الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أي مهزلة هذه! بقلم: أنور الخطيب

2015-07-20 01:23:30 AM
أي مهزلة هذه!
بقلم: أنور الخطيب
صورة ارشيفية

 المسلسلات التي ملأت الشاشات خلال شهر رمضان أثبتت بالدليل القاطع أن الفن الدرامي العربي يعاني من فقر مدقع في النصوص والأفكار والإخراج والحوارات. وينطبق عليها التعبير الشامي (لت وعجن).          هنالك أكثر من مسلسل تلفزيوني مأخوذ عن أفلام أجنبية؛ مسلسل تشيلو مأخوذ عن فيلم أمريكي بعنوان (عرض غير لائق)، وإحدى خماسيات (صرخة روح) مأخوذة عن الفيلم ذاته المأخوذ بدوره عن رواية "جاك أنغلهارد" المثير للجدل في طرحه وانتمائه، ومسلسل العراب مأخوذ عن الفيلم الأجنبي الذي يحمل الاسم ذاته. هناك عشرات الروايات العربية القابلة للتحول إلى دراما تلفزيونية، وهناك عشرات الروايات التي فازت بالنسخة العربية لجائزة الرواية العالمية (البوكر) والتي تعالج قضايا على صلة وطيدة بهم الإنسان العربي، وعلى تماس مع هواجسه، لكن المنتجين والمخرجين أغفلوا التراث الروائي العربي، واتجهوا إلى مسلسلات مليئة بالخيانات الزوجية والعبث والتلاعب بوقت المشاهدين، بل إن مسلسل طوق البنات الذي يلعب بطولته النجم رشيد عساف، ويعالج مرحلة الاحتلال الفرنسي لسوريا وما بعد الجلاء، قد سقط في الرتابة والملل والتكرار في المشاهد والحوارات، ومشاهد كثيرة لا يمكن أن توصف إلا بأنها اجترار لحوارات سابقة، وتكرار لمواقف وانفعالات سابقة، وتقود المشاهد إلى حالة (يشد شعره) فيها ويطلق أوصافا صعبة على المخرج والمنتج وكاتب السيناريو والحوار، ويلوم نجوماً لقبولهم بالمستوى الفني المتدني، وقس على ذلك بالنسبة للبقية. أثبت المخرجون العرب أنهم محترفون في إضاعة الوقت و(مط) الحلقة إلى حلقات، والمسلسل إلى أجزاء، ولا يترددون في إدخال شخصيات جديدة في الحلقات الأخيرة لمزيد من التطويل والإسفاف والمتاجرة بأوقات الناس. زمن رمضان وطقوسه وتجمعاته هو الذي يجبر على متابعة أعمال غير جديرة بالمتابعة، وكلها ذكرتني بمقولة المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد الذي أخرج فيلم الرسالة، حين شاهد مسلسلا عربيا من ثلاثين حلقة وقال بأن المسلسل لا يستحق أكثر من عشرين دقيقة. أما برامج الكاميرا الخفية التي انتشرت على التلفزيونات العربية، والتي كان هدفها دب الرعب في قلوب ضيوفها من الفنانين، فهي تؤكد أمرا واحداً: هنالك مال وفير لتوظيفه في أعمال قوية وجادة، فبرنامج (رامز واكل الجو) نموذج للبذخ في الصرف، والنتيجة ليست سوى تهريج وضحك على حالات الخوف والذعر. ولا بأس أن نتذكر برنامج الكاميرا الخفية (فؤش) الذي تم عرضه في رمضان العام الماضي، وقدمه الفنان محمد فؤاد، كمعادل موضوعي لهذه البرامج التافهة، فبرنامج (فؤش) رصد مواقف الفنانين من دولة الكيان الصهيوني، ومشاعرهم تجاه الإسرائيليين، وقد سررت بمواقف الفنانين على اختلاف مستوياتها ومشاعرهم وتصريحاتهم الجريئة في وجه الجنود الإسرائيليين (نحن نكرهكم، أنتم جبناء، كلاب، إرهابيون..) وغيرها من الأوصاف. هذا البرنامج يستحق أن ترفع له القبعات، وقد تم تجنيد البحرية المصرية والطائرات المروحية لإنجاحه، ناهيك عن خفة الدم التي يتمتع بها محمد فؤاد أو الفنانون. لقد افتقر شهر رمضان للمسلسلات التاريخية، في حدود علمي، ويبدو أن المخرجين الكبيرين نجدت أنزور وحاتم علي، لم يوفقا في الحصول على محطات تلفزيونية تقبل بـ(العرض الأول)، أو بمنتجين يستثمرون أموالهم في (التاريخ)، ربما هرباً من المساءلة المذهبية أو العقائدية، أو هربا من سكاكين (داعش) التي أرهبت الفنانين، ومنهم ناصر القصيبي الذي تصدى لسلوك (داعش) وأفكاره بسخرية لاذعة. العالم العربي يضج بالمآسي وبيوت الناس تتعرض للحرق وأولادهم للقتل، والمسلسلات العربية تصور مشاهدها في القصور وتعالج رغبة ثري يعرض مليون دولار لقضاء ليلة مع امرأة متزوجة ليثبت أن باستطاعة المال شراء الحب أيضا، أو تقوم برامج بدفع عشرات الآلاف من الدولارات للفنانة "باريس هيلتون" لتضحك على صراخها ورعبها خوفا من السقوط في البحر. أي مهزلة هذه؟