الخميس  14 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ثمين دوابشة ليس الأخير| بقلم: عصام بكر

2025-08-14 09:08:44 AM
ثمين دوابشة ليس الأخير| بقلم: عصام بكر
عصام بكر

الى اقصى الجنوب من محافظة نابلس تقع قرية مادما التي كانت مسرحا لاعتداءات جديدة نفذها سوائب المستوطنين وراح ضحيتها هذه المرة المواطن ثمين خليل رضا دوابشة 35 عاما بعد قيام المستوطنين باطلاق النار عليه بشكل مباشر واصيب كذلك عدد من المواطنين تم نقلهم الى المشافي لتلقي العلاج ما جرى يعيد الى الاذهان الاعتداءات المتكررة والمتصاعدة في قرى الريف الشرقي لمحافظة رام الله والبيرة، والاغوار وعلى امتداد التجمعات البدوية وصولا الى مسافر يطا جنوبا، والشهيد الهذالين الذي كان هو الاخر ضحية للقتل على يد المستوطنين قبل عدة ايام، وشهداء المزرعة الشرقية، وكفر مالك، المغير وعشرات القرى التي تستباح يوميا ضمن ارهاب المستوطنين في الاراضي الفلسطينية المحتلة، 10 شهداء سقطوا منذ بداية العام برصاص المستوطنين بحسب ما وثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فيما ارتفع العدد الى 30 شهيدا منذ اكتوبر 2023 وقد بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية خلال تلك الفترة 1014 شهيدا، وما يزيد عن 7000 جريح اضافة الى 18500 حالة اعتقال هذا فقط للتذكير لكن ما هو مهم هنا انه يعكس حجم وطبيعة وانتشار ما تنفذه عصابات المستوطنين في الضفة الغربية ضمن حملات منظمة مركبة وممنهجة حيث يمارسون اعمال بناء وتجريف، منع المزارعين من الوصول لحقولهم ومزروعاتهم، تشيد البؤر الاستيطانية والرعوية، وسلسلة اخرى طويلة من اغلاق الطرق ومهاجمة القرى والبيوت القربية من الطرق الالتفافية وغيرها الكثير وهي بمجملها ممارسات تؤكد التوصيف الدقيق بأن هذه العصابات المتطرفة تغذيها ايدولوجيا تسعى الى تطهير الارض عرقيا من اصحابها، وانها تحولت منذ سنوات خصوصا بعد صعود حكومة نتنياهو لسدة الحكم في اسرائيل الى ذراع ضارب (مومأسس) يملك كامل الصلاحيات والنفوذ والهياكل، ويمتلك قوة منظمة تقودها بشكل مباشر وعلني وتمدها بالتسليح والمال، والغطاء السياسي حكومة الحرب بل ان الحكومة ذاتها من يقودها هم غلاة التطرف والعنصرية وهم الركن الاهم فيها، وبامكانهم اسقاطها وتقرير مصيرها كونهم يملكون الاغلبية في الكنيست ايضا وهم يقروا القوانين والتشريعات ضمن مخططات واضحة لتكريس الامر الواقع في القدس والحديث المتزايد عن بناء الهيكل المزعوم فيها او بناء مملكة (يهودا والسامرة) وانهاء الوجود الفلسطيني  .

الشهيد دوابشة احد ضحايا الاحتلال ومستوطنيه في دوما القرية الصغيرة التي تقع الى الشمال من المغير وقرى رام الله الى جانب جالود وقصرة غربا، تحتل القرية مكانة عالية في معدلات الاستهداف مع مثيلاتها من عشرات القرى لكنها تتمتع بخاصية لما جرى فيها قبل نحو 10 سنوات مع عائلة دوابشة، واحراق المنزل في الاعتداء الهمجي الشهير الذي راحت ضحيته رهام دوابشة ورضيعها علي تلك الجريمة التي هزت في حينه الرأي العام المحلي والعالمي، وحملت مؤشرا على مدى الخطورة الكامنة في الاعتدءات التي يقوم بها المستوطنون في الاراضي الفلسطينية ووصولها الى خطوط من شأنها ان تشكل تهديدا للوجود الفلسطيني فيما حذرت مؤسسات حقوقية حينها من مغبة وامكانية تكرارها على نطاق اوسع باعتبارها مجرد "بروفا" او مقدمة لحملات اشد انتشارا وضراوة ثم توالت فعلا الهجمات لتسجل ارقاما مخيفة باتت تتكرر بشكل شبه يومي في معظم المحافظات ولا يكاد يمر يوم دون هجوم او خط شعارات عنصرية او احراق ممتلكات للمواطنين في الضفة الغربية فالشهيد ثمين اليوم في دوما هو شهيد اخر لعنف المستوطنين المتواصل لكنه للاسف لن يكون الاخير امام مخططات يجري اعدادها والعمل عليها بهدف اجبار المواطنين على الرحيل ضمن المسعى القائم للتهجير القسري الذي تتبناه حكومة الاحتلال كما اسلفنا بل هو في قلب برنامجها ضمن هدف تصفية القضية الوطنية برمتها والاجهاز على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني التي تكفلها قرارات الشرعية الدولية .

