في تقريره العالمي للمخدرات 2025 الصادر في حزيران، أشار مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن حقبة جديدة من عدم الاستقرار العالمي قد فاقمت التحديات في معالجة مشكلة المخدرات العالمية، حيث ان جماعات الجريمة المنظمة المتورطة في الاتجار بالمخدرات لا تزال قادرة على التكيف، و تستغل الأزمات العالمية وتستهدف الفئات السكانية الأكثر هشاشةً ، وهذا دفع استخدام المخدرات والمؤثرات العقلية إلى مستويات قياسية، وأفاد التقرير انه ومن الضروري أن تستثمر الدول في الوقاية وتعالج الأسباب الجذرية لتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية على امتداد جميع مراحل سلسلة التوريد غير المشروعة. كما يتعين على الدول توظيف التكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز التعاون عبر الحدود، وتوفير سبل عيش بديلة، واتخاذ إجراءات قضائية تستهدف الجهات الفاعلة الرئيسية التي تُدير هذه الشبكات من خلال نهج شامل ومُنسّق، وهذه الإجراءات سوف تؤدي الى تفكيك المنظمات الإجرامية، وترسخ الأمن العالمي، وتقود الى حماية المجتمعات من آفة المخدرات.
هذا نداء من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الى جميع دول العالم لحماية الشعوب من خطر المخدرات، وفي المقابل تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنشر المخدرات بين فئات المجتمع الفلسطيني بكافة الوسائل والطرق وتعمل كذلك على انشاء جماعات الجريمة المنظمة وتدعمها في الاتجار بالمخدرات، وتستغل الأزمات العالمية وتستهدف الشعب الفلسطيني الأعزل بمجموعة من الأسلحة ومنها سلاح المخدرات، وتبتكر أساليب ووسائل جديدة لمحاربته، ترتقي الى مستوى جرائم حرب وتنتهك القانون الدولي الإنساني بشكل سافر وخطير.
ولم يتوقّف الاحتلال الإسرائيلي عن ابتكار أساليب تدمير المجتمع الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، فبالإضافة الى استخدامه المخدرات كسلاح ضد الفلسطينيين، فقد تنوع في استخدام وسائل وادوات أخرى ولا يزال بهدف تدمير الشباب الفلسطيني، وكان من أشهر هذه الجرائم والابتكارات والوسائل ما يلي:
أولا - استخدم المخدرات كسلاح: ان المخدرات وسيلة رئيسية وسلاح فتاك ومدمر، أكدت المعطيات الحديثة أنها لا تقل خطورة عن أسلحة الموت المختلفة التي تستخدمها قوات الاحتلال في محاربة الشعب الفلسطيني أينما وجد، فعمل على ما يلي :
1- استخدم الاحتلال المخدرات كسلاح في الأشهر الأخيرة، في سبيل ضرب الجبهة الداخلية في غزة، وتدمير الجيل الناشئ من الفلسطينيين، حيث افاد أحد ضباط مكافحة المخدرات في غزة، إن إسرائيل تسارع الوقت لتدمير الشباب في غزة وتكوين جيش من المدمنين، والكميات التي تدخل في اليوم الواحد إلى القطاع بأساليب مختلفة قد تعادل ما كان ينجح الاحتلال في تمريره في عامين تقريبًا قبل اندلاع الحرب.
وأضاف ان كميات المخدرات التي تدخل الى قطاع غزة هائلة، وأنواعها جديدة وشديدة التأثير وتُسبّب الإدمان، وقد ساهمت بقفزة عالية في أعداد المتعاطين، في ظل غياب التوعية والرقابة، وتأثّرت جهود مكافحة المخدرات بشكل كبير نتيجة استهداف الاحتلال لكافة الطواقم الأمنية.
ومن خلال عمليات الرصد والضبط، تبين أن الاحتلال يُدخل أنواعًا من المخدرات لم يسبق أن أدخلها لغزة من قبل، مثل الأوكسيكودون، الذي يُسبّب الإدمان بعد مرات قليلة من تعاطيه، وله تأثير سلبي على دماغ المتعاطي، بجانب الأنواع المعروفة مثل الترامادول، والحشيش، وحبوب الكبتاجون والإكستاسي، وروتانا، والسعادة، وأنواع أخرى كثيرة، هي بالأساس مسكنات قوية جدًا.
