محللون: المشكلة الأساسية أن عقلية التاجر الفلسطيني تدور حول دائرة الشيقل
الحدث- فرح المصري
يجلس الحاج نصيف وحيداً على باب محله يترقب المارة من حوله... يسيرون من أمامه متلمساً دخول أحدهم لعله يكون فاتحة خير له في ذلك اليوم، لكنه يبقى ينتظر طويلاً لعل أحدهم يطرق بابه.
حاملاً في قلبه هماً كبيراً وتساؤلات عن الوضع الاقتصادي لهذا العام، والأمل يصغر شيئاً فشيئاً لديه بأن يكون هذا العيد مقدمة لانتعاش اقتصادي ينتظره على مدار العام، فما زالت القدرة الشرائية لدى المواطنين ضعيفة، وإن شوهدت تكون بهامش ضئيل.
الحاج نصيف برو صاحب محل للأحذية في مدينة رام الله، يقول لـ"الحدث": "والله يا عمي السوق هذا العام سيء جداً، ولا أشعر كتاجر أن هناك عيداً على الأبواب، الحالة واقفة بالمرة، وكل يوم نقول اليوم أحسن، ويأتي اليوم الذي يليه ويكون أسوأ من الذي قبله".
ويتابع الحاج: "العام الماضي كانت الحركة ضعيفة لكن هذا العام الحركة أضعف بكثير، وحركة الأفراد تقل أكثر فأكثر، من الصباح الباكر إلى الآن أجلس أمام المحل وكل ما دخل المحل 80 شيقل فقط، شو بدهم يعملوا؟ الحالة تعبانة والله يكون في عون التجار، الناس كلهم اتجهوا إلى "إسرائيل" يشتروا، شو بدو يقول الواحد غير الحمدلله؟".
التصاريح وأثرها على حركة السوق
من جهته، قال صاحب محل كركر للملابس رامي كركر: "إن إسرائيل لم تقم بإعطاء الفلسطينين تصاريح العام الماضي بسبب حرب غزة، والسوق كان منتعشاً وأفضل من هذا العام بكثير، أما هذا العام، أعطت إسرائيل تصاريح لعدد كبير من الأفراد، ما أدى إلى إضعاف حركة السوق بالبلد، لأن الكل ذهب يتبضّع من "إسرائيل"، وهذا الشيء ليس حباً بالناس، بدهم ينعشوا اقتصادهم".
ويضيف لـ"الحدث": "العيد نهاية الأسبوع، والشوارع فارغة، لا يوجد ناس في الشوارع مثل ذي قبل، يا دوب في النهار نسترزق ساعتين، وأغلب الناس تدخل على المحلات لترى البضاعة بدون ما تشتري، وإذا في حدا بدو يشتري بتشتري يا دوب قطعة، وبضطر التاجر إنه يخفض من أسعار البضائع حتى يجذب الأفراد ما يعود بالخسائر عليه".
ويتابع كركر: "الناس فوق بعضها على حاجز قلنديا، وكله عشان يدخلوا ويشتروا من اليهود، والأمر يضايق لأن حماية المستهلك قبل رمضان يطلبون من التاجر مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وبالآخر يأتي الشعب وبطلع تصاريح وبشتري من اليهود وما بتطلع الخسارة إلا على التاجر إلي بقاطع".
ويلفت إلى أن المشكلة الأكبر عند الأفراد، أنهم يقومون بدفع 200 شيقل على الأقل للتجار الاسرائيلين مقابل قطعة ثيبا واحدة، ويستهجنون دفع نصف المبلغ على القطعة نفسها في رام لله، مع العلم أن التجار اليهود بخرجون البضائع التالفة لديهم.
في الإطار ذاته، يقول صاحب محل للخضار بسام الدلو: "إن وضع الناس سيء هذا العام، ورمضان العام الماضي كان سيء أيضاً، وكل المواطنين لديهم التزامات وديون وقروض، وفي نفس الوقت بدهم "يجخّوا" ويركبوا سيارات ويشترو دور".
ويضيف: "الدنيا رمضان، وما في حركة بتاتاً، القروض والديون دمرت الناس، واليهود قدموا للفلسطينيين تصاريح بشكل ضخم الأمر الذي زاد الطين بلة، والناس بلشوا يتحججوا ويطلعوا من البلد ويشتروا أغراضهم من رامي ليفي والمالحة وغيرها".
