الثلاثاء  05 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ائتلاف أمان يدعو إلى ضرورة التحول من نمط العمل المركزي إلى نمط وطني تشاركي تقوده الهيئات المحلية

2025-08-04 06:44:56 PM
ائتلاف أمان يدعو إلى ضرورة التحول من نمط العمل المركزي إلى نمط وطني تشاركي تقوده الهيئات المحلية

 

الحدث الفلسطيني

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) عبر منصة الزووم، جلسة نقاش تقرير بعنوان: "استجابة بلدية غزة لمتطلبات المساءلة والمشاركة المجتمعية خلال الإبادة الجماعية على قطاع غزة"، والذي يهدف إلى تسليط الضوء على قدرة بلدية غزة على مواصلة تقديم خدماتها العامة الحيوية في ظل الحرب، وتقييم مدى التزامها بمبادئ الشفافية والمساءلة، ومشاركتها المجتمعية في ظل الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها سكان المدينة.

استهل التقرير بكلمة من وائل بعلوشة، مدير مكتب ائتلاف أمان في قطاع غزة، تحدّث فيها عما يتناوله التقرير من واقع خدمات بلدية غزة، وأدوات المشاركة المجتمعية، وآليات الشكاوى، إلى جانب التحديات التي واجهت البلدية وسبل معالجتها، كما يقدّم التقرير مجموعة من التوصيات العملية التي يمكن تعميمها على الهيئات المحلية الأخرى في قطاع غزة.

بلدية غزة في عين العاصفة: صمود إداري وخدماتي رغم الإبادة

واستعرضت التقرير مروة أبو عودة، منسقة المناصرة والمساءلة المجتمعية في ائتلاف أمان، مؤكدة أن بلدية غزة واجهت دماراً هائلاً نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023، إذ دُمرت 75% من مقرات وآليات البلدية، واستشهد ما يزيد عن 48 من موظفيها، كما طالت الأضرار البنية التحتية الحيوية للمياه والصرف الصحي والنفايات.

ورغم ذلك، استطاعت البلدية إعادة ترتيب أولوياتها لتقديم خدمات الحد الأدنى في مجالات المياه، الصرف الصحي، إزالة النفايات وفتح الطرق، معتمدة على خطط طوارئ محدودة وقنوات تواصل مرنة مع المجتمع المحلي.

واقع المشاركة المجتمعية قبل وخلال الحرب: من الخطط إلى المبادرات

أظهر التقرير أن بلدية غزة كانت قبل الحرب قد أسست بنية قوية للمشاركة المجتمعية، من خلال لجان الأحياء، والمجالس الشبابية، واللقاءات التشاورية المفتوحة، وتخصيص 2% من ميزانيتها لدعم المبادرات المجتمعية.

أما خلال الحرب، فقد اعتمدت البلدية على تفعيل لجنة التواصل المجتمعي، والحفاظ على اللقاءات الأسبوعية مع ممثلي لجان الأحياء، رغم النزوح وفقدان الاتصال في العديد من المناطق. وتمكنت من تحفيز المبادرات التطوعية لدعم خدمات المياه والنظافة في مراكز الإيواء والمناطق المتضررة.

نظم المساءلة في زمن الإبادة: بين تعطل الرقابة ومرونة الشكاوى

تضررت نظم المساءلة بشدة نتيجة تدمير المباني وتعطل أجهزة الرقابة الخارجية مثل ديوان الرقابة المالية والإدارية. إلا أن البلدية استطاعت تفعيل قسم الشكاوى رغم الصعوبات، واستعادت نظامها الإلكتروني بشكل جزئي لتلقي البلاغات، مع الاستمرار في تقديم التقارير الشفهية داخل المجلس البلدي.

يشير التقرير إلى أن بلدية غزة أظهرت التزاماً بتوثيق الأنشطة الميدانية، ونقل احتياجات السكان من خلال قنوات غير تقليدية، في وقت تعذرت فيه عمليات التفتيش والتدقيق الخارجي.

