السبت  19 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في قضية انتحار "تاجر الجنس" جيفري إبستاين.. لماذا يحاول ترامب إخفاء التفاصيل؟

2025-07-17 09:27:31 AM
في قضية انتحار
ابستاين وترامب

ترجمة الحدث

أثارت وسائل الإعلام الأميركية جدلًا واسعًا بعد الكشف عن اختفاء نحو ثلاث دقائق من تسجيل “خام” من كاميرات الزنزانة التي وُجد فيها جيفري إبستاين ميتًا في 2019، وذلك بعد أن نشرت إدارة دونالد ترامب الفيديو الأسبوع الماضي ضمن ما وصفته بـ”الالتزام بالكشف الكامل عن ملابسات وفاته”. غير أن هذا الالتزام لم يسفر سوى عن مزيد من التساؤلات، لا سيما بعد أن كشف موقع “وايرد” الأميركي أن الفيديو جرى تعديله باستخدام برنامج المونتاج “Adobe Premiere Pro”، وهو ما يناقض التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل الأميركية.

التحليل الفني للفيديو بيّن بوضوح أنه ليس مادة خامًا كما زُعم، بل مقاطع مفبركة جرى إخراجها على نحو مدروس. المسؤولة عن وزارة العدل، بام بوندي – وهي شخصية مثيرة للجدل تم تعيينها من قِبل ترامب – أكدت أن المكتب الفيدرالي للتحقيقات (FBI) بقيادة كاش باتيل لم يجد “قائمة الزبائن” الخاصة بإبستاين.

ويُذكر أن إبستاين كان متهمًا بالاتجار بالبشر واستغلال فتيات قاصرات لأغراض جنسية، وقد أعلنت السلطات أنه انتحر داخل زنزانته. في حين أُدينت مساعدته المقربة، غيلاين ماكسويل، بتهم الاستغلال الجنسي والاتجار بالقاصرات، وصدر بحقها حكم بالسجن لمدة عشرين عامًا. ومع ذلك، فإن وزارة العدل وFBI، اللتين تُداران اليوم من قبل شخصيات مقربة من ترامب، ما زالتا تنفيان وجود قائمة زبائن لإبستاين.

وفقًا لهذا المنطق، يبدو أن إبستاين كان يدير شبكة استغلال جنسي بلا مستفيدين، وهو ادعاء لا يصمد أمام العقل والمنطق، ويشير إلى محاولة واضحة لطمس الحقيقة.

كل المؤشرات تفيد بوجود عملية طمس ممنهجة للحقائق، لا سيما أن ترامب نفسه سبق أن قال إن الإدارات الأميركية تميل إلى إخفاء ما لا يروق لها. وما حدث في هذا الملف يبدو – شكلاً ومضمونًا – تجسيدًا حيًا لهذا النهج.

في تصريحات غاضبة للإعلاميين الذين سألوه مؤخرًا عن إبستاين، قال ترامب – الذي تربطه علاقة قديمة بإبستاين وتلاحقه اتهامات من عشرات النساء بالتحرش والاعتداء الجنسي وحتى الاغتصاب –: “هل ما زلتم تتحدثون عن جيفري إبستاين؟! لقد تحدثتم عنه لسنوات. هل لا يزال أحد يهتم بهذا الرجل؟ هذا غير معقول”.

ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك، زاعمًا أن “ملف إبستاين اختلقه جيمس كومي، مدير الـFBI في عهد أوباما”، رغم أن هذه الملفات لم تُختلق، بل هي موجودة، وقد عرقلت كتلة الجمهوريين في الكونغرس مؤخرًا محاولة الديمقراطيين نشرها رسميًا.

غير أن المحيّر هو حجم محاولات التغطية، في وقت يُفترض أن الولايات المتحدة دولة قانون ومحاسبة. علاقة ترامب بإبستاين موثقة بصور من عشرات الحفلات، والاحتمال قائم بأن يكون اسمه مدرجًا في قائمة الزبائن. لكن مع ذلك، أنصار ترامب من حركة “MAGA” التي كانت تطالب بشدة بكشف الملفات – خاصة حين اشتبهوا بوجود الرئيس السابق بيل كلينتون فيها – باتوا الآن منقسمين بشأن مواصلة الضغط، في ظل رغبة ترامب الواضحة بدفن هذا الملف.

هذا التردد بدأ يُحدث شرخًا حتى داخل قاعدة ترامب الشعبية، وبات بعض السياسيين الجمهوريين يطالبون بشفافية أكبر بشأن هذه القضية، التي تهدد بتقويض ثقة القاعدة الناخبة في قيادتهم.

السؤال الآن: هل ستواصل وسائل الإعلام الأميركية والغربية ملاحقة هذا الملف حتى نهايته، أم ستتراجع قريبًا تحت وطأة الضغط السياسي والإعلامي الذي تقوده إدارة ترامب؟

إذا أردنا القياس على سوابق مشابهة، فإن المؤشرات لا تبشّر بخير. فترامب – الذي أُدين قبل عام بـ34 جناية فيدرالية – لا يزال يقدَّم في الإعلام السائد كشخصية سياسية “شرعية”. كما أنه في أثناء ولايته، عمل على خدمة مصالح المليارديرات الأميركيين من خلال سياسات ضريبية ضخّمت ثرواتهم على حساب الاقتصاد العام، ومع ذلك نادرًا ما تناول الإعلام هذه المسائل بجدية.

صحفيون أميركيون أكدوا أن البيت الأبيض يمارس ضغوطًا شديدة على وسائل الإعلام، تصل أحيانًا إلى الصراخ على المراسلين لمنعهم من طرح أسئلة عن إبستاين، لكن الضغط الحقيقي – كما يقال – لا يُمارس على المحرر، بل على مالك المؤسسة الإعلامية. فالملياردير ترامب يتصل بملياردير آخر (مالك القناة)، ويتم التفاهم على إغلاق الملف.

وعليه، من المرجح أن يطوى الملف خلال أسبوع، تمامًا كما طُويت قضايا أخرى خطيرة تتعلق بثروته الشخصية، ووعوده الانتخابية الكاذبة، والأضرار الجسيمة التي ألحقها بالاقتصاد الأميركي، وخصوصًا في الولايات “الحمراء” التي دعمته انتخابيًا. وكالعادة، ينتقل الإعلام للحدث الكبير التالي… ربما حرب في سوريا قريبًا؟.

الخلاصة صادمة. نخبة من الأثرياء والنافذين ارتكبوا جرائم جنسية بحق نساء وقاصرات، ومع ذلك يبدو أن أحدًا لن يُحاسب سوى السيدة ماكسويل. والسبب بسيط: لأن الجناة أنفسهم هم من يمسكون بزمام القوة والثروة. هذا هو منطق العالم اليوم، ولا يقتصر على جرائم الجنس وحدها.