الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الأمومة عبادة بقلم: نور عودة

وعلامةُ رَفْعِهِ الفِكرَة

2015-09-07 12:45:53 PM
الأمومة عبادة
بقلم: نور عودة
صورة ارشيفية

 بعد ولادة أخيه يوسف بيومين، طلب ابني ياسر مني أن يكون مقالي القادم عن الأمومة ومتطلباتها. ورغم وجود كثير من الأحداث السياسية والاجتماعية التي تستدعي الكتابة والنقاش، إلا أنني آثرت أن ألبي طلب ياسر وأن أستعرض جزءاً يسيراً مما دار ويدور في ذهني فيما يخص هذه التجربة الروحانية والمسؤولية العظيمة التي سأمضي حياتي وأنا أسعى لتوليها بما يليق بأبنائي ومحبتهم في قلبي. هذا المقال لك يا ياسر، يا أول الفرح وقرة العين... 

الأمومة علاقة روحانية تقترب من العبادة المستمرة فهي نمط حياة والتزام يستمر طوال العمر ويتطلب إيمانا راسخاً بسمو المهمة وأهميتها. والأم الفلسطينية تحظى بهذا الشرف مع ما يرافقه من مسؤوليات ومفارقات خاصة بواقعنا المرير تحت الاحتلال. فالمتغيرات في حياتنا كثيرة والاحداث والحيثيات الخارجة عن سيطرتنا تفوق كل ما هو مقبول ومحتمل.


لكني أرفض كلام الشعارات الذي اعتدنا أن يساق عن الأم الفلسطينية واستعدادها للتضحية بفلذات أكبادها فداءً للوطن. نحن نحرس أبناءنا من تيار الهواء حتى لا يزعجهم ونسهر على راحتهم وتنمية عقولهم لا لتقديمهم على مذبح المزايدات السياسية بل حتى نراهم كبروا واستعدوا لعطاء وابداع يمتد عمراً كاملاً، خدمة لوطن نحبه حب الأم لأولادها ولقضية تعيش فينا أينما كنا. 

حبيبي ياسر، مرت عشر سنوات منذ ان بدأت مشوار أمومتي الأول معك. اعرف يا حبيبي أنني تعلمت منك بقدر ما علمتك في هذه السنوات وأتطلع لعمر يمتد أمامي من التجارب والدروس والعبر معك ومع أخيك الصغير يوسف. 

مهمتنا كأمهات وآباء أن نرعى فيكم حب المعرفة والثقة والحرية في الفكر والخيارات. مهمتنا أن نرى أبناءنا كما نراك اليوم، قوياً، مبدعاً، حراً؛ تستكشف الحياة بثقة وتبحث عن الإجابات لأسئلتك المثيرة دون أن تسلم أو تستسلم لقوالب فكرية ومعرفية وضعها غيرك واكتفى بها.

أريد لك ولأخيك أن تحققا النجاح كما يرسمه طموحكما وأن تيقنا أن الاحباط عدو الروح ووصفة المنهزمين. عيشوا بذات الإصرار الذي يدفع الطفل للوقوف والمشي رغم التعثر والوقوع ولا تستسلما لحاجز أو عائق في طريقكما لأنكما، وقد ولدتما فلسطينيين، تحملان من الإرادة والوعي الجمعي ما يكفي لهزيمة كل الحواجز والجدران. 
كونا أحرارا وتسلحا بالمعرفة، رافضين بذلك كل أنواع الوصاية الفكرية والايديولوجية فلا تسلموا علاقتكم بالله للدجالين الذين يدعون الوساطة بين الله والبشر واعلما أن الله محبة ومودة وأن العلاقة معه هي ملك قلوبكم وعقولكم ومنطقكم السليم.  لا تلتفتا لغمامة السواد والجهل التي تغطي محيطنا وتحديا بشجاعة المفاهيم المريضة التي تجتاح واقعنا فتجعل من رفض الآخر وادعاء امتلاك الحقيقة عنواناً لدمار إرثنا الثقافي والحضاري كعرب ومسلمين. واعلما أن الأيادي التي تفجر وتهدم الآثار الشاهدة على تاريخنا هي أيادي إجرام وأدوات تجهيل يراد لها أن تمحي من وعينا الجمعي تاريخاً عريقاً وأن تحولنا إلى مجموعات من الأشباح بلا تاريخ ومستقبل.