تحديات هائلة: من القصف إلى النزوح وفقدان الموارد

رصد التقرير جملة من التحديات التي واجهت بلدية غزة، من بينها: استمرار العدوان، تدمير البنية التحتية، نزوح الموظفين، انقطاع الكهرباء والاتصالات، فقدان المعدات وقطع الغيار، وضعف الموارد المالية.

وقد أثّرت هذه العوامل على استمرارية الخدمات البلدية وعلى قدرة اللجان المجتمعية على التفاعل والمساءلة، مما دفع البلدية لتطوير أساليب تواصل غير مركزية وتفعيل أدوار بديلة للأعضاء في لجان الأحياء.

أدوات مبتكرة للاستجابة الطارئة: لجان ميدانية ومجالس شبابية قيد التشكيل

للتعامل مع الحرب، اعتمدت البلدية على تفعيل لجان الحي لتشغيل آبار المياه، توزيع البراميل، إزالة النفايات، ونقل الشكاوى. كما تعمل حالياً على تشكيل لجنة استشارية للمجلس البلدي تضم ممثلين عن مختلف فئات المجتمع، ومجلس شبابي لتعزيز المشاركة والرقابة الشعبية.

وأظهر التقرير تقدماً في اعتماد سياسات تضمن الحد الأدنى من التواصل المجتمعي والرقابة الداخلية، رغم ظروف الطوارئ غير المسبوقة.

على مستوى المشاركة المجتمعية

على صعيد المشاركة المجتمعية، يوصي التقرير بضرورة مأسسة أنماط مرنة وقابلة للتطبيق في أوقات الطوارئ، تستند إلى أدوات رقمية وآمنة تضمن استمرارية التواصل والمشاركة حتى في ظل أصعب الظروف. كما يشدد على أهمية إشراك ممثلي السكان في مراكز الإيواء ضمن هياكل تنظيمية تُسهم في تعزيز مساهمتهم الفاعلة في عملية تقديم الخدمات. كذلك يُوصى بتوسيع شراكات البلدية مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، لما لذلك من أثر في تمكين المجتمعات من المساهمة في تحديد الأولويات ورقابة الأداء. كما ينبغي استثمار الحلول التكنولوجية بشكل أعمق، خصوصاً لإشراك فئات الشباب والمجتمعات المهمشة، بما يعزز من فعالية المشاركة المجتمعية في التخطيط والتنفيذ والمساءلة.

على مستوى المساءلة

أما على صعيد المساءلة، فقد شدد التقرير على أهمية تطوير أدوات رقمية مبسطة تتيح للمواطنين متابعة الشكاوى والتعبير عن آرائهم بشأن أداء البلدية، حتى في ظل انقطاع البنية التحتية أو غياب الحضور الميداني. وأوصى بضرورة إعداد خطة مكتوبة تنظم آليات اتخاذ القرار أثناء الطوارئ، على أن تتضمن سبل التوثيق والمراجعة لاحقاً، بما يضمن الشفافية وعدم الانفراد بالقرار. كما نبه إلى الحاجة لتطوير نظام فعال لقياس جودة الخدمات البلدية، من خلال أدوات قياس علمية تشمل استطلاعات رأي ومؤشرات أداء محددة، إلى جانب تعزيز توثيق البيانات والمستندات المالية والإدارية، لضمان جاهزية عملية المراجعة الداخلية والتدقيق الخارجي فور توفر الظروف الملائمة، وتعزيز ثقة المواطنين بالعمل البلدي.