2- أسس الميليشيات والعصابات الإجرامية التي من خلالها حقق مجموعة من الأهداف، فاستغل تلك العصابات للاتجار بالمخدرات واسقاط ضعاف النفوس في شباك المخابرات الإسرائيلية لغايات امنية واستخباراتية، وكلّف الاحتلال الميليشيات الموالية له بتشكيل عصابات أخرى في جميع المناطق ، هدفها ضخ كميات ضخمة من المخدرات إلى كافة مناطق القطاع، انطلاقًا من رفح وحتى الشمال، ومن بين هذه الميليشيات ، جماعة ( أبو شباب) ، التي باتت المورد والمروّج الأكبر للمخدرات في القطاع، والتي تنقل المخدرات من الاحتلال مباشرة إلى مئات التجار، وتضخ كميات كبيرة منها بهدف أن تكون رخيصة الثمن وسهلة الانتشار، وأن الأسعار المنخفضة للمخدرات ساهمت في رواجها، وباتت تأتي تحت العديد من المسميات المضللة، كحبوب لتحسين المزاج، أو زيادة التحمُّل في العمل، أو حبوب تزيد الطاقة. وكل هذا بحسب مخطط وتوجيه من ضباط المخابرات الإسرائيليين، الذين يستهدفون الشباب الفلسطيني في غزة بطرق خبيثة.
3- استخدم المسيرات (كواد كابتر) لنقل المخدرات من مصر الى غزة، لإغراق المجتمع الغزي بالمخدرات للقضاء عليه، حيث ان جزءاً من هذه المسيّرات يسقط في المناطق الشرقية من مدينة رفح وتحديداً حي الشوكة وأبو حلاوة وزلاطة وصوفا وحي النصر، وهي مناطق تنشط فيها مجموعات ياسر أبو شباب، المتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
4- استخدام طرق جديدة ومختلفة لتمرير المخدرات الى قطاع غزة، حيث عمل الاحتلال الإسرائيلي على تهريبها لتجار متعاونين معه أمنيًا من خلال البضائع التي كانت تدخل من المعابر الإسرائيلية وكانت هذه وسيلة فعّالة بالنسبة للاحتلال، ومع اغلاق المعابر، بدأ الاحتلال بإدخال المخدرات بطرق مختلفة، من بينها ما كُشف مؤخرًا من وضع الحبوب المخدّرة داخل الطحين، والذي يهدف من خلاله إلى نشر هذه المخدرات على أوسع نطاق، سواء في التعاطي أو الترويج، وطرق أخرى أكثر تعقيدًا مثل استخدام الدرونات كواد كابتر كما ذكرنا سابقا.
ثانيا - أفشى الاحتلال الإسرائيلي الفلتان الأمني في مناطق متعددة من القطاع، من خلال مساعدة بعض الأشخاص على سرقة ما يدخل الى القطاع من مواد غذائية وطبية محدودة.
ثالثا - نشر الاحتلال الاسرائيلي المجاعة من خلال اغلاق المعابر وعدم السماح للمواد الغذائية بالدخول الى قطاع غزة.
رابعا - خلق الاحتلال الأزمات الواحدة تلو الأخرى، من ازمة الطعام والماء والدواء وحليب الأطفال بالإضافة الى الازمات البيئية، حتى باتت الحياة في غزة في غاية الصعوبة، وأصبحت شتّى أنواع المعاناة جزءًا يوميًا من حياة السكان، الذين بات 70% منهم نازحين.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي من كل ما يقوم به من عبث في المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة الى تفكيك المجتمع بشتى الطرق، وزرع فيه أزمات مزمنة، وهي أزمات في غاية الخطورة، ومقدمة لدفع افراد المجتمع الفلسطيني في غزة الى عالم الجريمة.
خامسا - استخدم الاحتلال افراد الشعب الفلسطيني المدنيين العزل كأهداف لترسانته الحربية للانتقام، من خلال الهجمات غير القانونية والغارات العشوائية ، فكل ساعة نسمع انباء عن قصف وشهداء واصابات لا حصر لها، حيث بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة 60933 شهيدا، من بينهم 18592 من الأطفال و 12400 من النساء، و 4412 من كبار السن و 1411 من الكوادر الطبية و 800 من الكوادر التعليمية و 228 من الصحافة و 203 من العاملين في الاونروا و 113 من الدفاع المدني، بالإضافة الى 11200 من المفقودين ومن بينهم 4700 من النساء والأطفال، وهذه الاعداد مرشحة للارتفاع في كل لحظة.
