الأحد  07 أيلول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الضم الزاحف للضفة: مشروع استعماري يقود إلى مأزق حتمي

2025-09-07 12:34:01 PM
الضم الزاحف للضفة: مشروع استعماري يقود إلى مأزق حتمي
أرشيفية

ترجمة الحدث

يتكشف في الضفة الغربية مسار استعماري متدرج يفرض واقعًا زاحفًا نحو دولة واحدة قسرية بين البحر والنهر. بينما يصرّ الاحتلال على الحفاظ على طابعه اليهودي، تتسارع دينامية مغايرة على الأرض: اندماج عميق بين المنظومة الاستيطانية والضفة الغربية، تآكل متواصل للسلطة الفلسطينية حتى حدود الاضمحلال، وضم فعلي من دون حقوق سياسية للفلسطينيين. هذه المعادلة تضع الكيان أمام استحقاقات ديموغرافية وسياسية لا يمكن تجاهلها، وتفتح الباب لضغوط دولية متزايدة لفرض المساواة.

الضم يحدث يوميًا عبر توسيع المستوطنات، مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، حتى دون إعلان رسمي. وزراء متطرفون، مثل بتسلئيل سموتريتش، يلوّحون بتفكيك السلطة الفلسطينية ويطرحون خططًا لإعادة صياغة “الحمض النووي للضفة الغربية” والوصول إلى “نقطة اللاعودة”. بعض هذه الخطط، وفي مقدمتها “خطة الحسم” التي نُشرت عام 2017، تقوم على ضم نحو 82% من الضفة بما فيها مدن فلسطينية رئيسية كبيت لحم وقلقيلية، وتحويل بقية التجمعات إلى معازل مقطعة الأوصال تشبه “البانتوستانات” في نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.

المضي في هذا المسار يفتح الباب أمام عزلة دولية خانقة. الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية سيجعل أي خطوة ضم بمثابة “سكب البنزين على الجمر”، مع احتمالية فرض عقوبات اقتصادية مباشرة. العلاقات مع العالم العربي مرشحة للاهتزاز أكثر: مصر تخشى من مشاريع تهجير الغزيين إلى سيناء، الأردن يستعد لمواجهة سيناريو ضم الأغوار، والإمارات تحذر من أن اتفاقات أبراهام مهددة بالانهيار.

حتى لدى الاحتلال، التحديات لا تقل خطورة. الضم سيؤدي إلى تصاعد التهديدات الأمنية، وإلى أعباء هائلة مرتبطة بإدارة شؤون ملايين الفلسطينيين قسرًا، فضلًا عن تفاقم العنف الاستيطاني المتصاعد منذ اندلاع الحرب على غزة. كل ذلك يجري في وقت يعاني فيه المجتمع الإسرائيلي من انقسام داخلي عميق، ومن حرب بلا إجماع وطني.

الخط الفاصل بين حزب “الليكود” والتيار الديني الصهيوني يكاد يختفي، فكلاهما يتعامل مع السلطة الفلسطينية كعدو وجودي. ورغم أن التيار الديني الصهيوني أقلية بالكاد تتجاوز نسبة الحسم في أي انتخابات، إلا أنه يفرض أجندته الأيديولوجية على الدولة بأكملها من دون تفويض شعبي أو حساب لعواقب ذلك على علاقاتها الخارجية.

كما حدث في غزة، غياب الاستراتيجية لدى الاحتلال يفسح المجال للأوهام. في الضفة تعود إلى الواجهة فكرة “الإمارات المحلية” عبر شخصيات قبلية أو دينية يجري الترويج لها كبدائل، على غرار روابط القرى في ثمانينيات القرن الماضي. مشاريع من هذا النوع تُواجَه برفض شعبي واسع، وتُنظر إليها كأدوات استعمارية مكشوفة، في الوقت الذي تتكرر فيه محاولات مشابهة في غزة من خلال دعم مليشيات قبلية بديلة.

الرهان الإسرائيلي على إمكانية تجاوز القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع العرب دون حل سياسي أثبت فشله. أحداث 7 أكتوبر كشفت بوضوح أن تجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية ليس خيارًا قابلًا للاستمرار. ومع ذلك، تستمر القيادة الإسرائيلية في النهج ذاته، من دون مراجعة ولا تصحيح، بل عبر إعادة إنتاج الأخطاء وتعميقها.

المشهد الراهن يؤكد أن مشروع الضم الزاحف لا يقود إلى حسم الصراع، بل إلى مأزق تاريخي مزدوج: عزلة دولية خانقة وانفجار داخلي متواصل، فيما تبقى القضية الفلسطينية حاضرة كجوهر الصراع، لا يمكن الالتفاف عليها أو تجاوزها.