ترجمة الحدث
اعتبر الكاتب الإسرائيلي روعي شَفِتس في مقالة نشرها بصحيفة هآرتس أن ما يسود "إسرائيل" بعد إعلان انتهاء الحرب وعودة الأسرى هو حالة من الابتهاج الجماعي المصطنع تشبه النشوة أو "الأوفوريا"، كما وصفها. مشهد الناس في الشوارع، بحسبه، يوحي بفرح غامر: وجوه مبتسمة، ضحكات عشوائية، وإحساس بالراحة وكأن البلاد استعادت حياتها الطبيعية. حتى رؤية مروحية عسكرية تهبط في مستشفى "إيخيلوف" أصبحت مدعاة سعادة، وكأنها رمز للنهاية السعيدة.
يقول شفيتس إن العودة الجماعية للأسرى ونهاية الحرب تحولت إلى ما يشبه العيد الوطني غير الرسمي، إذ أدرك الإسرائيليون فجأة أن لا شيء يوازي متعة الاحتفال بالحياة بعد الموت، وأن عمليات الاغتيال التي طالت حسن نصر الله ويحيى السنوار لم تولّد ذات الشعور الإيجابي. فعندما أُعلن رسميًا أنه "لم يعد هناك أسرى أحياء في غزة"، تحولت ملامح مقدمي الأخبار إلى وجوه مضيئة بالفرح، وكأن الجميع تخلص من عبء الكآبة.
لكن هذا الشعور بالنهاية السعيدة، كما يقول الكاتب، تحجبه حقيقة أن جثث جميع الأسرى القتلى لم تُستعد بعد. ومع ذلك، يهيمن المزاج العام القائل إن "كل شيء انتهى"، وإن الوقت قد حان للعودة إلى ما قبل الثامن من أكتوبر: استئناف الرحلات الجوية، عودة السياحة، وتراجع المقاطعات الثقافية والرياضية. ويضيف الكاتب بسخرية أن كثيرين في إسرائيل يعتقدون أن العالم سيعود "ليحبنا كما في السابق، متذكرًا فقط ما فعله بنا الفلسطينيون في 7 أكتوبر".
يستشهد شفيتس بخطاب رئيس المعارضة يائير لَبيد في الكنيست كمثال على هذا الخطاب الإنكاري، إذ قال: "لم يكن هناك إبادة جماعية، ولم تكن هناك نية لتجويع أحد. كانت هناك دولة وجيش يقاتلان في ظروف مستحيلة ضد مسلحين يستخدمون الأطفال دروعًا بشرية". ويعلّق الكاتب أن هذه الكلمات، التي كان يمكن أن تصدر عن الناطق باسم الجيش أو أحد وزراء الحكومة، تُظهر أن جدار الإنكار في إسرائيل لا يزال صامدًا رغم كل التقارير والشهادات عن المجازر.
ويرى شفيتس أن المرحلة المقبلة ستكسر هذا الجدار، فحين تُفتح غزة أمام الصحافة الأجنبية، سيتمكن العالم من رؤية ما حاولت إسرائيل إخفاءه طوال الحرب. سيجول الصحفيون بحرية في الأحياء المدمرة، وسيرون القصص المدفونة تحت الأنقاض، وربما يكتشفون فظائع لم تُعرف بعد، ما سيهزّ الرأي العام العالمي ويقلب الصورة التي تحاول إسرائيل تسويقها.
ويختتم الكاتب بأن الوقت الذي سيبدأ فيه الفلسطينيون دفن جثثهم وإعادة بناء ما تبقى من حياتهم، سيكون هو الوقت الذي ستبدأ فيه الحقيقة بالخروج إلى العلن، وأن أي دعاية إسرائيلية "هاسبارا" لن تستطيع مواجهة ما ستكشفه الكاميرات والحقائق على الأرض. فـ"الطريق الوحيدة للشفاء"، كما كتب، تمر بالاعتراف بما فُعل باسمنا، لأن إنكار الكارثة لا يمحوها، بل يجعلها أكثر حضورًا في ضمير العالم.