بات المطلوب اليوم اعادة نظر عميقة بما يجري قبل فوات الاوان في اشكال الحماية والعمل الشعبي، وتوفير الامكانات اللازمة للقرى والبلدات ضمن خطة وطنية شاملة لتعزيز الصمود في القرى والارياف والدفاع عنها بكل الزخم المتاح وعدم الانتظار حتى يقوموا بتنفذ مخططاتهم الخبيثة في تكرار سيناريو العام 1948 اليوم الخطر داهم محدق  حقيقي نراه امام اعيننا ولا يمكن استمرار التغاضي عنه او انكار وجوده والتقليل من مخاطره - اليوم الكل الوطني في دائرة الاستهداف المباشر للترحيل القسري وضرب الوجود الفلسطيني على الارض- مطلوب تحرك سياسي واسع واتخاذ اجراءات دولية ملموسة في ظل الحديث عن الاجتماع الاممي المزمع عقده الشهر المقبل وخطاب الرئيس المرتقب في الامم المتحدة لماذا لا يتم الطلب مباشرة اصدار قرار بوضع المستوطنين على قائمة الارهاب واعلانهم جماعات مارقة خارجة عن القانون الدولي، واعداد قوائم ليتم اعتقالهم على اساسها في دول العالم؟ ولماذا لا يتم وضع خطة حكومية شاملة لمد القرى البلدات بكل مقومات في مواجهة مشاريع الترحيل رغم الامكانات المحدودة والازمة المالية التي تعيشها السلطة؟ ولماذا لا يتم العمل على استراتيجية شعبية واضحة لاستنهاض عوامل الدفاع عن القرى؟ اذ بدون ان يكون هناك تحرك جدي وفاعل للاسف ليس فقط ستستمر هذه الاعتداءات بل ستكون اكثر شراسة واتساعا على الكل الوطني تحمل المسؤولية كاملة تجاه ما يجري كي لا نبقى في دائرة ردود الفعل الغاضبة والتصريحات والبيانات المنددة والتوصيفات، العمل على بناء مقومات الوجود ليس ترفا فكريا للتنظير والحديث الاعلامي وانما بات يحتاج الى خطة مختلفة وادوات عمل مغايرة ومشاركة جماعية اعلى، ومستوى تنسيق اكثر وضوحا وتوافقا العمل على اعادة الاعتبار للارادة الشعبية والمبادرات، ونظام العمل الشمولي للمواجهة وان لا تقتصر ردود الفعل على القرى المستهدفة او المحافظة التي تشهد اعتداءات مطلوب العمل على تحويل القرى والبلدات والريف الى خطوط مواجهة باعادة الحس الجمعي بين الناس على قاعدة ان الترحيل لن يتم وان شعب قدم كل هذه التضحيات لا يمكن ان يتم اقتلاعه بخطة الحسم او الضم او صيغ يريدها الاحتلال  .

الشهيد دوابشة اليوم من سيكون غدا!! هذا هو السؤال الذي علينا تفادي وقوعه لكي لا يكون هناك مرة قادمة من خلال السهر واليقظة، ولجان الحماية الشعبية ممنوع علينا جميعا ان نغفل لحظة واحدة عن الدفاع عن قرانا وعرضنا وارضنا كي لا يكون اعتداء قادم في قرية اخرى علينا الانتقال للمبادرة واتقان استخدام المبادرات الشعبية الخلاقة، وشعبنا غني بتجارب واسعة وراسخة في الوجدان على مدار سنين طويلة عندها فقط يمكن ان يتحرك العالم والمجتمع الدولي الذي ما زال غافلا عن ابادة جماعية في غزة ولم يحرك ساكنا لحماية اهلها علينا افشال نموذج عصابات المستوطنين، واذا ارادوا صب الزيت على النار لماذا لا نكون نحن الحريق ذاته .