الأربعاء  25 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في العدوان الصهيوأمريكي على إيران/ بقلم: ناجح شاهين

2025-06-25 11:07:22 AM
قراءة في العدوان الصهيوأمريكي على إيران/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

ما يزال الوقت مبكراً جداً لمعرفة، ناهيك عن تحليل، ما جرى على مدار اثني عشر يوماً من العدوان الإسرائيلي والأمريكي على الجمهورية الإسلامية. هناك تفاصيل كثيرة ما تزال غامضة، وهناك الكثير مما يجب أن نعرفه بدقة بخصوص الليلة الأولى القاسية في طهران، إضافة إلى ضرب المفاعلات النووية، وغير ذلك من ضربات لا يستهان بها، ولكنها ما تزال في حاجة إلى تدقيق لمعرفة حجمها الفعلي بعيداً عن الكلام الإعلامي الفضفاض الذي يحتمل الكثير من المبالغات والمغالطات.

يمكن لنا تلخيص ما جرى في سياق العدوان على النحو التالي: قامت إسرائيل بتوجيه ضربة هائلة للقيادة، ومراكز التحكم الإيرانية بطائراتها المقاتلة، ومئات المسيرات المنتشرة على امتداد الجغرافيا الإيرانية في يد عملاء تم تجنيدهم وتدريبهم على امتداد سنوات كثيرة. كان المقصود على ما يبدو أن تنهار الدولة كما حدث في سوريا، وأن يغتنم فريق المعارضة/العملاء الفرصة وينقضوا على بقاياها المتهالكة ويسقطوها. لكن ما حصل كان معاركساً لأحلام واشنطن وتل ابيب عندما استعادت القيادة الإيرانية مفاتيح التحكم والسيطرة ووجهت في الليلة التالية موجة من الصواريخ إلى قلب الكيان. تلا ذلك ضربات متبادلة لم تتوقف "اقتنع" فيها الإسرائيلي بأن إيران قادرة على إلحاق الأذى المؤثر في أرجاء فلسطين المحتلة، وبدأت الأصوات تعلو بضرورة التدخل الأمريكي المباشر. وهنا تدخلت واشنطون فعلاً وقصفت ثلاثة مفاعلات إيرانية، لتعلن أن البرنامج النووي الإيراني قد انتهى. لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، فقد "سمحت" الولايات المتحدة لإيران بأن توجه ضربة "شكلية" لقاعدة العديد في قطر بما يكفل لطهران أن تزعم بأنها ردت على العدوان الأمريكي. كان المقصود المشاركة في رفع الحرج الجماهيري عن كاهل طهران، وبعدها يصبح ممكناً الذهاب إلى وقف إطلاق النار الذي أصبحت إسرائيل في أمس الحاجة إليه. 

من المهم أن نتنبه إلى تصريحات ديمتري ميدييدف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي بعد ضرب المفاعلات، عندما أكد أن إيران ستواصل التخصيب بغض النظر عما جرى في الضربة، بل إنه ذهب بعيداً ليؤكد أن دولاً ما قد تزود إيران بالسلاح النووي الجاهز إذا تطلب الأمر، بما يقوض أية أهمية للمحاولة الأمريكية لتدمير البرنامج الإيراني. 

من ناحية أخرى شهدت بداية المواجهة موقفاً باكستانياً عالي النبرة تحدث عن دعم إيران بالسبل كلها. بعد ذلك فاجأ مكتب رئيس الوزراء الباكستاني العالم بترشيح دونالد ترامب لجائزة نوبل، بينما هو منهمك في المواجهة مع إيران. كان ذلك كوميدياً بالفعل لأن رئيس الوزراء الهندي حليف واشنطن وتل أبيب كان قد كذب ترامب في زعمه أنه هو من أنهى المواجهة الهندية/الباكستانية، ليأتي عدوه الباكستاني ويرشحه لنوبل لهذا الدور المزعوم. 