في حين رأى سلامة صاحب ملحمة الشعب أن حركة الأفراد وإقبالهم في رمضان على الدواجن واللحوم كانت قوية، فإقبال الناس قوي على اللحوم وما بستغنوا عن اللحمة والدجاج، خاصة أن رمضان مليئ عزايم وكل واحد بعزم الثاني فيعني الحركة جداً قوية هذا العام بالرغم من أن هناك غلاء إلا أنه لم يؤثر على حركة الأفراد، العام الماضي كان الإقبال أفضل بكثير، لكن حتى الآن الحركة تعد جيدة.
وتماثله في الرأي ديانا صاحبة سوبر ماركت زعرور، وتقول: "إن حركة الزبائن وإقبالهم على البقاليات لا تتأثر بشكل عام، سواء في رمضان أو غيره، فالزبائن لدينا نفسهم، والحركة نشيطة، فلدينا مختلف البضائع وهناك البضائع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها".
في السياق ذاته، دعت جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة التجار، وخصوصا تجار الملابس والأحذية إلى مراعاة الوضع الاقتصادي والمعيشي للمستهلك وعدم رفع الأسعار للملابس والأحذية.
وحثت الجمعية على عدم الشراء من الأسواق الإسرائيلية، وعدم الركض وراء الحملات المقدمة في شهر رمضان المبارك لسحب المستهلك الفلسطيني صوب تلك الأسواق، وقالت: "كان المفروض أن تتعاون مع هذه الدعوة الحركة التجارية الفلسطينية وتقوم بخفض الأسعار وتقديم عروض وتنزيلات، إلا أن المؤسف أننا لم نجد تجاوباً من الغالبية العظمى بهذا الاتجاه".
ودعت إلى ضرورة التزام تجار الملابس والأحذية والتجار كافة، بإشهار الأسعار حتى يتمكن المستهلك من المقارنة واختيار ما يناسبه، وطالبتهم بعدم غش المستهلك بحيث يتم طلب سعر عال بالقطعة ويتم التراجع عنه بانخفاض غير منطقي يؤثر على قرار المستهلك بالشراء.
أسباب تراجع القدرة الشرائية
من جهته، قال المحلل الاقتصادي طارق الحاج: "إن القدرة الشرائية للمواطنين تتحسن بناء على اعتماد المواطن الفلسطيني على مدخراته، وليس اعتماداً على دخله لأن القوة والقدرة الشرائية تزيد بناء على زيادة الدخل، والأنفاق يزيد بناء على اعتمادهم على مدخراتهم".
ويضيف لـ"الحدث": "أن مقدرة الأفراد على سداد التزاماتهم ما بعد شهر رمضان والعيد وخاصة فترة المدارس ستنخفض بشكل ملحوظ، الأمر الذي سيقف عائقاً أمام سدادهم للديون المترتبة عليهم، فالأجور لا يوجد فيها زيادة تذكر، والإنفاق في تزايد والدخل الثابت ما يؤدي إلى تراجع المقدرة الشرائية".
ويؤكد الحاج أن هناك عوامل عديدة تؤثر على القدرة الشرائية للمواطن وتختلف من عام لآخر، منها أن أسعار السلع في العالم كله ترتفع، في حين أننا نعتمد على الاستيراد بالتالي نستورد سلع أسعارها مرتفعة، كما أن قيمة تذبذب العملات وسعر الصرف يؤثر على القدرة الشرائية أيضاً، وزيادة اعتمادنا على الاستيراد يخفض انتاجنا المحلي، وأخيراً نمط الحياة والانفاق عند الفلسطينين يزداد سوءاً بمعنى أن إنفاقنا يزداد مع السنوات بدلاً من أن يكون بقدر دخولنا.
عقلية التاجر الفلسطيني تدور بدائرة الشيقل
وأكد أن هناك أثراً سلبياً للتصاريح على إيرادات وأرباح التاجر الفلسطيني، سواء أكان تاجر جملة أو تجزئة، وهذا سببه ليس التصاريح فقط بل عقلية التاجر الفلسطيني التي تدور فقط بدائرة الشيقل، وبالتالي لا يمكن لهذه العقلية أن تنافس عقلية التاجر الإسرئيلي الذي يكتفي بالربح القليل.
وأشار إلى أن التجار اليهود في الأعياد اليهودية يتنافسون على تقديم نسبة خصومات وعروض أكثر من المحل الآخر وتصل العروض لديهم في الأعياد الرسمية إلى 70% في بعض الأحيان، في حين أن التاجر الفلسطيني يقوم باستغلال المواطن في المناسبات والأعياد الرسمية الأمر الذي أدى إلى نفوره وابتعاده عن السوق.