الأربعاء  25 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أزمة تكدّس الشيكل.. والحلول الممكنة/ بقلم: مؤيد عفانة

2025-06-25 10:02:58 AM
أزمة تكدّس الشيكل.. والحلول الممكنة/ بقلم: مؤيد عفانة
مؤيد عفانة/ خبير في الحوكمة الاقتصادية

أزمة تكدّس الشيكل في البنوك العاملة في فلسطين، أزمة قديمة جديدة، وإن اشتدت في السنوات الأخيرة، وطفت آثارها على السطح في الآونة الأخيرة، سببها الرئيس القيود التي تضعها إسرائيل على استقبال فائض الشيكل من الاقتصاد الفلسطيني، على الرغم من وجود نص واضح على ذلك في برتوكول باريس الاقتصادي، ومنذ توقيعه لينظم العلاقة المالية ما بين السلطة الفلسطينية واسرائيل عام 1994، تضاعف الاقتصاد الفلسطيني، إلا أن إسرائيل تستقبل فقط (18) مليار شيكل سنوياً من عملتها في الاقتصاد الفلسطيني ومن خلال اربع دفعات سنوياً، وهو مبلغ لا يتناسب ونمو الاقتصاد الفلسطيني، حيث أن الاحتياج الفعلي هو شحن حوالي (30) مليار شيكل للبنوك الإسرائيلية سنوياً، مما يعني وجود فائض دائم للشيكل في الاقتصاد الفلسطيني، يرتفع في بعض الأشهر لمستويات حرجة كما هو الحال هذه الأيام، حيث يبلغ الشيكل المتكدّس في البنوك حوالي (13) مليار شيكل، الأمر الذي يعيق تغذية حسابات البنوك الفلسطينية لدى البنوك الإسرائيلية، والتي تتم من خلالها تنفيذ المعاملات المالية اللازمة لعمليات شراء وبيع السلع والخدمات ما بين فلسطين وإسرائيل، كما أنه يكلف البنوك العاملة في فلسطين تكاليف التخزين والتأمين والنقل، عدا عن تكلفة الفرصة البديلة، كما يحد من دور القطاع المصرفي كوسيط مالي في تنفيذ العمليات التجارية ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، الامر الذي يهدد بنشوء سوق سوداء واقتصاد غير رسمي.

وبعيداً عن تشخيص الأزمة، والتي أضحت معلومة الأسباب، فإنّ الأهم اجتراح حلول لمعالجتها، والتي يجوإطلاقكون ضمن مسارين، المسار الأول وهو المسار السياسي، فجوهر الأزمة سياسيّ وليس فنيّ، وهو ضمن توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية لتقويض أركان الدولة الفلسطينية، وخنق الاقتصاد الوطني، وخلق واقع طارد للاستثمار، وهدم للبناء المؤسسي للاقتصاد الوطني المنظّم، وللقطاع المصرفي القوي والمتين في فلسطين، وهي توجهات غير سرية ومعلنة، ويتحدث فيها وزير المالية الإسرائيلي "سموتريتش" على الملأ، ويحظى بدعم من الحكومة الإسرائيلية، وتأتي أزمة الشيكل في ذات سياق قرصنة إيرادات المقاصّة، واحتجازها، والتهديد بقطع العلاقة المصرفية، والتقييدات أمام الحركة التجارية، الأمر الذي يتطلب تدخلات على مستوى سياسي رفيع، من خلال حملة عبر الدول الشقيقة والصديقة، وحتى المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، للضغط على إسرائيل لاستقبال عملتها، واطلاق حملة دولية في سبيل ذلك، يُجنّد لها المستوى السياسي والسلك الدبلوماسي، ولنا في الوساطة المغربية في قضية إيرادات المقاصة التي كانت محتجزة في النرويج انموذج لجدوى التدخلات السياسية الخارجية.

أمّا على الصعيد الفني، فقد شكلت وزارة الاقتصاد الوطني خلية أزمة لمعالجة فائض الشيكل، وأطلقت سلطة النقد الفلسطينية جملة إجراءات فنية تخفف من الازمة، وهي جميعها إجراءات جيدة، ومهمة، وضرورية، ولكن غير كافية لوحدها لحل الازمة، لذا مطلوب العمل بشكل متوازٍ ما بين الإجراءات الفنية مع التدخلات السياسية، وضمن استراتيجية تشاركية يشارك فيها القطاع الحكومي والخاص والأهلي، والمجتمع المحلي، ومن تلك الإجراءات الفنية المطلوبة ضبط الشيكل في السوق الفلسطيني، أياً كان مصدره، من خلال تشريعات او إجراءات للإلزام بالتحويلات البنكية لحركة التجارة وتمويلها في بعض القطاعات ذات القيم النقدية المرتفعة مثل المحروقات والذهب والعقارات والتبغ وتبديل العملات، والتي تشكل المكوّن الأكبر للكتلة النقدية، إضافة الى تعزيز التحوّل الرقمي في فلسطين، خاصة وان (70%) من البالغين لديهم حسابات بنكية فاعلة، من خلال توفير البنية اللوجستية اللازمة، ومحفزات للتجار والمواطنين على حد سواء، ونشر الوعي المجتمعي حول أهمية التحوّل الرقمي، والأمان والموثوقية فيه، والتدرج نحو الزامية انفاذه، إضافة الى اطلاق البنوك لبرامج اقراض تنموية ميسرة بعملة الشيكل، من اجل توسيع القاعدة الإنتاجية، خاصة في القطاع الزراعي، والصناعات التحويلية، الأمر الذي يعزز الاقتصاد الوطني من جهة، ويتم استثمار فائض الشيكل بما يعود بالفائدة على كل من البنوك والمجتمع والمواطن من جهة ثانية، كذلك توجد ضرورة لتوفير مسارات لفائض الشيكل عبر البنوك الإقليمية أو الدولية ذات العلاقة المصرفية مع إسرائيل.

وعمليا تكلفة بقاء الوضع على ما هو عليه، هي التكلفة الأكبر مستقبلاً، والحلول الجزئية يمكن ان تحل الازمة مرحليا، ولكن لا تلبث إلاَ أن تستعر الأزمة مستقبلاً، لذا توجد ضرورة لتبني هذه الحلول وغيرها من الأفكار من الخبراء وأصحاب الصلة، وتعزيز الحوار الوطني من اجل الحفاظ على الكينونة الفلسطينية، وعلى مقومات الاقتصاد الوطني، وبنيان القطاع المصرفي، وافشال السياسات الإسرائيلية التي تستهدف الكل الفلسطيني.