الحدث- حامد جاد
قلل قائمون على قطاع الإنشاءات من أثر كميات مواد البناء المحدودة التي تدخل غزة على نشاط مصانعهم ومعاملهم التي لا تزال تعمل بطاقة إنتاجية متدنية تعتمد بشكل أساسي على استعانة شركات المقاولات المنفذة لمشاريع الإعمار بمصانعها من أجل تزويدها بما تحتاجه مشاريعها من منتجات تلك المصانع من الباطون الجاهز والبلوك والبلاط وغيرها مما تنتجه، في حين لا تستطيع تلك المصانع حتى الآن الحصول منفردة على الإسمنت كي تنتج وتسوق منتجاتها المذكورة في السوق المحلية بنفسها، لأن آلية الإعمار المعمول بها وشروط تزويد قطاع غزة بالإسمنت ما زالت تحول دون ذلك الأمر الذي يدحض صحة ما زعمته إحدى وكالات الأنباء التي ادعت في تقرير نشرته مؤخراً أن تزويد قطاع غزة بالإسمنت أعاد الحياة لمصانع إنتاج الطوب بعد توقف دام أكثر من عام.
إنتاج مشروط
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع ذوي العلاقة من أصحاب المصانع الإنشائية والمتابعين لنشاط قطاع الإنشاءات اعتبر فريد زقوت، المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الإنشائية أنه من المفترض اعتماد كافة المصانع العاملة في قطاع الإنشاءات وتمكينها من الحصول على الإسمنت اللازم لتشغيلها كي يقال إن هذا القطاع استأنف فعلياً نشاطه، موضحاً أن عدد مصانع الباطون العاملة في قطاع غزة 37 مصنعاً من المفترض أن تعمل جميعها وفق النظام المعمول به في توزيع مواد البناء، بينما على أرض الواقع العدد المعتمد الذي يعمل منها وفق آلية الإعمار هو 12 مصنعاً والباقي لا يزال قيد الزيارات من قبل فريق المراقبين الدوليين (UNOPS) أما عدد مصانع البلاط والإنترلوك في القطاع 16 مصنعاً، والمعتمد منها سبعة مصانع، وعدد مصانع البلوك 258 مصنعاً اعتمد منها عدد محدود وتعمل جميعها حسب ما يعرف بنظام الـGRM .
وأوضح زقوت أنه حسب النظام المعمول به تقوم هذه المصانع بتسويق إنتاجها للمسموح لهم فقط حسب النظام المذكور الذي يخول صاحب المصنع بإنتاج البلوك أو البلاط لصالح مشروع ما أو لصاحب منزل متضرر حصل على كمية من مواد البناء لإعادة بناء أو إصلاح منزله فاستعان بمعمل البلاط أو البلوك لإنتاج الكمية التي يحتاجها منزله. لافتاً في هذا السياق إلى أن أي مواطن بإمكانه أن يزود المصنع بكمية معينة من الإسمنت ليقوم بإنتاج البلوك أو الباطون بينما صاحب المصنع لا يستطيع إنتاج وتسويق البلوك على حسابه كما كان عليه الأمر قبل الحصار، فهناك فرق بين صاحب الذي يستطيع طلب كميات من الموردين أو أن يحصل على الإسمنت من خلال شركات المقاولات والمنظمات المنفذة لمشاريع الإعمار.
تحسن طفيف
ووصف زقوت التحسن الذي طرأ على قطاع الإنشاءات بالطفيف، مبيناً أن هذا القطاع كان قبل الحصار يعمل بكامل قدرته الإنتاجية، وفي مرحلة دخول الإسمنت عبر الأنفاق الحدودية مع مصر كانت قدرته متذبذبة صعوداً وهبوطاً، ولكنها كانت أفضل حالاً مما هو عليه الوضع الأن حيث أن الطاقة الإنتاجية لا تتجاوز في أفضل أحوالها في ظل المرحلة الحالية أكثر من 30% مما كانت عليه قبل الحصار.
وشدد زقوت على أن حل أزمة البناء وعودة القطاعات الإنشائية إلى سابق عهدها لا يتحقق إلا بإعادة فتح معابر القطاع أمام دخول مواد البناء كافة ولكل القطاعات وفي مقدمتها القطاع الخاص وبلا شروط أو معيقات تتحكم في حجم الكميات المسموح بإدخالها، وهوية المستفيدين منها كما هو واقع حال آلية إدخال مواد البناء إلى غزة المعمول بها منذ ما بعد الحرب الأخيرة على غزة.
ولفت إلى التقدم الجزئي الذي طرأ مؤخراً على الآلية المذكورة بعد أن تم الاتفاق على تزويد المواطنين بمواد البناء حسب ما أعلنت عنه وزارتا الاقتصاد والإسكان الشهر الماضي، ومن خلال إرسال كشوف أسماء المستفيدين عبر وزارة الشؤون المدنية التي تقوم بدورها بمخاطبة الجانب الإسرائيلي لتلبية كميات مواد البناء المسجلة في الكشوف المرفوعة لإسرائيل من أجل استخدامها للإصلاحات الداخلية وأعمال التشطيبات فقط، الأمر الذي يعني أن ذلك لن ينعكس إيجاباً على المصانع التي يعتمد انتعاش أعمالها على عملية إعمار متكاملة.