يحيى السراج: بلدية غزة تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على الحد الأدنى من الحياة وتعزيز الصمود

عقب رئيس بلدية غزة، السيد يحيى السراج، في مداخلته منوها عن أبرز التحديات التي تواجه السكان في ظل العدوان المستمر، مؤكدا أن أزمة انعدام الغذاء والماء باتت الأخطر مقارنةً بواقع القتل والتدمير الذي أصبح جزءا يوميا من حياة الأهالي، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن. وأشار إلى أن البلدية تبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على الحد الأدنى من الحياة وتعزيز الصمود، في ظل ظروف يرى فيها أن قطرة الماء باتت تعادل قطرة دم.

وأفاد سراج أن وحدة الرقابة الداخلية تعطلت مؤقتاً في المرحلة الأولى من العدوان، لكنها عادت للعمل تدريجيًا مع بداية الهدنة الثانية، وهي تواصل مهامها حاليًا بشكل منتظم.

ضرورة التحول من نمط العمل المركزي إلى نمط وطني تشاركي تقوده الهيئات المحلية

في مداخلته، أكد د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، أن التحدي الحقيقي أمام المسؤولين في فلسطين هو القدرة على العمل في ظل ظروف طارئة وقاهرة كالتي يعيشها قطاع غزة، والتي بدأت تمتد تدريجيًا إلى الضفة الغربية. وأشاد الشعيبي بأداء رئيس بلدية غزة، يحيى السراج، واعتبره نموذجًا للمسؤول القابل للمساءلة والمستعد لتحمّل المسؤولية في أصعب الظروف.

وأشار إلى أن الوضع الحالي يفرض واقعًا طارئًا طويل الأمد، في ظل الاحتلال الاستيطاني الذي يسعى إلى إضعاف السلطة المركزية الفلسطينية وشطب فكرة الدولة من أساسها. ونتيجة لذلك، برز دور البلديات كجهات قادرة على ملء الفراغ الناجم عن تراجع مؤسسات السلطة، ليس فقط في مجال تقديم الخدمات البلدية التقليدية، بل أيضًا في مجالات الإغاثة، والإيواء، والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

واقترح الشعيبي أن تتحول البلديات، وفي مقدمتها بلدية غزة، إلى نموذج لـ"حكومة محلية" تقود الجهد المجتمعي في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة المركزية. وشدد على أهمية تمكين البلديات تقنيًا وماليًا، ومنحها الصلاحيات الكافية لتنسيق العمل مع القطاعات المختلفة، بما فيها الوزارات المتبقية، ووكالة الأونروا، والغرفة التجارية، ومؤسسات المجتمع المدني. كما دعا اتحاد الهيئات المحلية إلى العمل منذ الآن على إعداد البلديات لهذا الدور المحوري، لا سيما في الضفة الغربية، تحسبًا لامتداد هذا الواقع إليها.

واختتم الشعيبي مداخلته بالتأكيد على ضرورة التحول من نمط العمل المركزي إلى نمط وطني تشاركي تقوده الهيئات المحلية والمجتمع، باعتبار أن المواطنين لا يملكون اليوم ترف الاختيار، بل يبحثون عن الحد الأدنى من الخدمات التي تحفظ كرامتهم وبقاءهم.

المطلوب: تمكين المجتمع المدني أكثر في ظل حالة الفراغ المؤسسي وغياب السلطة المركزية

أوضح الدكتور غسان أبو الحطب من مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت، في مداخلته، أن ما تتعرض له غزة من دمار ممنهج يمثل محاولة لاقتلاع الحياة من جذورها وشطب مقومات البقاء، معتبراً أن إصرار بلدية غزة على الاستمرار في أداء مهامها رغم الظروف القاهرة يُعد موقفاً يُحترم، لكنه لا يعفي من ضرورة إخضاع التجارب والتقارير المرتبطة بذلك لنقد علمي ومراجعة موضوعية.

وسلط أبو الحطب الضوء على أوضاع مراكز الإيواء، واصفًا إدارتها بالعشوائية وافتقارها لآليات المساءلة، مع وجود شبهات فساد سبق أن وثقتها تقارير سابقة. ودعا إلى إعادة هيكلة هذه المراكز عبر تشكيلات مجتمعية ديمقراطية تضمن تمثيلًا حقيقيًا لمختلف فئات المجتمع، بما يشمل النساء، والشباب، وذوي الإعاقة.

