الأربعاء  01 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الدولة الفلسطينية على مسارٍ جديد| بقلم: نبيل عمرو

2025-10-01 06:20:15 AM
الدولة الفلسطينية على مسارٍ جديد| بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

انتقلت القضية الفلسطينية من حالة استعصاء الحل حدّ الاستحالة، إلى حالة بلورة إجماعٍ سياسيٍ كوني على حتمية حلها وفي أقرب وقتٍ ممكن ليس من قبيل التضامن مع شعبها وحقوقه فقط، وإنما ليقينٍ جماعي بأن استقرار الشرق الأوسط والمصالح الدولية المتجمعة فيه، تتطلب حلاً جذرياً للقضية الفلسطينية، بعد أن ثبت للعالم أن عدم حلها هو المفاعل النشط لإنتاج الحروب والاضطرابات في المنطقة كلها.

تجلّى ذلك في موجة الاعترافات المسبقة بالدولة الفلسطينية قبل قيامها على الأرض، وهي اعترافاتٌ شملت أكثر من تسعة أعشار دول العالم، أمّا الذين لم يعترفوا بعد، فهم ليسوا ضد قيام الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ وإنما لديهم تحفظاتٌ على التوقيت.

من المصطلحات السطحية والفارغة من المضمون السياسي، وصف هذا الاجماع النادر على أنه عملٌ رمزي، أي أنه مجرد تظاهرة تضامنٍ إعلامي، لا تقدّم ولا تؤخر في أمر قيام الدولة، وما تلبث أن تتلاشى مع الزمن.

عرّاب هذه السطحية المفرطة هي إسرائيل، ومن يتماهى معها من الديبلوماسيين الأمريكيين وغيرهم، التي دأبت وما تزال على إغلاق كل الأبواب والنوافذ، أمام قيام دولة الفلسطينيين على أرضهم، وخوفها الشديد من الاعترافات سببه أن تقوم الدولة الفلسطينية بذات المسار الذي قامت به الدولة العبرية، وإن بعد تأخرٍ دام عقود.

منذ أعلن الفلسطينيون عن دولتهم كهدفٍ لكفاحهم وتضحياتهم، وعلى مدىً زمنيٍ طويل كانت معادلة القوة والتأثير الفعلي في الواقع، تشير إلى استحالة قيام الدولة، حتى أن الرئيس بايدن في آخر زيارةٍ له إلى مدينة بيت لحم، أعلن عن تفهمه لحق الفلسطينيين في دولة، ولكنه أبدى حزنه وأسفه على أن هذه الدولة المنشودة لن تقوم لا على المدى البعيد ولا الأبعد، كما لو أنه يخفف إيقاع الكلمات من المستحيل المباشر إلى الصعب الأقرب إلى المستحيل.

الذي يحدث الآن هو انزياحٌ تاريخيٌ في المعادلة الدولية، ليس فقط لمصلحة إجماعٍ على مبدأ قيام الدولة، وإنما للدخول في جهودٍ منسقةٍ لتمكينها من أن تقوم فعلاً. وإذا كانت إسرائيل تحارب وإن بصعوبة لإظهار أن كل هذا الذي حدث مجرد عملٍ رمزيٍ لا قيمة له، فاللوم كل اللوم يقع على أولئك الذين بحسن نيةٍ يشاطرونها تقويم ما يحدث، مكررين مقولتها بأنه مجرد ظاهرةٍ رمزية.

المؤشرات التي حملتها الاعترافات تقول، إن العالم لا يتضامن مع أشباح لا وجود لهم، ولا يعترف بدولةٍ يرى أن قيامها مستحيل، أو كأنه وهم، إن دول العالم تتخذ قراراتها على ضوء حساباتٍ ماديةٍ بحتة، وهذه الدول التي اعترفت وحتى التي أجّلت اعترافها حسبت الأمور جيداً، واختزلت الأمر بجملةٍ مفيدة تحمل كل المعاني تقول، بدون دولةٍ فلسطينيةٍ تقوم على أرضها فلا أمل باستقرارٍ ليومٍ واحدٍ في الشرق الأوسط والعالم، فهل هذا مجرد عملٍ رمزي؟

الخلاصة.. ذلك كله ومع قوة مدلولاته لا يعني أن دولتنا سوف تقوم بصورةٍ تلقائية، بل إن مهام إقامتها على الأرض تبدو أكثر صعوبةً من إثبات الحق فيها، وهذا ما ينبغي أن يكون أساس عملنا الفلسطيني والعربي في المرحلة القادمة.

إن من لا يستغل حالةً كهذه يكون فرّط بما تحقق له بفعل نضالات شعبه وتضامن العالم معه.