ونوّه زقوت إلى أن آلية حصول المواطنين على مواد البناء المرتبطة بإجراءات استخراج التراخيص والمخططات الهندسية من البلديات لا تنسحب على كل الفئات المحتاجة لمواد البناء، حيث هناك من لا يستطيع الاستفادة من هذا النظام ممن تقع مساكنهم في مناطق غير مرخص البناء فيها وتكون مناطقهم السكنية غير خاضعة للتخطيط الحضري ومن هذه المناطق أجزاء من حي الشجاعية شرق مدينة غزة وبلدة بيت حانون ومناطق أخرى كالشاطئ وجباليا، وبالتالي هناك شرائح اجتماعية واسعة لا تستفيد من هذه الآلية التي لا تلبي أيضاً متطلبات تمدد الاحتياجات الطبيعية للزيادة السكانية التي حدثت ما بين عام 2006 وحتى عام 2015 والتزايد المطّرد في هذه الاحتياجات.
ويذكر في هذا الشأن أن الإحصاءات الصادرة عن شركة سند حول كميات الإسمنت الواردة خلال الشهرين الماضيين تدلل أن الزيادة المحدودة في كمية الإسمنت التي تم إدخالها عبر الشركة ذاتها لا ترتقي إلى مستوى إحداث تحسن في الصناعات الإنشائية حيث بلغ ما تم إدخاله الشهر الماضي من الإسمنت نحو 34 ألف طن مقارنة مع نحو 22 ألف طن في الشهر الذي سبقه، بالإضافة إلى دخول كميات محدودة خلال الشهر الماضي من الإسمنت التركي والمصري، كما ولا تزال المشاكل التي تواجه دخول الإسمنت قائمة وأبرزها عدم تلبية الجانب الإسرائيلي للطلبيات المقدمة له ومنها على سبيل المثال تمت المطالبة في إحدى الطلبيات بإدخال حمولة 10 سيارات، وجاءت الموافقة على إدخال خمس شاحنات، بالنسبة لشاحنات السيلو تقدمت سند بطلب إدخال ست شاحنات، وجاءت الموافقة الإسرائيلية على إدخال ثلاث شاحنات.
الربط القسري بين المصنع ومشاريع الإعمار
ويؤكد فضل الجرو، صاحب مصنع لإنتاج البلوك والإنترلوك أن القدرة الإنتاجية لمصنعه لا زالت أقل من نسبة 50% مما كان ينتجه مصنعه قبل عام 2007، مشيراً إلى أنه يمتلك هذا المعمل منذ عام 1995 وكان يتم تشغيله على مدار الساعة "أربع ورديات"، أما حالياً ففترات العمل تقتصر في أفضل الأحوال على ورديتين في اليوم، منوهاً إلى أن عدد العمال الذين كانوا يعملون لديه 30 عاملاً، واليوم 15 عاملاً جميعهم مرتبط عملهم بما هو متوفر من الإسمنت داخل المصنع، واصفاً في هذا السياق آلية تزويد المصانع بالإسمنت بآلية عقيمة رغم أن هناك وعوداً بتحسينها، ولكن تظل، حسب قوله، مجرد وعود دون تنفيذ.
وقال الجرو: "نعمل حسب المشاريع المتوفرة لدينا، وفي حال توقفها لسبب أو آخر يتوقف عملنا مباشرة حيث نعتمد بالأساس على العمل مع شركات المقاولات المنفذة لمشاريع الإعمار المختلفة الممولة من قطر أو وكالة الغوث والمنظمات الدولية المختلفة، ولا يستطيع أن ننتج لحسابنا ونسوق إنتاجنا للمواطنين إلا في حالة واحدة فقط: أن يقوم المواطن نفسه بتزويد المعمل بالإسمنت ونحن من طرفنا نقوم بإنتاج الكمية المطلوبة وتسليمها له مقابل أجرة الإنتاج".
وبين أن سعر متر البلاط الخاص بشركات المقاولات المنفذة لمشاريع الإعمار، والتي تحصل على مواد البناء حسب الآلية المعتمدة، يبلغ 35 شيكلاً، أما المواطن العادي الذي يشتري الإسمنت من السوق السوداء ويحضره للمصنع، فيبلغ سعر المتر الواحد 50 شيكلاً، وبأي حال العائد المادي الذي يحققه المعمل لدى تعامله مع طلبيات المواطنين محدود جداً، حيث أن المواطن يطلب في أفضل الأحوال 100 متر، بينما تأخد الشركة آلاف الأمتار، وبالتالي جل عمل المصانع يعتمد على مشاريع الإعمار.
ويتفق مجدي القواليشي صاحب معمل بلوك مع الجرو في توصيف الأثر المحدود المترتب على دخول مواد البناء مبيناً أن عمل مصنعه يعتمد أيضاً على ما ينتجه لصالح شركات المقاولات والمشاريع الخاصة بإعادة بناء المنازل المدمرة، إضافة إلى عمله مع عدد من المواطنيين المضطرين لتحمل كلفة شراء الإسمنت بأسعار السوق السوداء ويزودون المصنع بهذه الكميات المحدودة وبكميات من الحصمة ذات الثمن المنخفض المستخرجة من المنازل المدمرة.