الخميس  30 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المقاومة كوعي جمعي مرتبط بالسيادة.. ماذا يعني لإسرائيل؟

2025-10-28 12:10:18 PM
المقاومة كوعي جمعي مرتبط بالسيادة.. ماذا يعني لإسرائيل؟
أرشيفية

ترجمة الحدث

قال الخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط حاييم غولوفنتشيتس، في مقالة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، إنّ القضيتين الأكثر إلحاحًا في معادلة الأمن القومي لـ”إسرائيل” اليوم هما نزع سلاح المقاومة في لبنان وقطاع غزة. فعلى الرغم من الحديث الإسرائيلي عن “نجاح” تفكيك محور المقاومة، فإنّ الارتباط بين الساحتين اللبنانية والغزّية أصبح أوثق من أيّ وقت مضى. ويشير إلى أنّ فشل نزع سلاح حزب الله سيقوّض تمامًا إمكانية تنفيذ خطوة مماثلة في غزة، وهو ما يثير قلق المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب.

يقول غولوفنتشيتس إنّ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في نوفمبر 2024، وتشكيل حكومة سلام–عون، بعثا أملًا مؤقتًا بإمكانية إنقاذ الدولة اللبنانية المنهارة. فقد بدت الضربة التي تلقّاها حزب الله آنذاك بمثابة نافذة لإعادة الإعمار ونزع سلاح المقاومة. غير أنّ هذا الأمل ارتبط، بحسب الكاتب، بمشروع دولي قادته الولايات المتحدة والسعودية، من خلال مبعوثَي واشنطن توم باراك ومورغان أورتاغوس، إلى جانب المندوب السعودي يزيد بن فرحان. الأخير، وفق غولوفنتشيتس، بات يتمتّع بنفوذ كبير على رئيس الحكومة نواف سلام الذي أصبح بمثابة “صوت الرياض” في بيروت، خصوصًا في الملفات الاقتصادية والسياسية.

ويضيف أنّ الكارثة الاقتصادية التي خلّفتها الحرب – والتي قُدّرت خسائرها بأكثر من 14 مليار دولار – دفعت القوى الغربية والعربية إلى اعتبار نزع سلاح حزب الله شرطًا أساسيًا لإعادة إعمار لبنان. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مؤتمر الخماسية الذي سعى إلى صياغة تسوية شاملة تضمن الأمن والإعمار في آن واحد. ووفق التفاهمات التي تم التوصّل إليها، تعهّدت “إسرائيل” بالانسحاب من الأراضي اللبنانية حتى فبراير 2025، لكنها فعليًا انسحبت جزئيًا فقط، واحتفظت بخمس نقاط سيطرة استراتيجية تحت غطاء أميركي، ما أوجد واقعًا جديدًا وصفه غولوفنتشيتس بـ”الهدوء المقرون بالاغتيالات” – أي حالة من الهدوء النسبي تتخلّلها عمليات عسكرية إسرائيلية محدودة تكتيكيًا للحفاظ على الردع.

ويرى الكاتب أنّ هذا الوضع المتناقض أدّى إلى تصاعد الغضب في لبنان، إذ يعتبر حزب الله أنّ استمرار الغارات والاغتيالات الإسرائيلية انتهاك مباشر للسيادة اللبنانية، مؤكّدًا أنه رصد أكثر من خمسة آلاف خرق منذ توقيع الاتفاق. ومع ذلك، شهدت البلاد خلال الأشهر الأولى استقرارًا حذرًا سرعان ما تبدّد مع حلول الربيع الماضي، عندما بدأ الحزب يستعيد قدراته العسكرية بدعم إيراني، مع إعادة بناء منظومة القيادة والتسليح. وفي المقابل، حاولت الحكومة اللبنانية الإيحاء بجدّيتها عبر خطوات رمزية، مثل جمع بعض الأسلحة داخل المخيمات الفلسطينية، لكنّ هذه الإجراءات بقيت شكلية ولم تُحدث أيّ تغيير فعلي على الأرض، لتعود حالة الهدوء المؤقت إلى التلاشي.

ويتابع غولوفنتشيتس أنّ المؤسسة العسكرية اللبنانية رفضت الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله رغم قرار الحكومة بتكليفها بمهمة نزع السلاح. فالقائد العام للجيش، رودولف هيكل، رفض تنفيذ القرار، مبرّرًا ذلك بضعف الجيش من جهة، وبالتركيبة الطائفية الشيعية داخله من جهة أخرى. هذا الموقف فجّر توترًا بين رئيس الجمهورية عون ورئيس الحكومة سالم، حتى وصل الأمر إلى حدّ القطيعة بينهما، إذ عرض عون – في لحظة يأس – على “إسرائيل” مفاوضات غير مباشرة مقابل هدنة لشهرين، لكنّ تل أبيب رفضت العرض. وردّت واشنطن بتصعيد نبرتها، رغم تقديمها مساعدات بقيمة 200 مليون دولار للجيش اللبناني خلال العام الجاري.

ويشير الكاتب إلى أنّ العلاقة العضوية بين حزب الله وحركة حماس لم تنقطع رغم سنوات القتال في الساحتين اللبنانية والغزّية، بل تمّ تجديد قنوات التنسيق العسكري والسياسي بينهما بعد عامين من الحرب. ويتابع أنّ قيادة حماس تتابع بقلق التطورات في لبنان، خشية أن تسعى “إسرائيل” إلى تطبيق “النموذج اللبناني” في غزة – أي نزع تدريجي أو جزئي للسلاح عبر اتفاقات دولية. في المقابل، يرى أنّ الحركة تستلهم تجربة حزب الله في الممانعة وترفض أيّ نزع حقيقي للسلاح، وتطرح بدائل شكلية مثل تسليم السلاح إلى جهة عربية، بشرط إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهي شروط يعتبرها الكاتب “غير واقعية” من المنظور الإسرائيلي.

ويخلص غولوفنتشيتس إلى أنّ الخط الفاصل بين لبنان وغزة أصبح أوضح من أيّ وقت مضى، ليس من حيث الجغرافيا بل من حيث الفكرة. فـ”المقاومة” ما تزال العمود الفقري للوعي الجمعي في المنطقة. سواء في حزب الله أو حماس، يبقى السلاح مكوّنًا وجوديًا لا يمكن فصله عن معنى الكرامة والسيادة في الوعي الشعبي، ولذلك يرى أنّ أيّ فشل في نزع سلاح حزب الله سيعني نهاية أيّ رهان على نزع سلاح حماس بالوسائل السياسية. ويختم بالتأكيد أنّه من دون حسم المعركة في لبنان، لا يمكن حسمها في غزة، فالساحتان اللتان حاولت “إسرائيل” فصلهما قسريًا عادت اليوم لتشكّلا كتلة واحدة من المقاومة في وجهها.