متابعة الحدث
في هجوم وُصف بأنه من أعنف الضربات التي تتلقاها الجبهة الداخلية للاحتلال منذ بداية التصعيد، أطلقت إيران، فجر اليوم، وابلًا صاروخيًا متطورًا استهدف مواقع أمنية وعسكرية تعتبر من أعمدة البنية التحتية الاستراتيجية للاحتلال، كان أبرزها مطار بن غوريون الدولي، ومعهد إسرائيل للأبحاث البيولوجية في مدينة نس تسيونا، إلى جانب ما وُصف بـ”مراكز قيادة وسيطرة بديلة” داخل العمق المحتل.
وبحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية، فإن الضربة جاءت في إطار المرحلة العشرين من عملية “الوعد الصادق 3”، وتم تنفيذها باستخدام مجموعة من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى المتطورة، من بينها صاروخ “خيبر”، الذي يُستخدم لأول مرة في هجوم من هذا النوع.
صاروخ “خيبر”: تحوّل في ميزان الردع
صاروخ “خيبر”، الذي دخل على خط المواجهة في هذه العملية، يمثل تطورًا نوعيًا في القدرات الإيرانية. يبلغ مداه قرابة 2000 كيلومتر، ويحمل رأسًا حربيًا شديد الانفجار يزن أكثر من 500 كغم، مع ميزات تقنية تتيح له تفادي أنظمة الاعتراض وتغيير مساره في الجو حتى لحظة الاصطدام. استخدام هذا النوع من الصواريخ، بحسب المراقبين، يشير إلى انزياح قواعد الاشتباك نحو مستوى جديد يتجاوز الردع التقليدي، وينذر بانفجار صراع أوسع.
الهجوم استهدف منشآت تعتبر خطًا أحمر ضمن العقيدة الأمنية الإسرائيلية. ففي مدينة “نس تسيونا”، تعرّض معهد الأبحاث البيولوجية الإسرائيلي لضربة مباشرة أدت إلى انهيار أجزاء من المبنى، واندلاع حرائق واسعة داخله. المعهد، المعروف بمشاريعه السرية في تطوير وسائل الحماية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، يندرج ضمن البنية التحتية الأمنية غير المعلنة للاحتلال.
وسائل إعلام عبرية تحدثت عن وجود أكثر من 20 شخصًا عالقين تحت الأنقاض في المعهد، فيما أظهرت مشاهد أولية أضرارًا جسيمة في محيط الموقع، وسط عمليات إنقاذ كثيفة وفرض طوق أمني كامل على المنطقة.
وفي “تل أبيب”، وخاصة حي رمات أفيف الراقي، تسببت إحدى الضربات في تدمير مبانٍ سكنية وإشعال حرائق، وسط حديث عن احتمال استخدام قنابل عنقودية، وفقًا لمراسل قناة i24 الإسرائيلية. كما اندلعت حرائق أخرى في مدن بيتح تكفا، حيفا، وتل أبيب الكبرى، بحسب القناة 12.
أما مطار بن غوريون، الذي يُعد الشريان الجوي الأول للاحتلال، فقد تعرّض لانفجارات عنيفة، وفق شهود عيان، في حين فرضت سلطات الاحتلال تعتيما إعلاميا شاملا حول طبيعة الإصابات والأضرار، مكتفية ببيان مقتضب حول تعليق بعض الرحلات وتحويلها إلى وجهات بديلة.
فشل في الإنذار
قناة “كان” العبرية كشفت أن بعض الصواريخ سقطت في مدينة حيفا دون أن تُفعل صافرات الإنذار، الأمر الذي أثار تساؤلات حول كفاءة المنظومات الدفاعية والإلكترونية، خاصة في ظل التطور التقني للصواريخ الإيرانية. كما أعلنت “نجمة داوود الحمراء” عن ارتفاع عدد المصابين إلى 16، بينهم حالات خطرة.
ورغم الرقابة العسكرية المشددة، انتشرت عبر منصات التواصل مشاهد نزوح جماعي للمستوطنين من المناطق المستهدفة، خصوصًا في محيط “تل أبيب الكبرى”، وسط حالة من القلق والارتباك.
وتعكس الرقابة المفروضة جانبًا من السيطرة العسكرية الصارمة على الإعلام داخل “إسرائيل”، حيث يُمنع تداول أي معلومة تتعلق بإصابات أو أضرار في المنشآت “الحساسة” دون موافقة الرقابة العسكرية. ووفق مراقبين، فإن هذا النمط من التعاطي يندرج ضمن “المعركة على الوعي”، حيث تسعى المؤسسة الأمنية إلى تقليص التأثير النفسي للهجمات، خصوصًا حين تمس مواقع مثل المعهد البيولوجي أو مطار بن غوريون.
منظومة الردع على المحك
تشير هذه الضربة إلى تحول نوعي في الأداء الإيراني من حيث الدقة، ونوعية الصواريخ، وطبيعة الأهداف المختارة، ما يُحرج منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي تعتمد على القبة الحديدية و”مقلاع داود”، وسط تزايد الانتقادات الداخلية لعدم فعاليتها الكاملة أمام التهديدات الباليستية المتقدمة.
وفي حين تواصل حكومة الاحتلال الصمت الرسمي، وتُمنع وسائل الإعلام من تغطية المشهد ميدانيًا، تبقى الخسائر الحقيقية، والرسائل الاستراتيجية وراء الضربة، أكبر من أن تُخفى، في ظل تآكل ثقة الجمهور الإسرائيلي بقدرة المؤسسة العسكرية على حماية الجبهة الداخلية.