ياسر.... أنت الآن فتى يكبر ليصبح رجلاً جميلاً بروحه وعقله وبعد سنوات، سيخطو يوسف ذات الخطوات ليصبح هو الآخر رجلاً جميلاً في مجتمع قلما يكافئ جمال الروح وما أكثر ما يحارب العقل. الرجولة هي الكرم في الأخلاق والصدق في التعامل والنزاهة في كل التصرفات. لا تكترث لمفايهم "الشطارة" التي ألبست الناس أقنعة من التحضر يظهرونها حتى ينالوا ما يريدون ويمزقونها وقتما شاءوا. الرجولة هي الشجاعة لقول الحق وفعل الصحيح حتى في زمن العوج. الرجولة هي النضج في المشاعر والثقة بالنفس واليقين أن لا آمر ومأمور في العلاقة بين الرجل والمرأة لأن هذه العلاقة لا يمكن أن تكون سوية إلا اذا بنيت على التكامل والتناغم والاحترام المتبادل.

أريد لكما أن تسعيا للعلم والمعرفة بنهم وشغف لتدركا أن علامة العلم هي التواضع وأن الغرور من شيم مدعي المعرفة وأولئك الذين لا يحترمون عقول الآخرين. تسلحا بالتواضع إذاً فهو من علامات المتنورين. كونا فخورين بحسبكما ونسبكما فلديكما ما يدعو للفخر والاعتزاز على المستوى العائلي والوطني. واعلما أن هذا الإرث مسؤولية يتوجب الحفاظ عليه بالارتقاء لمستواه وليس قطاراً تستقلانه لمراتب رفيعة أو مكاسب صغيرة.

كونا فخورين بهويتكما الوطنية أيضاً فأنتما تنتميان لشعب عظيم هو عنوان للحرية والأمل والصمود في قلوب أحرار العالم. لا تتأثروا بدعاية المحتل العنصرية أو بمطالبات المستعمرين الجدد ومن يسعون لرضاهم بإثبات إنسانيتنا وحسن نوايانا وتمسكنا بالحياة. نحن ملح الأرض وجذور زيتونها ورسالتنا هي رسالة عز وفخر وإنسانية هزمت بثباتها القهر والنفي والقتل الجماعي وطرزت بنقائها وعنفوانها لوحات من الإبداع والصمود في وعي العالم الجمعي.

أعدكما أن نكون أنا وأبيكما منبعاً للحب والصداقة وألا نبخل عليكما بجواب عن سؤال صعب أو نصيحة وقت حاجتها وأن يكون الصدق مفتاح علاقتنا والاحترام عمادها. لا يمكنني أن أعدكما بضمان استقرار حالنا وأحوالنا ولا حتى بتوفير الأمن والأمان المطلق لأننا يا صغيري نعيش واقعاً تسطو عليه قسوة المحتل وعنصريته. لكني أعدكما بأن أفني عمري لضمان ألا يلوث الواقع الظالم هذا روحكما وعقلكما فتستسلمان للإحباط والسلبية ويتسلل الغضب لقلبكما فيصعب بعدها عليكما أن تزرعوا الأمل وتقطفوا الإبداع لتهزما بنوركم الظلم والظلمات من حولكم.

الأمومة يا صغيري هي أن تعطي من روحك حتى ترى روحاً أخرى تنمو وتزهر حباً وأن تزرع الحب لتحصد حباً أكبر. أنتما رسالتي وعبادتي ونبع حبي الذي لا ينضب. فيكما أرى العالم والمستقبل وأسقي روحي بالإيمان بغد سترسمون معالمه بالحب والعطاء والعلم والفكر الحر.