الحدث العربي الدولي
أقالت وزارة الخارجية الأميركية كبير مسؤولي الإعلام لديها لشؤون "إسرائيل" والفلسطينيين، شاهِد قريشي، بعد خلافات داخلية حول قضايا محورية في سياسة إدارة ترامب، من بينها خطة التهجير التي تتحدث عن تهجير مئات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة. صحيفة واشنطن بوست كشفت الأمر استنادًا إلى مصادر أميركية ووثائق داخلية.
بحسب التقرير، جاء قرار الإقالة يوم الإثنين الماضي، بعد أيام من سجال داخلي حول مسودة بيان أعدّه قريشي، تضمّن جملة تقول: “نحن لا ندعم الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة”. غير أن مسؤولين بارزين في الخارجية الأميركية اعترضوا وأمروا بحذفها، على الرغم من أنها لا تتناقض مع تصريحات سابقة للرئيس ترامب ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف وِيتكوف، اللذين أعلنا أن واشنطن لا تعتزم تنفيذ “خطة الإخلاء” في غزة. مصادر في الخارجية أوضحت أن القرار يشكّل رسالة لبقية الموظفين بأن أي خروج عن خطاب مؤيد لإسرائيل لن يُسمح به، حتى لو انسجم مع مواقف أميركية راسخة منذ عقود.
قريشي نفسه أكد للصحيفة أنه لم يُبلَّغ بسبب رسمي لإقالته، باعتباره موظفًا متعاقدًا لا يحق له الاعتراض، مشيرًا إلى أن هذه الحادثة تثير أسئلة مقلقة حول موقف الخارجية من أي احتمال لتهجير الفلسطينيين. وقال: “رغم سجل عملي الجيد وعلاقاتي المهنية الوثيقة مع زملائي، لم أنجُ من هذه الخلافات”.
الخلافات لم تتوقف عند هذه النقطة. فقد دار جدل آخر أوائل الشهر الجاري بشأن اغتيال الصحفي في قناة الجزيرة أنس الشريف وعدد من زملائه بغزة على يد جيش الاحتلال. "إسرائيل" زعمت أن الشريف ناشط في حماس، وهو ما نفته الجزيرة. بينما اقترح قريشي أن تُصدر الخارجية بيان تعزية لعائلات الضحايا، رفض مسؤولون رفيعون قائلين: “لا داعي لرد، لا يمكننا تقديم تعازٍ إذا لم نكن واثقين من نشاط الشخص المعني”.
التقرير أشار أيضًا إلى صراعه مع ديفيد ميلشتاين، المستشار الأقدم للسفير الأميركي لدى "إسرائيل" مايك هاكابي. ميلشتاين، المعروف بقربه من المسؤولين الإسرائيليين، حاول مرارًا التأثير على صياغة البيانات الرسمية لتتماهى مع الموقف الإسرائيلي، بما في ذلك دفع الخارجية لاستخدام مصطلح “يهودا والسامرة” بدل “الضفة الغربية”. هذا التوجه أثار اعتراض دبلوماسيين أميركيين في أوروبا والشرق الأوسط خشية أن يمنح شرعية للاستيطان والضم المحتمل.
كما عارض قريشي نشر بيان صاغه ميلشتاين، يمدح زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون للمستوطنات في الضفة باعتبارها “خطوة تاريخية”، ونجح في منعه من النشر، مكتفيًا بصياغة تقليدية تستخدم مصطلح “الضفة الغربية”.
الجدل حول التهجير من غزة يكتسب أهمية إضافية بعد تسريبات عن محادثات إسرائيلية مع جنوب السودان لاستيعاب آلاف الفلسطينيين هناك. منتقدو الخطة يعتبرونها تطهيرًا عرقيًا وجريمة حرب، فيما تحاول إسرائيل تسويقها كـ”هجرة طوعية”.
في المقابل، دافع مؤيدو قريشي داخل الخارجية عنه مؤكدين أنه لم يعمل ضد أجندة ترامب، بل كان يحظى عادة بموافقة رؤسائه. وأحدهم أشار إلى أنه هو من كتب تغريدة وزير الخارجية ماركو روبيو الشهيرة: “اجعلوا غزة جميلة مجددًا”، على غرار شعار ترامب الانتخابي. قريشي شدد للصحيفة: “لست معاديًا لترامب، بل استلهمت من خطابه الأخير حول الشرق الأوسط”.
لكن إقالته فتحت نقاشًا أوسع في واشنطن حول حدود حرية التعبير داخل مؤسسات الإدارة، وحول ما إذا كانت وزارة الخارجية قد تحوّلت إلى منصة لتبنّي خطاب أحادي مؤيد لإسرائيل، على حساب لغة دبلوماسية أكثر توازنًا طالما اتبعتها الإدارات السابقة.