الحدث الإسرائيلي
رغم رغبة الولايات المتحدة والاحتلال في توسيع رقعة التطبيع مع مزيد من الدول العربية والإسلامية، وآخرها إعلان انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات التطبيع، فإن هناك مخاوف بدأت تتكشف أمام الإسرائيليين بشأن هذه الخطوة، على الرغم من العلاقات المباشرة الطويلة بين "تل أبيب" وألماتي.
وأوضح خبير السياسة الدولية وإدارة الأزمات والاتصال الاستراتيجي شاي غال أن إعلان ترامب انضمام كازاخستان لاتفاقيات التطبيع بدا إنجازا دبلوماسيا، لكنه في الواقع مجرد استعراض ووهم جيو-استراتيجي، إذ يرتبط الاحتلال وكازاخستان بعلاقات كاملة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بدءا من زيارات شمعون بيريس عام 2009 وبنيامين نتنياهو عام 2016، ورئيس كازاخستان الذي زار دولة الاحتلال في 1995 و2013، وصولا إلى التعاون في التكنولوجيا والزراعة والطاقة، وتصدير نفط كازاخستان المكرر إلى حيفا، وإطلاق أقمار عاموس الصناعية الإسرائيلية من أراضيها.
وأشار غال، في مقاله بصحيفة "يسرائيل هيوم"، إلى أن هذا السجل الطويل من العلاقات يجعل خطوة التطبيع غير مبررة، وأن الاحتلال أدرك ذلك واختار الصمت، حفاظا على الدبلوماسية وعدم الإحراج.
وأضاف أن هذه الخطوة كشفت عن مشكلة استراتيجية أكبر، حيث تسوق واشنطن حاليا مسارين متوازيين لنظام عالمي جديد.
مساران متوازيان لنظام عالمي جديد
وأوضح أن المسار الأول هو "الممر الأوسط" الذي تقوده تركيا، ويربط الصين بأوروبا عبر كازاخستان وبحر قزوين والقوقاز، ويعتبر بديلا لخط السكك الحديدية العابر لسيبيريا الذي توقف بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، لكنه يستخدم لتوسيع نفوذ أنقرة.
أما المسار الثاني فهو مشروع IMEC، الممر الهندي المتوسطي، الذي يربط الهند والإمارات والسعودية والأردن ودولة الاحتلال وقبرص واليونان بأوروبا عبر شبكة موانئ وسكك حديدية للطاقة والبيانات.
الفرق بين المسارين ليس جغرافيا فحسب، بل أساسي: فالممر الأوسط يهدف لتنويع المسار وليس القوة، بينما IMEC هو تنويع حقيقي وجسر هندي-عربي-متوسطي يمتد من مومباي إلى بيريوس مرورا بالأردن ودولة الاحتلال، ويشكل ركيزة للاستقرار في مواجهة روسيا والصين وتركيا.
وأكد غال أن ضم ترامب كازاخستان، وهي عضو في الاتحاد الأوراسي المرتبط بموسكو، إلى قطار التطبيع تحت "اتفاقيات أبراهام"، طمس التمييز بين المسارين وخلط الرموز بالواقع، وأضعف الرسالة الاستراتيجية الأمريكية.
وأشار إلى أن هناك اعتبارا أمريكيا مباشرا وراء هذه الخطوة، وهو الوصول إلى موارد اليورانيوم والمعادن النادرة في كازاخستان اللازمة للصناعات الأمريكية.
وأضاف أن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 أوقفت مشروع الممر الذي أعلن عنه في نيودلهي قبل شهر، مما أبرز أن IMEC مسار للاستقرار والتطبيع والشراكة الإسرائيلية-السعودية، ويشكل تهديدا مباشرا للمحاور الإقليمية المناوئة.
وأكد أن الحوثيين هاجموا ممرات الشحن في البحر الأحمر، وأبطأوا حركة المرور بشكل كبير في قناة السويس، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين التجاري، فيما استغلت تركيا الفرصة لتقديم ممر بديل "آمن"، في حين قدمت الهند نموذجا معتمدا على التنسيق التكنولوجي والاستخباراتي عبر القارات.
وأضاف غال أن الردع في القرن الحادي والعشرين لا يقتصر على الصواريخ، بل على البنية التحتية للاتصالات والطاقة والبيانات، وهو ما يقدمه IMEC.
وأوضح أن مشروع IMEC بدأ ينتقل من مرحلة الرؤية إلى التنفيذ، عبر خطوط سكك حديدية جديدة في الهند والسعودية، وتوسيع موانئ جدة وحيفا، وإطلاق أكبر مشروع للكهرباء تحت الماء في أوروبا، بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 657 مليون يورو.
واختتم غال بالقول إن قمة الطاقة الأخيرة في أثينا شهدت تجديد آلية "3+1" بين دولة الاحتلال واليونان وقبرص والولايات المتحدة، مؤكدا أن السياسة الأمريكية تتحرك بين إدارة الأوهام وإرساء نظام مستقر، وهو تحد صعب الجمع بينهما.