سادسا – دمر الاحتلال التجمعات السكانية وحول غزة الى ارض محروقة غير صالحة للسكن من خلال تدمير المنازل والبنية التحتية وشبكات الكهرباء وشبكات الصرف الصحي والمدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والحدائق ولوث ابار المياه وغيرها من الفظائع.
ان استهداف المدنيين والبُنى التحتية خرق واضح للقانون الدولي، الذي يفرض على سلطة الاحتلال واجب احترام الأراضي التي تحتلها.
سابعا – استخدم الاحتلال الاسلحة المحرمة دولياً مثل قنابل الفسفور الابيض التي تعمل على احداث خطراً كبيراً يتمثل بإحداث حروق مؤلمة ومعاناة مدى الحياة ويلحق ضرراً فادحاً بالمدنيين.
ثامنا – عدم تطبيق الاحتلال الإسرائيلي لقاعدة التناسب، والتي تحظر هذه القاعدة الهجوم على هدف عسكري يمكن أن يتسبّب في وقوع خسائر في صفوف المدنيين بشكل متوقع، أو غير متناسبة مع الميزة المتوقعة من تدمير الهدف، وإذا بدا أنّ مثل هذا الهجوم سوف يتسبّب في خسائر غير متناسبة في صفوف المدنيين، فيجب تعليقه أو إلغاؤه.
تاسعا- ان الاحتلال الإسرائيلي يمارس جرائم حرب ويتعدى بشكل صارخ وواضح على القوانين الدولية والإنسانية وعلى قوانين الحروب وتتكون قوانين الحرب، المعروفة أيضاً باسم القانون الإنساني الدولي، من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكولَيها الإضافيَين لعام 1977، واتفاقيتَي لاهاي لعامي 1899 و1907، بالإضافة إلى اتفاقيات معينة تتعلق بالأسلحة.
عاشرا - ان الاحتلال الإسرائيلي ومنذ عشرات الأعوام يمارس القمع والتمييز لحقوق السكان، ضمن خمسة فئات على الأقل من الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليين، وفق تقارير حقوقية دولية، تشمل القتل غير المشروع، والتهجير القسري، والاعتقال التعسفي، وإغلاق قطاع غزة والقيود الأخرى غير المبرّرة على التنقل، والاستيطان، إلى جانب السياسات التمييزية التي تضرّ بالفلسطينيين وتُفقدهم الحق في تقرير المصير.
ان الهدف من جميع ما ذكر من جرائم ووسائل وأساليب، ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي هو انتشار الفوضى وخلق بيئة طاردة للحياة عبر زيادة الازمات والمعاناة، وأن الاحتلال يعمل على خلق مشاكل وإطالتها لبروز عصابات إجرامية وتوجيهها لزعزعة الأمن.
ان استغلال سياسة الحصار والتجويع والقتل ضد الشعب الفلسطيني وإدخال المخدرات ضمن مساعدات ومعونات واستخدام المخدرات في توريط الشباب لإسقاطهم وربطهم أمنيا وتكليفهم بمهام تجسسيه وكوسيلة ناعمة في حرب قذرة ضد المدنيين، بالإضافة للجرائم المختلفة والوسائل والأساليب التي يبتكرها، تعدّ جرائم حرب وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني.
يحدث جميع ما ذكر وأفظع من ذلك على مرأى ومسمع من العالم اجمع، العربي والغربي، العالم الذي ينادي بالحرية والمحافظة على حقوق الانسان وعدم المساس بالقانون الدولي، واحترام المواثيق الدولية الخاصة بالحروب من خلال الادانات فقط.
ونحن نقول للعالم اجمع العربي والغربي، ان التصعيد الخطير الذي يمارسه الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين سواء في قطاع غزة او في الضفة الغربية من الجانب العسكري والإنساني وصل إلى مراحله النهائية، وبالتالي لا يتناسب معه نبرة الإدانات فقط، وإنما بحاجة إلى تدخل مباشر وايجاد حلول موضوعية للوضع الحالي.
ولكن وعلى ما يبدو فتلك القوانين لم تشرع للمحافظة على الشعوب المستضعفة، مثل الشعب الفلسطيني، بل للمحافظة على الشعوب القوية، مع الأسف. حيث ان الأمم المتحدة، تقف عاجزة عن إدانة إسرائيل وتحميلها جرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والموثقة بالأدلة الدامغة، وضعف الأمم المتحدة منبعه ان الدول العربية عاجزة وتقوم بدور المشاهد الصامت والدول الغربية هي من تهيمن على الأمم المتحدة وعلى قرارتها التي تتعامل بمعايير مزدوجة.