أما بشأن لجان الأحياء، فشدد على ضرورة انتخابها بطريقة ديمقراطية، مشيرًا إلى أن أغلبها لا تعكس التنوع المجتمعي الحقيقي، واستدل على ذلك بتجربة خانيونس التي تم تجميد انتخاباتها بعد أن أفرزت نتائج لم تُرضِ الجهات المسيطرة. وأكد أن اقتصار المجتمع المحلي على دور التنفيذ دون إشراكه في اتخاذ القرار يعمّق الفجوة بين البلديات والمواطنين.

واختتم أبو الحطب مداخلته بالتشديد على أن معالجة الفراغ المؤسسي والانهيار المجتمعي في غزة يتطلب تمكين المجتمع المدني والبُنى القاعدية للقيام بدورها، في ظل تغييب ممنهج للسلطة المركزية، وفي مواجهة مشروع استعماري يهدف إلى تفكيك مرتكزات الدولة والمجتمع الفلسطيني.

خطة طوارئ واضحة ومتكاملة تقوم على تشكيل لجان مساندة مجتمعية من المتطوعين

فيما أكدت السيدة آمال صيام، مديرة مركز شؤون المرأة في غزة، أن التقرير يشدد على أهمية المساءلة والمشاركة المجتمعية التي تبقى ضرورية، في ظل ما يتعلق بإزالة النفايات أو توفير الوقود والأمان للعاملين، الأمر الذي يفوق إمكانيات البلدية بكثير، في ظل غياب الحماية من الاستهداف المباشر لطواقمها.

ودعت صيام إلى توسيع دائرة الشراكة بين البلدية ومؤسسات المجتمع المدني، لا سيما تلك العاملة في حالات الطوارئ، بما يسمح بتوزيع المهام وتبادل الموارد وتعزيز التكامل في تقديم الخدمات. كما اقترحت أن تعمل البلدية على تشكيل لجان مساندة مجتمعية من المتطوعين، قادرة على الوصول إلى مراكز الإيواء والتجمعات السكانية، مؤكدة أن هناك طاقات شبابية كبيرة مستعدة للتطوع رغم الجوع والفقر، ويجب استثمارها في دعم الناس.

وشددت صيام على ضرورة أن تمتلك بلدية غزة خطة طوارئ واضحة ومتكاملة، تستند إلى ما ورد في التقرير من تحديات، وتبني على ما هو متاح من موارد بشرية ومادية، على أن تتضمن رؤية واضحة لموضوع الإيواء المؤقت. واعتبرت أن على بلدية غزة، بصفتها من أقدم وأكبر البلديات، أن تقود هذا النموذج ليكون مرجعًا لبقية البلديات في إدارة الأزمات.

فيما اقترح عبد الله شرشرة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أجيال، تطوير نموذج علمي لقياس المساءلة خلال فترات الطوارئ، خاصة في ظل ظروف استثنائية كالإبادة الجماعية التي يشهدها قطاع غزة، معتبرًا أن النماذج التقليدية لقياس الأداء أو المساءلة لا تصلح في مثل هذه السياقات.

وأكد شرشرة أن المجتمع الفلسطيني، بوصفه يعيش تجربة فريدة من نوعها في مواجهة حرب إبادة وتطهير عرقي، يمتلك فرصة لتطوير نموذج عالمي في آليات المساءلة الإنسانية في أوقات الكوارث، داعيًا إلى توثيق هذه التجربة والبناء عليها لخدمة المجتمعات المنكوبة حول العالم.

ودعا ائتلاف أمان إلى تعزيز التكافل والتعاون بين مختلف الفاعلين لدعم بلدية غزة في أداء مهامها، مؤكدًا أن العمل في هذا الظرف ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية وإنسانية.