تتكشف ملامح خطة إسرائيلية – أمريكية – أوروبية، بموافقة فلسطينية رسمية، لإعادة صياغة جغرافية وعمرانية لمخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، بهدف تفكيك بنيتها الاجتماعية ومحو هويتها الوطنية والسياسية، وإخضاعها لرقابة أمنية مشددة.
قبل نحو شهر، زار المنسق الأمريكي للشؤون الأمنية في الضفة الغربية، مايكل آر. فينزل، مخيم نور شمس في طولكرم، برفقة وزير الداخلية الفلسطيني ومحافظ طولكرم، في جولة بدت ميدانيًا "أمنية" لكنها تحمل في مضمونها ترتيبات سياسية عميقة.
وبحسب ما كشفه الصحفي عميد شحادة للتلفزيون العربي عن مصدر فلسطيني خاص، فقد نقل مسؤول أمريكي وسفير أوروبي للسلطة الفلسطينية قائمة شروط إسرائيلية لانسحاب جيش الاحتلال من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، والسماح بعودة بعض النازحين إليها، وهذه الشروط تتضمن:
1. إقصاء الأونروا نهائيًا من أي نشاط داخل المخيمات الثلاثة، في خطوة تستهدف إنهاء رمزيتها كعنوان لقضية اللاجئين.
2. تجريم أي نشاط سياسي، حتى للفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير، بما يعني تجفيف الحياة السياسية تمامًا.
3. مسح أمني فردي للعائدين، ومنع كل من له سجل نضالي أو نشاط سياسي سابق – بما في ذلك الأسرى المحررين – من العودة.
4. اقتصار الوجود الفلسطيني على مراكز شرطة، دون أي مؤسسات شعبية أو مجتمعية أخرى.
هذه الشروط تندرج ضمن رؤية إسرائيلية أبعد من مجرد "الانسحاب"؛ إذ تشير مصادر مطلعة إلى أن الاحتلال أبلغ الأمريكيين والأوروبيين بضرورة منع إعادة بناء البيوت المدمرة، والحفاظ على الشكل العمراني الجديد للمخيمات: مربعات سكنية متباعدة تفصلها شوارع واسعة، بما يسهل المراقبة والسيطرة، ويقضي على البيئة المتماسكة التي شكلت لعقود حاضنة للمقاومة والعمل السياسي.
إن ما يجري ليس مجرد "ترتيبات أمنية" بل عملية إعادة هندسة للمخيمات لتحويلها من فضاء مقاوم يحمل ذاكرة النكبة والنضال، إلى فراغ عمراني منزوع الهوية والقدرة على التنظيم، تمهيدًا لمرحلة سياسية جديدة في شمال الضفة الغربية، تُصمم فيها الجغرافيا لخدمة السيطرة الأمنية الكاملة.
تتزامن هذه الخطة مع مسار سياسي إقليمي ودولي يسعى لإغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين، ليس عبر تسوية عادلة تضمن حق العودة، بل عبر تفريغ المخيمات من مضمونها التاريخي والسياسي. فإخراج الأونروا، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وحظر العمل السياسي، وإعادة تشكيل البنية العمرانية بما يسهل السيطرة الأمنية، هي خطوات متكاملة تهدف إلى إعادة تعريف المخيم من كونه رمزًا لحق العودة إلى مجرد حي سكني تحت السيادة الأمنية الكاملة.
هذه التحركات تحمل أيضًا رسالة استراتيجية: من يسيطر على المخيمات – رمزيًا وجغرافيًا – يسيطر على واحدة من آخر قلاع الذاكرة الوطنية الفلسطينية. وبقبول السلطة الفلسطينية بهذه الترتيبات، يتحول الأمر من مشروع خارجي مفروض إلى اتفاق رسمي، مما يعقد أي محاولة مستقبلية لإعادة المخيمات إلى دورها الأصلي كمراكز ثقل سياسي وشعبي في الصراع مع الاحتلال.