وما بين التهديد من ميدييديف بإعطاء إيران كل شيء، وترشيح باكستان ترامب لدور لا وجود له، يمكن تبين الموقف الصيني الهادئ/الحاسم في ردع الولايات المتحدة. إذ من الواضح أن الصيني قد أوصل رسالة واضحة لواشنطن بأن انخراط أمريكا في عدوان شامل ضد إيران لن يمر بسهولة، ومن ناحية أخرى سمح الصيني للفرقاء بالنزول عن أشجارهم بدون تعقيد الأجواء بما يجعل ذلك مستحيلاً. نفذ الصين استراتيجيته الهادئة القائمة على التظاهر بدعوة أطراف النزاع إلى ضبط النفس، وهو ما فعلته الصين بالضبط أثناء المواجهة بين الباكستان والهند التي مثلت مختبراً استثنائياً لقوة الطيران الصيني وغيره من أسلحة كشفت فاعلية مدهشة في مواجهة السلاح الأمريكي. وراء تلك الدعوات العلنية "المسالمة" أوصلت الصين رسائلها الضمنية عبر الباكستان، وكوريا الشمالية، وروسيا، بأن التورط الأمريكي في إيران لن يكون نزهة قصيرة بأي حال من الأحوال.

وهكذا يمكن القول بوجود التفكير في أن تذهب أمريكا إلى حشد قوتها وقوة الأطلسي لضرب إيران كما حصل مع العراق قبل عشرين عاماً، وما كانت القوة الإيرانية بذاتها كافية لرد ذلك العدوان. لكن الرسائل الصينية من وراء الكواليس منعت على ما يبدو أن تذهب واشنطون إلى ذلك المربع. وهكذا انتهى العدوان دون أن يحقق الكثير، على الرغم من التظاهرة الإعلامية في واشنطن وتل أبيب بأن إيران قد انتهت. ولعل من الطريف في هذا السياق أن ترامب أعلن في سياق تصريحاته المضطربة بعد وقف إطلاق النار أن الصين تستطيع أن تشتري النفط من إيران كما تشاء. وهذا مؤشر على الإقرار بأهمية موقع المارد الصيني الهادئ في المواجهة، مثلما هو إشارة إلى توجه واشنطن للتفكير في رفع الحصار عن طهران.

لم يكن البرنامج النووي الإيراني هو بيت القصيد في العدوان مثلما يعلم أي مبتدئ في السياسة. كان الموقف السياسي لإيران وقدراتها الصاروخية البالستية هو الهدف المنوي تدميره، ولكن ذلك لم يتحقق أبداً. وقد أنهت إيران "حرب الأيام الاثني عشر" بضربة في جنوب الكيان كانت الأقسى من حيث الدمار وعدد القتلى. وبينما كانت إسرائيل تتحدث عن الاحتفال بالنصر على إيران تلقت ضربة مريعة في غزة تمثلت في كمين في خان يونس أسفر عنه باعتراف تل ابيب مصرع سبعة عسكريين وجرح آخرين ليتم تقويض أية مزاعم عن انتقال اسرائيل إلى حالة أفضل. 

المستقبل فقط هو الذي سيحسم النتائج البعيدة لما حصل. ويمكن لنا الآن أن نتنبأ بدون الخوف الكبير من الوقوع في الخطأ، أن إيران ستذهب لطاولة المفاوضات بدون هواجس كثيرة بعد أن اختبرت فعلياً ولأول مرة في صراعها الصامت المستتر مع اسرائيل معنى القتال المباشر مع الكيان، وحدود قدرات ذلك الكيان وقوته الجوية "الرهيبة". اليوم يواجه الأمريكي معضلة فيما يخص التهديد: ما الذي يمكن التلويح به في وجه طهران بعد أن تعرضت فعلاً لعدوان تم الإعداد له على مدى أشهر وربما سنوات؟ على الأرجح أن إيران انتقلت إلى وضع من لا يخشى شيئاً، وأنها ستغدو لاعباً معترفاً به من الجميع. وعلى الرغم من أن بعض السذج يرى في "مسرحية" ضرب القاعدة الأمريكية في قطر علامة ضعف، إلا أنها في الواقع تثبت أن أكبر قوة عسكرية في العالم قد اضطرت إلى "التعاون" مع إيران من أجل إقناعها بإيقاف المواجهة التي لم ينجح الصهيوأمريكي في ربحها، وأصبحت عبئاً متزايداً عليه يوماً بعد يوم.