الجمعة  08 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إلى أن تنتهي الحرب/ بقلم: عبد الله لحلوح

2025-08-08 06:56:47 PM
إلى أن تنتهي الحرب/ بقلم: عبد الله لحلوح
عبد الله لحلوح

في بداية المقتلة، كان الناس أو بعضهم، يسيرون على قاعدة "وما أنا إلا من غزيةَ إن غوت  غويْتُ وإن ترشد غزيةُ أرشُد" ولما طال أمدُ الحرب، استشعرَ الناسُ ملَلًا في أعضائهم، وبدأت الذائقة تضيقُ بالضيق والخناق، فساروا على مبدأ: "اللي بلعب لحاله أحلى له" ولعبنا لحالنا، وتُقنا إلى حلالِنا، وربما لشيءٍ من حرامنا، وبدأت قائمة الممنوعات تنهار مثل سلسلةٍ حجريةٍ  بناها شيخٌ هرِمٌ على سفحِِ جبلٍ، ومع أولِ شتوةٍ خريفيّةٍ، صارت الانهيارات تتلاحق، فلا حمَتِ الأشجارَ من أغنامِ الرعاةِ العابثين، ولا حفظت حدودًا للوارثين، وهذا ما حصلَ تمامًا معنا، إذ إنَّ العصبية الزائدة عن اللزوم، والجلوس الطويل أمام شاشات التلفاز، وخلف أجهزة الذكاء والغباء، وقراءة نشرة المنتجات الممنوعة، والدعوات للخروج والوقوف والدخول والقعود، وتحريم حفلات الأعراس الصاخبة، والأبواق الزاعقة، والزفّات الطاقعة، واحتفالات النجاح بالطلاب الناجحين والراسبين والمقبلين على الرسوب الجزئي، وأعياد الميلاد، وطهور الأولاد، والطشات على ما تبقى من قصاصات الوطن، كل ذلك لم يكن أمرًا جيدًا، لأنه باختصار ( الشغلة طوّلت) ونحن أعمارنا قصيرة، إضافة إلى أن العين بصيرة واليد قصيرة، وكل ذلك لا غبار عليه، طالما أنَّ كلَّ لاعبٍ قرر أن يلعبَ وحده، لكنَّ اللعبَ بدأ يتحول إلى فرقٍ كاملة ومنتخبات وأندية، وكلُّ فريقٍ يريد أن يسدد، حتى صار الأمرُ طبيعيًّا جدًّا، وعادت الحياةُ إلى مجاريها، فالبضائعُ التي كانت مقاطعة أو كنّا نظنّها، عادت بكامل زينتها على رفوف المتاجر، وعاد الناس يبحثون عن أرزاقهم هادئين مطمئنين، وهنا أتوقف عند جدالٍ سمعته اليوم في أحد المحالِّ التجارية.

يقول الزبون الذي لا أعرفه، موجهًا حديثه لصاحب المحل: ليش ما في عندك بضاعة بديلة لهذا الكورنفليكس؟ أنا ما باخذ أي بضاعة.

فردّ عليه صاحب المحل الذي أعرفه: يا زلمة قول يا الله، هسا بدك بضاعة وطنية؟ ما كلنا عارفين إنّك بْتحرث عندهم جوّا، وبتيجي تالي الأسبوع تتخوث عندي. كله زي بعضه، يعني أسكّر المحلّ وأروّح عشان أجيبلك بدائل؟ هذا الموجود" انتهى الحوار بدخول عدد من الزبائن مع مرور زفة ( فاردة) رنّانة طنّانة، فالشباب ببدلاتهم الأنيقة، وقاماتهم الرشيقة، يُخرجون نصف الجسد من السيارات الفارهة، ومزامير داود تصيح، والتفحيط والتخميس مع أصوات الموسيقا، والأغاني، وأصوات الموتورات التي تفحُّ فحيحًا ثم تقيءُ أصواتًا منكرة، تملأ بضجيجها الهواء، وفجأةً يتحول أحد سائقي تلك الموتورات إلى شرطيٍّ بيده الأمر والنهي، فيغلق الشارع حتى يلتحق الموكب ببعضه، وحتى تصل سيارة العرسان إلى المقدمة، وأمامها سيارة المصور الذي يتعربش على مؤخرتها ليظفر بما لم يظفر به الأولون والآخرون، وهذا المشهد لا أظنه نادرًا، أو حالة فردية، ففي كل يوم، وخاصة في مثل هذا اليوم المبارك، فالجُمعةُ تجمعُ الملائكة والشياطين معًا، وتزفهم إلى شوارع المدينة، وللمشاةِ الكسالى على الأرضِ ربٌّ يحميهم.

الظروف الصعبة والقاسية على كلِّ الأصعدة؛ سياسيّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، لا توقف دولاب الحياة، ولا يجب أن نسمح لها أن تفعل، فالحياة تسير، وشعبنا ولّادٌ للحلول، قادرٌ على اختراق جدرانِ الموت والصمت، ولا شكَّ أنه من أكثر الشعوب التوّاقةِ للحياة، ولكنَّ الحياةَ مع الحياء، وبدون الأخير، نكون كشجرةٍ فقدت لحاءَها، ولا نحبُّ أن نكون أُمّةً فقدت حياءَها. على الأقل، إلى أن تنتهي الحرب.