الحدث العربي والدولي
تزداد جاذبية شراء تقنيات الأمن السيبراني الإسرائيلية لدى الشركات الإيطالية بعد أن أصدرت الوكالة الوطنية للأمن السيبراني إرشادات جديدة تمنح ما يصل إلى ثماني نقاط إضافية في العطاءات العامة للشركات التي تعتمد مزودين من دول "حليفة"، من بينها "إسرائيل" والولايات المتحدة واليابان.
ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز الأمن الرقمي في إيطاليا ومواءمته مع معايير حلف "الناتو"، لكنه يأتي في وقت تواجه فيه "إسرائيل" اتهامات بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، بينما حمل تقرير أممي بعنوان “غزة: الإبادة الجماعية – جريمة جماعية” إيطاليا جزءا من المسؤولية باعتبارها متواطئة في الإبادة الجماعية.
وفي تموز الماضي، اقترحت "المفوضية الأوروبية" تعليق مشاركة "إسرائيل" في برنامج البحث والابتكار “Horizon Europe” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن إيطاليا وألمانيا عارضتا القرار، ما أبقى وصول تل أبيب إلى نحو 200 مليون يورو من التمويل.
وتستمر في الخلفية قضية شركة “باراغون” الإسرائيلية المتهمة بالتجسس على صحفيين ونشطاء إيطاليين عبر برنامج "Graphite"، ما يعزز الجدل بشأن التعاون التكنولوجي مع "إسرائيل".
وينشأ نظام الحوافز الجديد من القانون رقم 90 لعام 2024، الذي يمثل ركيزة التقرير السنوي للوكالة الوطنية للأمن السيبراني. فبعد ضغط من واشنطن لاستبعاد الصين وروسيا من المناقصات المتصلة بالبنية التحتية الحيوية، كانت حكومة ميلوني قد منحت الامتيازات سابقا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو فقط، مستبعدة "إسرائيل" من قائمة الشركاء المميزين.
لكن الإرشادات الجديدة تعيد إدراج "إسرائيل" ضمن الشركاء المفضلين في مجال الأمن السيبراني، تنفيذا لأمر وزاري صدر في 30 نيسان، بهدف تعزيز صمود البلاد الرقمي وتأمين مشتريات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما يشمل الأجهزة والبرمجيات والخدمات التي تحتاجها الجهات العامة والشركات الاستراتيجية.
وتؤكد الحكومة الإيطالية أن الهدف هو خفض مخاطر سلسلة التوريد وضمان التوافقية التشغيلية مع البنية الرقمية للاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو". وتم إدراج "إسرائيل" بين الشركاء المميزين إلى جانب أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا وسويسرا باعتبارها دولة متعاونة في مجالات البحث والأمن السيبراني.
كما حدد المرسوم التنفيذي معايير "المكافأة" للعروض التي تستخدم تقنيات من دول صديقة، وتشمل برامج مكافحة الفيروسات والمعالجات الدقيقة وكاميرات المراقبة وجدران الحماية وبرامج التحكم بالطائرات المسيرة.
وتطبق هذه الحوافز في المناقصات العامة وفي المؤسسات الخاصة ذات الوظائف الاستراتيجية، من خلال "قائمة المواد" التي تلزم بتتبّع كل مكون برمجي أو مادي، مانحة مزايا عملية للشركات التي تعتمد منتجات إسرائيلية معتمدة. ورغم أن النظام يهدف إلى تعزيز الأمن القومي الرقمي، يحذر محللون من أنه قد يعزز الاعتماد التكنولوجي الخارجي بدلا من دعم استقلالية الصناعة الوطنية.
وفي تقريرها البرلماني لعام 2024، شددت "الوكالة الوطنية للأمن السيبراني" على ضرورة تحقيق توازن بين الابتكار وحماية المصالح الاستراتيجية، لكن التطورات القانونية الأخيرة تشير إلى ميل متزايد نحو تكامل أكبر مع شركاء "الناتو" والاتحاد الأوروبي بدلا من بناء سيادة رقمية حقيقية. ومع تشجيع الحكومة التعاون الثنائي مع "إسرائيل"، يتسع الفارق بين شعار "السيادة الرقمية" والواقع الذي تهيمن عليه تقنيات أجنبية، ما يضع إيطاليا أمام خيار حاسم بين بناء سلسلة إنتاج سيبرانية وطنية مستقلة أو الاعتماد على تحالفات خارجية توفر أمنا سريعا لكنها تحد من حرية القرار على المدى الطويل.
وتكشف الإرشادات الجديدة للوكالة الوطنية للأمن السيبراني عن تعقيد سياسي وأخلاقي متصاعد، إذ تبدو إيطاليا وكأنها تدفع نحو تعزيز التعاون مع شريك متهم بارتكاب جرائم دولية، فيما ترجح كفة المصالح الاقتصادية والدبلوماسية على المسؤولية الأخلاقية. وهكذا يتحول الأمن السيبراني إلى غطاء لسياسة تتجاهل تبعات الحرب على غزة، وتفتح الباب أمام تواطؤ صامت يتناقض مع المبادئ المعلنة لحماية حقوق الإنسان.
