الخميس  16 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف تضع حربًا في حقيبة يدك؟ بقلم: لما عواد

2025-10-15 10:53:58 PM
كيف تضع حربًا في حقيبة يدك؟ بقلم: لما عواد

 

في المطار، تقف امرأة من غزة أمام ميزان الحقائب.

ابتسم الموظف وقال: "الوزن الزائد غير مسموح."

نظرت إليه بهدوءٍ غريب، وقالت:  "لكنني لم أحمل شيئًا معي سوى الحرب".

لم يفهم.  كيف تشرح له أن الحرب لا تُرى، لكنها تثقل؟ أنها تحاول منذ أيام أن تُقفل حقيبتها الصغيرة فلا تنغلق، ففي داخلها أشياء لا تكتب في قوائم السفر:  رائحة بيتٍ سقط ولم يُبنَ من جديد، صوت جارٍ كان يقول صباح الخير ولم يعد، نصف فنجان قهوة على الطاولة ينتظر .

في داخل الحقيبة أيضًا صورٌ مطويّة على عجل، حجر صغير من عتبةٍ نجت من القصف، وشال أمّها الذي لم يُغسل منذ آخر مرة خرجت فيه إلى الشارع تبحث عن الخبز، كل شيء فيها له ظلّ، حتى الحزن له وزن.  

عند نقطة التفتيش، طلبوا منها فتح الحقيبة،  انبعث منها غبار خفيف ورائحة دخان.

 قال الضابط وهو يرتبك: "ما هذا؟"

 أجابت: "هذه بلادي حين كانت على قيد التنفس".

حاولوا مصادرة بعض الأشياء.  قالوا إن الوطن لا يُسمح بإخراجه عبر الحدود، وإن الذاكرة يمكن أن تُخلّ بالنظام العام.  فخبّأت ما تبقّى من صورٍ في جيبها، والخوف في صدرها، وواصلت السير.

في الطائرة، جلست قرب النافذة تحدّق في الغيوم،  أخرجت جواز السفر، فتأملته طويلاً، ثم همست لنفسها: " يقولون إن السفر بداية جديدة، لكن ماذا لو كانت حقيبتي أثقل من العالم؟" حين هبطت في المدينة الأخرى، لم تسأل أحدًا عن الطريق.  

كانت تعرف أن كل طريق سيعيدها إليها إلى غزة التي لا تغادرها حتى لو غادرتها.

ففي كل مرة تحاول أن تسافر، تكتشف أن الحرب سبقتها، واستقرت هناك، في حقيبة يدها الصغيرة.