الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الهجرة والضيف الثقيل / بقلم: أنور الخطيب

هنا نلتقي

2015-08-25 10:56:40 AM
الهجرة والضيف الثقيل / بقلم: أنور الخطيب
صورة ارشيفية
 
العالم يعيش أسوأ ظاهرة نزوح ولجوء منذ تأسيس الأمم المتحدة قبل سبعين عاما، وللأسف، فإن معظم النازحين يأتون من بلدان العالم الثالث. ولو أردنا تحديد تلك الدول لأصابنا الخزي والعار، فمعظمها عربية، وبالتحديد: سوريا، العراق، فلسطين، ليبيا، تونس، السودان، اليمن، الصومال، المغرب، لبنان، يهربون إما من الحرب أو الفقر أو القمع أوالاحتقار، وجميعهم لديهم أحلام بحياة جديدة تنقذهم من بؤسهم، لكنهم قبل وصولهم إلى (بر الأمان) يدفع كثيرون حياتهم وحياة أحبابهم غرقاً أو عطشاً أو جوعاً أو مرضا، كما يدفعون أثماناً أخرى باهظة لا تُرى بالعين المجردة، فهم يلجؤون إلى أساليب الهجرة غير الشرعية والرشاوى والتحايل أو التزوير، ويدفعون أموالا طائلة، ونسبة كبيرة منهم تقضي في البحر غرقاً، أو في البر عطشاً وجوعا وتعباً.
الدول التي يهاجرون إليها لديها قوانين ملزمة تسمح باستقبال اللاجئين والمهاجرين لأسباب إنسانية وسياسية واقتصادية، ولديها إجراءاتها للتأكد من (فقرهم وقمعهم وبؤسهم) والآن دخل معيار جديد، إذ يجب التأكد من أن هذا المهاجر ليس متطرفاً (إرهابياً)، ولديه استعداد للذوبان في المجتمعات الجديدة، وأن يتنازل شيئا فشيئا عن جنسيته وربما، تفضل الدول المضيفة أن ينسى ماضيه ولغته وتاريخه، ليكون (مواطناً صالحاً)، يعيش حسب القوانين.
المهاجرون عادةً ما يرسمون أحلاما وردية ولطيفة لبلد اللجوء، ولا أعني هنا الجمال الطبيعي، إذ يعتقد المهاجر الفلسطيني على سبيل المثال، أن الشعب السويدي أو السويسري أو الدانمركي أو البلجيكي أو الأسترالي أو الكندي، لا همّ له سوى متابعة أخبار القمع والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي البغيض، ويتصوّر المهاجر أو اللاجئ السوري أن العالم يتابع القتل والذبح والتدمير والحرق والصلب والسجن والاعتقال التي يتعرض لها الشعب السوري، ويتوقع المهاجرون من هاتين الدولتين أن يتم استقبالهم بالأحضان، والمواساة والرأفة وكل معاني الإنسانية. وقد يُفاجأ المهاجر أو اللاجئ من مسؤول أو مواطن في بلد الهجرة لا يعرف شيئا عن معاناته أو تاريخه أو ربما الجغرافيا التي حضر منها، وربما تكون لديه معلومات خاطئة أيضا، فالدعاية الصهيونية بالنسبة للفلسطيني أنه إرهابي وغير متحضّر ومتوحّش، ويطلق الصواريخ بشكل عشوائي على المدنيين (الحلوين الآمنين في بيوتهم)، ويبذل الفلسطيني جهداً فكرياً وعصبياً كبيرا ليتمكن من زحزحة الفكرة النمطية التي بثتها الدعاية العدوة. وقد تكون القضية السورية أوضح قليلا، لأن وسائل الإعلام غطتها بشكل جيد، إلى درجة أصبح لدى الشعوب الغربية قناعة بأن المسلمين إرهابيين يؤمنون بالذبح والقتل والاغتصاب للتقرّب إلى الله!
المهاجرون حين يصلون بلاد المهجر والغربة وتستقبلهم السلطات وفق قوانينها وإجراءاتها وإمكانياتها الاقتصادية، يشعرون بالإحباط في أول الأمر، لأنهم يحصلون على طعامعم وشرابهم بالحصص و(الكوبونات)، ويسكنون في معسكرات اللجوء، وقد يستمر هذا الحال شهوراً قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى، ينال فيها المهاجر (شرف) القبول به لاجئا رسمياً.
وعلى الرغم مما تقدمه هذه الدول المضيفة، (على الأقل ما تقدمه لا يتوفّر في بلاد المهاجرين واللاجئين من أمن واحترام وسلام)، فإن كثيرين ينتقدون سوء المعاملة، والظروف الصعبة وغيرها)، وسوء المعاملة هنا مصطلح نسبي في الغرب.
أريد أن أقول أن الدول العربية صنعت من مواطنيها متسولين ووقحين، فأنا لا أرى المهاجر الذي يغادر وطنه طواعيةً، وبأسلوب غير شرعي، سوى رجل يقتحم بيت رجل آخر ويطلب منه إيواءه بالقوة، بل ويشترط عليه نوع الطعام واللباس ومصروف الجيب وغيره! وهذا ما يشعر به معظم مواطني الدول التي يلجأ إليها العرب، وكثيرا ما عبروا عن رفضهم للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، لأنهم يشكلون عبئا وعالة على بلادهم، لكنهم يصمتون، فقوانين بلادهم تسمح باستقبال المهاجرين واللاجئين لأسباب إنسانية وأمنية واقتصادية، واللاجئون يستغلون هذه القوانين.
المأساة الكبرى تكمن في أن أفواج اللاجئين في ازدياد، جراء سوء الأحوال السياسية والأمنية والاقتصادية. صحيح أن بعض السياسات الغربية كانت السبب في خلق هذه المشكلة، عن طريق دعمها للطغاة ثم انقلابها عليهم فجأة، وعن طريق دعمها للإرهابيين للتخلص من بعض الأنظمة، ثم انقلابها عليهم فجأة ترى، لكن الشعوب العربية في النهاية هي التي سمحت للدكتاتوريين (بطول العمر)، وهي التي طالبت بالتدخل الأجنبي في بلادها.
ترى، متى ستتوقف هذه الشعوب عن طرق أبواب الآخرين والطلب منهم استضافتهم بالقوة؟