة 22 مستوطنة لم يعد بالامكان تجاهل كل ما يجري وصرف النظر عنه ولم تعد مقولة "حق الدفاع عن النفس" تنطلي على احد في هذا العالم الذي يرى بام عينه حقيقة ما يجري دون ان يحرك ساكنا مناشدات ونداءات استغاثة كلها بقيت دون ادنى درجات الفعل حتى منع الوفد العربي الاسلامي من الوصول الى رام الله تحضيرا للقاء الدولي في نيويورك هو دليل اخر على العنجهية وما تحمله قوة الاحتلال الى التجمعات والاطراف الدولية دون اي اكتراث تواصل المذابح الدموية كرد على هذه التحركات والمقترحات الدولية وبالتالي آن الاوان لادراك ان العالم اليوم مطالب بالتحرك العاجل لوقف العدوان والابادة ولفرض اجراءات جدية احدى اهمها توفير حماية دولية فورية ومحاسبة دولة الاحتلال .

اليوم الانتصار للشعب المظلوم المكلوم الذي يرى العالم اطفاله يحترقون بنار القذائف الاسرائيلية يرى ايضا ممارسات حكومة الاحتلال هي حكومة ريغافيم التي تمثل نهجا فاشيا رسميا بقيادة مستوطنين كانوا مطلوبين للعدالة الدولية في وقت سابق وهم ما زالوا كذلك حكومة يقودها(فتيان التلال) ويقرر سياساتها هم ذاتهم من حاولوا تفجير خطة الانطواء لمنع الانسحاب من مستوطنات القطاع التي طرحها شارون هي اليوم تشعل النار ليس فقط لانهاء القضية الفلسطينية بل تصب الزيت على مساحة الشرق الاوسط باكمله ستحترق بنارها اولا اسرائيل نفسها ومن هنا على العالم ان يخلص الاحتلال من شروره ويعيد التوازن للانسانية عبر الخلاص من الاحتلال، واعطاء الحقوق لاصحابها مفتاح ذلك وقف المذابح في القطاع مقدمة لمنح حق تقرير المصير بارادة دولية جادة تنهي فصول المعاناة للشعب الفلسطيني .