الحدث العربي والدولي
شنّ سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي قبل قليل غارات جوية على معسكرات تدريب ومواقع تخزين أسلحة تابعة لقوة الرضوان في حزب الله بمنطقة البقاع اللبناني، وذلك يوم الإثنين 6 تشرين الأول/أكتوبر 2025، في أحدث تصعيد على الجبهة الشمالية. وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن الضربات استهدفت "بنى تحتية عسكرية ومخازن ذخيرة"، موضحة أن المواقع المستهدفة تضم معسكرات تدريب ومخازن صواريخ وذخائر مرتبطة بهذه القوة الخاصة.
قوة الرضوان: من النشأة إلى قوة نخبوية
تُعتبر قوة الرضوان، التي تحمل اسم القائد العسكري البارز في حزب الله الشهيد عماد مغنية المعروف باللقب الحركي "الحاج رضوان"، وحدة النخبة الأبرز داخل الحزب. نشأت هذه القوة في أعقاب حرب تموز/يوليو 2006 مع الاحتلال الإسرائيلي، التي أظهرت الحاجة إلى وحدات خاصة قادرة على خوض حرب غير تقليدية، وتنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو.
ومع مرور السنوات، تحولت الرضوان إلى رأس الحربة في استراتيجية حزب الله العسكرية. فهي تضم آلاف المقاتلين المدربين على القتال البري وحرب المدن والعمليات الهجومية المباغتة. ويُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها الوحدة المكلّفة بمهام اقتحام الحدود في حال اندلاع مواجهة شاملة مع الاحتلال.

تجربة سوريا: من الحرب ضد داعش إلى تطوير الخبرات
حصلت القوة على خبرة قتالية متقدمة خلال مشاركتها في الحرب السورية، لا سيما في المواجهات ضد تنظيم "داعش" والجماعات المسلحة الأخرى. هناك، خاضت الرضوان معارك معقّدة في بيئات قاسية كجبال القلمون والبادية السورية، ما منح مقاتليها تجربة نادرة في القتال طويل الأمد، والهجوم والدفاع ضمن تضاريس متنوعة.
هذه التجارب ساهمت في تطوير عقيدتها العسكرية، إذ تعلمت القوة أساليب القتال المرن، والانتقال من جبهات مفتوحة إلى أخرى حضرية، واستخدام الأسلحة المتوسطة والمتطورة بالتنسيق مع القوات الحليفة من الجيش السوري والحرس الثوري الإيراني.
دورها بعد "طوفان الأقصى"
مع اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، انخرطت قوة الرضوان في جبهة الجنوب اللبناني بشكل أكبر، حيث نفذت عمليات استهداف لمواقع عسكرية تابعة للاحتلال، وشاركت في إطلاق صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة باتجاه مواقع حيوية.
وقد اعترف قادة الاحتلال في أكثر من مناسبة أن خطر هذه القوة لا يقتصر على القصف، بل يكمن في إمكانية تنفيذ عمليات اقتحام سريعة لشمال فلسطين المحتلة. ولهذا عزّز الاحتلال منذ نهاية 2023 وجوده العسكري على الحدود، ونشر وحدات مدرعة ومشاة تحسباً لأي توغل محتمل من جانب عناصر الرضوان.
نظرة الاحتلال لقوة الرضوان
تعتبر مراكز الأبحاث والدراسات العسكرية في دولة الاحتلال، مثل "معهد دراسات الأمن القومي" (INSS) و"مركز ألما"، أن قوة الرضوان تمثل "الخطر الأكثر إلحاحاً" على أمن الجبهة الشمالية. وتصفها تقارير هذه المراكز بأنها "قوة هجومية عالية التدريب" قادرة على تنفيذ عمليات اقتحام سريعة واحتلال مواقع حساسة داخل المستوطنات والشمال المحتل، وهو سيناريو يعتبره الاحتلال كارثياً على صورته أمام جبهته الداخلية والعالم.
وتؤكد التقديرات العسكرية الإسرائيلية أن امتلاك حزب الله لهذه القوة يغيّر معادلات الردع بشكل جذري، إذ لم يعد الحزب قوة دفاعية فحسب، بل يمتلك أداة هجومية استراتيجية تضع جيش الاحتلال أمام تحديات غير مسبوقة.
استمرار التصعيد وحدود الانفجار
الغارات الأخيرة على البقاع تأتي في لحظة سياسية وعسكرية معقدة. ففي حين تشهد شرم الشيخ مباحثات غير مباشرة بين الاحتلال وحركة حماس برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة، يحاول الاحتلال عبر هذه الضربات توجيه رسالة مزدوجة: أولاً إظهار القدرة على استهداف مراكز قوة حزب الله في العمق اللبناني، وثانياً منع الحزب من توسيع حضوره الميداني على الحدود خلال المفاوضات.
ويشير محللين بأن هذه السياسة لا توقف خطر قوة الرضوان فعلياً، نظراً لانتشارها غير المركزي واعتمادها على أسلوب "القوات المرنة"، ما يجعل تأثير الغارات محدوداً على المدى الاستراتيجي.
منذ عامين، والاحتلال يعيش حالة استنزاف مزدوجة بين جبهة غزة التي لم تهدأ منذ "طوفان الأقصى"، والجبهة الشمالية حيث يواصل حزب الله الضغط عبر عمليات يومية تقريباً. وفي كل ذلك، تبقى قوة الرضوان في صلب المشهد، كأحد أبرز عوامل القلق العسكري والأمني للاحتلال.
حسابات الحرب المقبلة
لا يمكن فصل استهداف معسكرات الرضوان عن استعدادات الاحتلال لأي حرب واسعة قد تندلع، إذ يدرك أن هذه القوة ستكون رأس الحربة في أي هجوم على شمال فلسطين المحتلة. في المقابل، يحرص حزب الله على إبقاء هذه القوة فاعلة ورادعة، باعتبارها رمزاً لقدراته النوعية ورسالة واضحة بأن أي اجتياح أو تصعيد سيُقابل برد أقسى.
ومع استمرار الغارات والتصعيد على الحدود، تزداد المخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة أوسع. فالغارات التي نفذها سلاح الجو قبل قليل ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاستهدافات التي تؤكد أن قوة الرضوان باتت محوراً أساسياً في معادلة الصراع الممتد بين الاحتلال الإسرائيلي ومحور المقاومة منذ حرب 2006 وحتى اليوم.